مقالات وآراء

التآكل في الأجهزة العسكرية والأمنية الأميركية .. بقلم جورج حداد

منذ أن شنت الولايات المتحدة الأميركية الحرب على أفغانستان ثم العراق، وهي تعاني سلسلة من الأزمات المتداخلة والمتلاحقة كان آخرها وأشدها تأثيراً الازمة المالية والاقتصادية التي انفجرت في العام 2008. وقد انعكس ذلك بشكل خاص على المؤسسات الأمنية والعسكرية التي تمثل العمود الفقري والهيكل الاساسي للدولة الامبريالية الاميركية. ومن الامثلة البارزة على ذلك انه بسبب ضعف اداء المؤسسة العسكرية الاميركية في العراق جرى فتح الباب واسعا لاستقطاب المرتزقة من غير الأميركيين الى الجيش الاميركي مقابل اغراءات مالية كبيرة ومنح الجنسية الاميركية فورا للمرتزقة. كما زاد الاعتماد على الوكالات الامنية الخاصة التي ازداد تكليفها بمهمات كانت منوطة بجيش الاحتلال الاميركي، وهو ما ظهر جليا في ما سمي فضيحة وكالة “بلاك ووتر”. وفي الفترة الاخيرة سمح للمثليين الجنسيين بالانتساب الى القوات المسلحة الاميركية.

وفي هذا السياق عبرت اجهزة المخابرات الاميركية، ولا سيما “السي آي ايه” و”الاف بي آي”، عن القلق الشديد حيال تسرب المعلومات من داخل المؤسسات الاستخباراتية الى الصحافة. وقد وجدت المؤسسات وسيلة لمكافحة هذه الظاهرة السلبية، وهي اخضاع جميع عملاء “السي آي ايه” و”الاف بي آي” وغيرها من المؤسسات الامنية للدولة، للفحص على جهاز كشف الكذب، وأن يجيب كل عميل عن سؤال عما اذا كان قد ساهم في تسريب معلومات سرية للصحافيين، حسبما جاء في جريدة “وول ستريت انترناشوتل”، نقلا عن شون تيرنر السكرتير الصحفي لرئيس وكالة التجسس الوطنية جايمس كلابر.

واكدت جريدة “نيويورك تايمز” ان مثل هذه الاسئلة ستوجه اثناء اختبار كشف الكذب ليس فقط عند الانتساب الى المؤسسات الامنية المعنية، بل وفي اي وقت كان اثناء الخدمة، لدى ظهور حاجة الى ذلك. وقد أمر كلابر باعادة النظر في القواعد التي تضبط العلاقات فيما بين المنتسبين الى الاجهزة الامنية، والذين تتيح لهم وظيفتهم الاطلاع على معلومات سرية، وتضبط الاتصالات بين هؤلاء وبين وسائل الاعلام. ومن المتوقع ان يتم تشديد هذه القواعد. وقد قررت ادارة الرئيس باراك اوباما ان تنشط مكافحة تسرب المعلومات، بعد ان تم في ربيع هذه السنة نشر معلومات حول عمليات سرية لاميركا. وكان الصحفيون الذين نشروا تلك المعلومات قد عزوها الى مصادر مجهولة، على اطلاع على تفاصيل تلك العمليات. وجرى الحديث بشكل خاص عن ان اوباما شخصيا كان يختار من لائحة تقدم اليه باسماء الارهابيين اولئك الذين ينبغي توجيه ضربة لهم بواسطة الطائرات بدون طيارين. وفي معلومات سرية منشورة اخرى يجري التأكيد انه بعد بضعة اشهر من استلامه مهام منصبه سنة 2009، فإن الرئيس الاميركي أمر بتنشيط الهجمات الالكترونية ضد الانظمة الكومبيوترية، المرتبطة بالبرنامج النووي لايران. كما تسربت الى وسائل الاعلام معلومات حول تجنب عملية ارهابية ضد طائرة، كانت “القاعدة” تستعد للقيام بها.

وبعد تسرب المعلومات الى وسائل الاعلام بدأت “السي اي ايه” و”الاف بي اي” ووزارة العدل الاميركية التحقيقات.

وقد اتهم الجمهوريون، ومنهم السيناتور جون ماكاين، ادارة اوباما بأن المعلومات السرية قد قدمت عمدا الى وسائل الاعلام. وحسب رأي المنتقدين للرئيس الاميركي فإن تسريب المعلومات والمواقف المبنية على هذا التسريب قبل اشهر من الانتخابات الرئاسية تهدف الى اعطاء اوباما مظهر السياسي القوي والحازم ولرفع رصيده الشعبي في اعين الناخبين.

ومن جهة ثانية، كشفت التحقيقات الجارية التي تقوم بها “الأف بي اي” انه يوجد اكثر من 100 شخص في القوات المسلحة الاميركية من المحتمل ان يكون لهم اتصالات مع الاسلاميين. وقد قدمت المعلومات بهذا الخصوص في اجتماع خلف الابواب المغلقة لمجلس الكونغرس في نهاية السنة الماضية. وجرى التحقق من المعلومات ليس فقط في اوساط العاملين في القوات المسلحة، بل وفي اوساط الاحتياطيين وأفراد عائلاتهم. ومن المتوقع ان عشرة على الاقل من المشبوهين سوف يخضعون لتحقيق شامل، لأن التهديد المتأتي من جانبهم يعتبر جديا. وهؤلاء الاشخاص هم مشبوهون بالتحضير لعمليات ارهابية وبأنهم على صلة بـ “اشخاص خطرين”، يدفعونهم الى القيام بالهجمات.

جورج حداد

(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock