مقالات وآراء

سورية : أميركيون وعرب يحاولون الثأر من سبي نبوخذ نصر لليهود .. بقلم أحمد زين الدين

في لقاء جمع مراسلين أميركيين وصحافيين لبنانيين، ثمة حديث تشعب في عدة اتجاهات، كان اللبنانيون في معظمه ينصتون مرة بشيء من الدهشة، وأخرى بشيء من الارتباك، وإن كان أحدهم ينصت باهتمام، مسجلاً في ذهنه حركة وانفعالات الجميع.

يتعجب أحد الأميركيين الذين يمتلكون الكثير من الخبرة والتجربة المهنية، وغطى الكثير من الأحداث العالمية، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، كيف أن العرب يتحولون إلى هوامش في أمور ومواضيع تتعلق بمصيرهم ومستقبلهم.

يبدأ هذا الأميركي المخضرم من الحديث عن اجتماعات جامعة الدول العربية، ويركز هنا على كلمة “الدول”، بشكل يجعلك تشعر أنه يضع تحتها ثلاثة أو أربعة خطوط حمراء.

كيف هي جامعة “دول” وتستضيف معارضات لسورية أو للدولة السورية! ماذا لو طلبت معارضة قطرية، أو معارضة سعودية، أو أي معارضة أخرى في بلد من أعضاء الجامعة العربية من نبيل العربي أن تعقد مؤتمراً في هذه الجامعة، وتحت رعايته، لمواجهة دولتها أو نظام الحكم فيها، هل يتجرأ “العربي” على تلبية طلبها؟

يضحك الرجل هنا ويقول: كأنني أشعر بهذا الرجل القانوني أنه كتلة من الغباء؛ ليس في القانون، إنما في التاريخ أيضاً، وحتى في الجغرافيا العربية وتضاريسها، وما فيها من صحارى وواحات وبدو وحضر.. أشعر أنه جاء إلى هذا العالم من كوكب آخر، وليس من التاريخ المصري العريق، وجغرافيا النيل، ليبدو كأنه أقرب إلى موظف في مشيخة صنعها الإنكليزي في يوم من الأيام، وكل هدفه ألا يفوّت الفرصة التي وصلته، من أجل جمع المال والثروة.. حتى لا يقضي أرذل العمر في مأوى أو مصحة يتخيلها دائماً في أحلامه.

أحد اللبنانيين تتدفق إليه المعلومات بسهولة من أجهزة استخبارات أميركية وغربية وعربية، وفي مقالاته ولقاءاته الإذاعية والمتلفزة تكرّ على لسانه المعلومات والنتائج الحاسمة، التي لم تصدق مرة، وآخرها أن الروس لا يمكنهم أن يتجاهلوا كل هذا الضغط الدولي والعربي الهائل، وهم (أي الروس) أقوياء عسكرياً واقتصادياً، لكنهم لا يغامرون، وأعطى مهلة سماح للرئيس الأسد حتى منتصف شهر أيار الماضي، لا نعلم لماذا حدد منتصف أيار، ربما لأنه يتصادف مع اغتصاب فلسطين وإعلان دولة الكيان الصهيوني.

أحد المراسلين الأميركيين في تلك الجلسة يأخذ الحديث إلى مكان آخر، ويركز على “الرجل – المعلومات”، قائلاً: الأزمة السورية أو في سورية، ليست أزمة سورية، وقوة الأسد وعبقريته أنه يفهم جيداً مكانة سورية ودورها في التاريخ، كما في الجغرافيا، وهو إذا كان لا يريد أن يولع النار، لكنه يعي تماماً أن ما يحيط به من دول وكيانات، وربما أبعد منها، مجرد هشيم ينتظر شرارة، وهو يعرف أن الجميع يريد أن يوقد النار أو يوقد الدم، إلا العرب الملتبسة عقولهم وأفكارهم، والذين ليسوا سوى صدى للطرق على النحاس، ودمشق هي الأشهر في المنطقة في صناعة النحاس؛ أجود أنواع النحاس.

يتابع: الغرب منذ القديم يريد تنظيف هذا الشرق من الطقوس الدينية، والأيديولوجيا.. في السابق، كانت الحروب الصليبية التي أسماها المسيحيون حروب الفرنجة، لأنها ببساطة كانت تريد إلغاء المسيحية من هذا الشرق، وأخذها إلى عندها، فهل تذكرون ما قاله غورو حينما دخل إلى دمشق بعد الحرب العالمية الأولى..؟ يستطرد: وقف على قبر صلاح الدين وقال له: ها قد عدنا يا صلاح الدين.

ويردف المراسل: ثمة حرب عالمية على سورية، لتستهدف دورها ومكانتها، وحينما أطلقت كونداليزا رايس من قلب بيروت، في تموز 2006، ومن بين أحضان رئيس حكومة لبنان يومها، شعارها: “شرق أوسط جديد يولد من رحم هذه الحرب”، لم يكن من فراغ ولا أحلام، أفشل حزب الله هذا الحلم وحوله إلى كابوس، إلا أن رايس راحت إلى غير رجعة، لكن صديقها اللبناني ما يزال في لجة الحلم.

يحاول “رجل المعلومات” اللبناني أن يقاطعه، لكن المراسل لا يترك له مجالاً، فيتابع: الجنرال “دايفيد” بترايوس، الذي كان قائد المنطقة الوسطى، لم يأت إلى العراق للتنزه، فقبل آلاف من السنين، سبا “نبوخذ نصر” اليهود إلى بابل؛ قائده السابق، الذي تبوأ وزارة الخارجية الأميركية في الولاية الأولى من زمن جورج بوش الابن، جاء إلى الأسد ليبلغه أن زمن سبي اليهود ولى.. فأكد الأسد أن تحرير فلسطين، وفيها كنيسة القيامة ومهد المسيح، والمسجد الأقصى، هو الحلم والأمل والبوصلة.

دايفيد بترايوس؛ المتربع الآن على “عرش” المخابرات الأميركية، يقول المراسل الأميركي، يظن نفسه أنه ماك آرثر العصر، لكنه رغم طول يديه وقدميه يكتشف أن سورية وقبلها العراق ومعهما إيران وحزب الله، يقلمون أظافره، حتى أنه لم يعد يستطيع أن “يخرمش” هوغو شافيز في فنزويلا، وايفو مورالليس في بوليفيا؛ على بعد كيلومترات قليلة من الولايات المتحدة، فكيف وهو يكتشف الآن أن الكوري الشمالي المحاصر من كل الجهات، والممنوع عنه حبة الدواء والغذاء، يصنع صواريخ عابرة للقارات مزودة برؤوس نووية؟ كيف الحال بعد أن انضم إليهم التنين الصيني، والاقحوان الهندي، والدب الروسي..؟ ماذا سيحل بالاستراتيجية الجديدة للبنتاغون الأميركي، والتي تتركز على المحيط الهادئ، خصوصاً بعد أن تبين أن عمالقة آسيا غير قابلة للعطب المالي، كما كان حال نمور آسيا قبل أقل من عقدين من الزمن، فيما روسيا بدأت صحوتها الكبرى، وسيبيريا الجليدية ستكون كوكب الدنيا بثرواتها الخيالية.. ثم إنها لا تزال هي الأرض العذراء بجليدها وصقيعها.. فكيف بثرواتها؟

يا سادة (يقول مراسل ثالث): لقد بدأ العالم يكتشف أن ثقافة “الهوت دوغ” الأميركية لم تصل مع نيل أرمسترونغ إلى سطح القمر، إذ ما زال القمح سيد الغذاء، مهما تنوعت وسائل الغذاء المصنعة، وتعددت الوجبات السريعة، وسورية وسهولها ما زالت تتمايل فيها السنابل الذهبية، واستراتيجية الـ”سي آي إي” والبنتاغون، ومعهما الشركات العابرة للقارات، تستطيع أن تتحكم بقاعدة المسيلة، والدولة التي تستضيفها وتملي عليها شروطها، لأنها ليست دولة بالمعنى الحقيقي، وتستطيع أن تتحكم بدولة على اسم عائلة، كل ما فيها أنها تستفز أرضها وتنتهكها لاستخراج الثروة والهبة الإلهية الكبرى في باطنها، ما جعل الخبراء الاقتصاديين في العالم يتوقعون أن هذه الدولة ستكون أول دولة في الدنيا تنضب ثرواتها في يوم ما، بأسرع ما يتخيله المرء.

المراسلون الأميركيون يضحكون جميعاً دفعة واحدة حينما يعلق أحد اللبنانيين أن بلادكم هي المسؤولة عن كل النكبات، والتي سببتها نظريات عقائدييكم، فبول ولفووتيز هو صاحب نظرية “الشرق الأوسط الكبير”، وتوماس فريدمان هو صاحب نظرية “استيقاظ الآلهة”، و”وضع آلهة في مواجهة الآلهة”، وأنتم والسعوديون أوجدتم القاعدة، وأعدتم إحياء نظرية “صراع المذاهب”..

وها هي الآن شقراؤكم العجوز هيلاري كلينتون تصرّح صبحاً وعشية أن نهاية الأسد اقتربت، وتركض وراء اجتماعات المعارضات السورية؛ من تونس إلى اسطنبول إلى القاهرة إلى باريس، وإلى كل مكان فيه رائحة عداء للأسد، ثم ها هي تضغط على ملك الأردن لينخرط مباشرة في الحرب على سورية، بعد أن حاول النأي بنفسه عن الأزمة السورية، لأنه يعلم تماماً أنه إذا قطع بشار الأسد عنه المياه، فسيدب العطش في هذه الدولة التي أوجدت لإرضاء الشريف حسين، بعد أن ساعدت بريطانيا “العظمى” ثم الولايات المتحدة عبد العزيز آل سعود لبسط سيطرته على نجد والحجاز وطرده منها.

هنا يقول أحد المراسلين: لا أعلم لماذا أنتم العرب، وتحديداً بعض من يصفون أنفسهم علماء اقتصاد أو علماء اجتماع، تذكرون توماس مالتوس (1766 – 1834) كثيراً، وهو باحث سكاني واقتصادي سياسي إنكليزي تحدث عن ضرورة إنهاء حياة عدد كبير من الناس في زمن الكوارث الطبيعية والحروب، من أجل أن يحصل المرء على نصيب وافر من الغذاء، ولا تأتون على سيرة ابن خلدون، الذي بحث منذ القرن الرابع عشر عن الصلة الوطيدة بين عدد السكان ومستوى الحضارة، لأن عدد السكان عامل هام في تقسيم العمل والنمو..

ليتابع آخر بالقول: إن مشكلة سورية أنها ما تزال تؤمن بعروبتها، وما يزال لابن خلدون مكانة، رغم محاولات البعض في فترة من الفترات أخذ سورية إلى مكان آخر اقتصادياً، فكان ذلك أحد أسباب معاناتها اليوم، والذي جعل رجلاً مثل رجب طيب أردوغان وتابعه أحمد داود أوغلو يصوران نفسيهما وكأنهما قادران على الإطاحة بالنظام السوري، وأنهما يستطيعان أن يجددا مكانة “الأستانة” وبابها العالي، لكنهما الآن يشعران بمرارة وترهل، بعد أن أُبلغا من الروس والإيرانيين والعراقيين بعدم اللعب بالنار، علماً أن أردوغان لعب دوراً بتمكين الموساد “الإسرائيلي” من اختراق شبكات المسلحين والإرهابيين، ليبدأ عملية اغتيال علماء وباحثين وعسكريين سوريين وعلماء طيران، وكان آخرهم أحد قادة حركة حماس.. وكثير من تفاصيل إضافية تُكشف عن ألسنة أميركيين حجم استهداف سورية من كل “حلف الشياطين”.. وقد يكون لنا عودة إلى مزيد من التفاصيل.

(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock