رئيس سابق للموساد ومفاجئة المفاعل السوري
في الذكرى 15 لتدمير العدو الصهيونى المفاعل النووي السوري بدير الزور، نشر موقع “تايمز أوف إسرائيل” تفاصيل اكتشاف تل أبيب فجأة له على لسان أمنون صفرين، وهو رئيس سابق للموساد.
وسرد صفرين، الذي بدأ مسيرته المهنية في الاستخبارات العسكرية ثم التحق بوكالة التجسس التابعة للموساد، خطوة بخطوة، التطورات الصعبة قبل محادثة حاسمة أجراها مع رئيس الوزراء آنذاك إيهود أولمرت، وأبلغه بأن سوريا على وشك أن تصبح دولة ذات قدرة نووية في غضون أسابيع قليلة.
وقال صفرين في شهادته “أعلن البريطانيون والأمريكيون في ديسمبر 2003 أنهما تمكنوا بعد عدة أشهر من المفاوضات من إقناع (الزعيم الليبي معمر) القذافي بالتخلي عن خططه للأسلحة النووية مقابل رفع العقوبات”.
وتابع رئيس الموساد الأسبق قائلا: “أتأمل هذه الحادثة وأسأل نفسي: هل علمنا بها؟ لقد أدركنا أن هناك نوعا من البنية التحتية في ليبيا، لكننا كنا بعيدين جدا عن فهم الموقف ومدى قرب القذافي من السلاح النووي. لقد أدركنا جميعا أن إسرائيل مستبعدة من العملية، وهذا يتطلب منا التوصل إلى نتائج فورية”.
وزعم صفرين أن المشروع النووي الليبي اتضح أنه كان في مرحلة متقدمة جدا. وأن الشخص الذي كان يقف وراء المشروع هو عبد القادر خان، وهو عالم فيزياء باكستاني باع خبرته النووية لكل من يرغب. وكان علم أن دولتين على الأقل اشتريتا خدمات خان (أبو القنبلة النووية الباكستانية) هما إيران وليبيا.
وراء إخفاء المشروع الليبي كانت تقف عائلة تينر السويسرية، التي زودت مواقع التخصيب بأجهزة الطرد المركزي وبمواد البناء باستخدام سندات شحن مزورة قدمت إلى السلطات السويسرية.
وأفيد بأنه جرى إخفاء الموقعين النوويين الرئيسيين في ليبيا في مدرسة ومزرعة ريفية. في مرحلة ما، وصلت المعلومات حول تورط عائلة تينر إلى وكالة الساتخبارات المركزية، ما جعل أفرادها، بشكل فعال، عملاء مزدوجين يقدمون معلومات حول التقدم المحرز في المشروع النووي الليبي الذي يشرف عليه خان.
كانت هذه هي المعلومات الاستخباراتية التي اعتمدت عليها الولايات المتحدة وبريطانيا عندما اقتربتا من القذافي وهددتا بمهاجمة المنشآت. أجرى القذافي حسابات سريعة وأدرك أن مصيره سيكون مثل صدام حسين في العراق، ووافق على الكشف عن المشروع بأكمله والسماح لمفتشي الأمم المتحدة بتفكيكه.
وأشار صفرين إلى أنهم قرروا تتبع عبد القادر خان لمعرفة الدول التي زارها في المنطقة. وبعد فحص سريع اتضح لهم انه زار ثلاث دول هي مصر والسعودية وسوريا “لقد استبعدت على الفور الدولتين الأولتين، بسبب اعتمادهما على الولايات المتحدة وخوفهما منها. لقد قيّمت في ذلك الوقت أنهما لن يقدما على مثل هذه الخطوة الصارخة والمتحدية ضد الولايات المتحدة”.
وزعم أن معلومات محددة وصلت إسرائيل من أحد الأطراف أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين حول الأنشطة السورية المتعلقة بأجهزة الطرد المركزي النووية. كانت المعلومات أولية ولم تتطور لتكون كافية لإطلاق عملية استخباراتية، إلى أن تم الإعلان الأمريكي البريطاني عن تفكيك مشروع القذافي.
وكشف رئيس الموساد في تلك الفترة أنه كلف باحثين اثنين بتفحص جميع المواد من العقد الماضي لتحليل نوايا سوريا في سياق القضية الليبية، وأن هذين الخبيرين المتخصصين عادا بعد شهر ونصف من العمل باستنتاج جلي يفيد بأن سوريا لديها برنامج نووي، لكنهما لم يتمكنا تحديده بالتفصيل، “لكن الاستنتاج كان حاسما: هناك نشاط يعني أن (السوريين) يشيدون قدرات نووية، وهذا جرى بالفعل في يناير 2004 “، فيما أصدر الموساد في فبراير 2004، أول تحذير حول احتمال وجود مشروع نووي في سوريا، وأشارت وثيقة الموساد، بحسب صفرين، بوضوح إلى نشاط مشبوه على أساس التجربة الليبية وتورط العالم الباكستاني.
وكشف صفرين أن الاستخبارات الإسرائيلية كادت أن تخطئ في تحديد مسار البرنامج النووي السوري وظنت في البداية أنه على خطى عبد القادر خان المتخصص في التخصيب “وكان الافتراض العملي هو أن سوريا كانت تتبع نفس المسار، وهو تقييم ثبت لاحقًا أنه خاطئ”.
وبعد ذلك قام الموساد بجهود استخباراتية قال عنها رئيس الجهاز الاستخباراتي الإسرائيلي الأسبق أنها أشبه بفتح نوافذ متوالية، وبنهاية 2006 “بدأنا في تكوين فكرة حول وجود عدة أماكن بها نشاط مشبوه. في هذه المرحلة ، لم نتمكن من تحديد ما الموجود في كل مكان، لكننا قيمنا أن هناك نشاطًا نوويا”.
في تلك المرحلة، بحسب الرجل “كانت الاستخبارات العسكرية والموساد تعملان بعمق في عملية استخبارات عالمية لفهم نوايا الرئيس السوري بشار الأسد. وقد تضاعفت اجتماعات المؤسستين لمناقشة الوضع وتزايدت”.
وتوصل الإسرائيليون في ذلك الوقت إلى أن الافتراض الرئيس المتوفر لديهم يتعلق بأجهزة الطرد المركزي في حين أن “الاتجاه الصحيح هو في الواقع مفاعل بلوتونيوم”.
وأشير إلى ان التخصيب في مفاعل البلوتونيوم يتم عن طريق انشطار قضبان معدنية يتم إدخالها في قلب المفاعل. ويلزم لهذا الغرض، بناء مفاعل بغطاء من الرصاص والخرسانة حوله لمنع التسرب. وعلى عكس أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم التي يمكن نشرها في أي مكان، يُبنى مفاعل البلوتونيوم بالقرب من مصدر للمياه للسماح بتبريده المستمر.
وأفيد في هذا السياق بأن خطوة أخرى شائعة نحو القنبلة تجري من خلال استخدام أجهزة الطرد المركزي التي تخصب اليورانيوم إلى مستوى 90 في المائة، والتي يتم استخراج المواد النووية المتفجرة منها. يتم تحويل اليورانيوم المستخرج بشكل طبيعي إلى غاز، ويجري وضعه في أجهزة الطرد المركزي وتخصيبه عن طريق تدويرها. بعد تخصيبه بنسبة 90٪، يتحول اليورانيوم إلى مادة معدنية وهي قلب القنبلة.
ومن هذا التقييم، توصلت الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية إلى أن المفاعل النووي السوري لا يتفق مع النموذج الباكستاني بل الكوري الشمالي.
وبحسب تحقيق أجرته صحيفة نيو يوركر، ولم تنكره إسرائيل أبدا، فقد تتبع عملاء الموساد إبراهيم عثمان، رئيس وكالة الطاقة الذرية السورية، الذي وصل لحضور الاجتماع السنوي للمحافظين في مقر وكالة الطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة في فيينا. ووفقا للتحقيق، اقتحم عملاء الموساد غرفته بالفندق واستنسخوا جهاز الكمبيوتر الخاص به وغادروا دون أن يتركوا أثرا.
وعلى الرغم من رصد الاستخبارات الإسرائيلية في ذلك الوقت للعديد من الأدلة بشأن مفاعل البلوتونيوم بدير الزور إلا انه قيل إنهم كانوا يفتقرون إلى دليل بمعيار ذهبي!
وقال صفرين إن إسرائيل بعد أن رصدت في تلك المرحلة نشاطا للكوريين الشماليين في سوريا، دخلت في سباق مع الزمن خشية أن تكون شحنة البلوتونيوم موجودة بالفعل في سوريا وأن المفاعل سيتم تشغيله. إذا كان الأمر كذلك، فإن أي هجوم عليه سيعني انفجارًا نوويًا لا يمكن السيطرة عليه. وناشد اولمرت الامريكيين مهاجمة الموقع، إلا أن جورج بوش الابن رفض وأنهى أولمرت الحديث بجملة تقول “إسرائيل ستفعل ما يجب عليها أن تفعله”.
وبدأت إسرائيل التحضير لتدمير المفاعل النووي السوري في دير الزور، “وإلى جانب الجهود الاستخباراتية والعملياتية، كان افتراض العمل الإسرائيلي الصارم هو أن الاسد بعد قصف المفاعل، سيبدأ حربا ضد إسرائيل. في الحديث التحضيري، وافقت الإدارة على الفور وتساءلت، بالطائرات أم بالسفن؟”.
وكان هذا الحديث يدور حول ذخائر خاصة استجلبت من الولايات المتحدة لاستعمالها في قصف المفاعل النووي السوري، وقد نقلتها سفينة أمريكية رست في كريت بدلا عن ميناء أشدود بسبب حجمها الضخم، “وعلى مدار ثلاثة أيام قامت السفن الإسرائيلية بتحميل الشحنة في جزيرة كريت ونقلها إلى إسرائيل دون أن يلاحظ أحد النشاط الإسرائيلي المكثف في البحر الأبيض المتوسط”.
وفي عملية سماها الإسرائيليون”خارج الصندوق”، قصف الجيش الإسرائيلي في 6 سبتمبر 2007 المفاعل السوري ودمره بالكامل، فيمل لفت صفرين إلى أن المشروع النووي السوري لم يبدأ مع بشار الأسد بل مع والده حافظ الأسد، وربما كان ذلك في منتصف الثمانينيات.
ورأى رئيس الموساد الأسبق أن الأسد الأب في هذه الفترة كان يردد عبارة “التوازن الاستراتيجي”. إسرائيل، كانت تعتقد أن حافظ الأسد يعني أمرا هو كان يعني شيئا آخر، موضحا أن “حافظ الأسد حين قال” التوازن الاستراتيجي “اعتقدنا أنه كان يتحدث عن تعزيز كبير لقدرته العسكرية التقليدية لمواجهة إسرائيل”.
وتابع صفرين يقول إن بشار الأسد “طرح شيئا مشابها واعتقدنا أنه يردد صدى والده. وفقط بعد فوات الأوان، أدركنا أنه كان يقصد امتلاك أسلحة نووية. بالتأكيد كان التفكير والتخطيط للأب”.
المصدر: روسيا اليوم عن “تايمز أوف إسرائيل”
سيريان تلغراف