روسييسكايا غازيتا : رئيس مصر الجديد .. الأسباب والعواقب
نشرت صحيفة “روسييسكايا غازيتا” في عددها الصادر في 26 حزيران مقالة بهذا العنوان بقلم السياسي المخضرم والمستشرق المعروف الاكاديمي يفغيني بريماكوف يتناول فيها مغزى انتخاب محمد مرسي لمنصب رئيس مصر بالنسبة الى مصر والشرق الاوسط وروسيا.
لا بأس من التذكير بأهمية مصر بصفتها مركز الحياة السياسية في العالم العربي ، واحدى الدول القيادية التي جرت فيها في مطلع عام 2011 أحداث ثورية اطلقت عليها تسمية ” الربيع العربي”.
ان انتخاب محمد مرسي رئيسا لمصر كان تعبيرا عن ارادة الشعب ، وكانت الانتخابات ديمقراطية لأول مرة. وقد ساعدت عدة ظروف على التعبير عن إرادة الشعب. اولها ، ان التصويت كان بمثابة احتجاج ضد النظام القديم الذي حظر نشاط منظمة ” الاخوان المسلمون” وزج بأعضائها في السجون.
وثانيا ، كان المنافس الرئيسي لمحمد مرسي هو رئيس وزراء سابق في عهد مبارك ، وأقترن إسمه بالسلطة السابقة المتهمة بفرض الانظمة الدكتاتورية وبالفساد على مدى اعوام طويلة وفي المسئولية عن الاحداث الاخيرة – بإطلاق النار على المظاهرات السلمية.
وثالثا ، ان حركة ” الاخوان المسلمون ” هي أكبر قوة سياسية منظمة في مصر . وبالرغم من انها لم تشارك في المرحلة الاولى من الموجة الثورية التي اجتاحت ميدان التحرير في القاهرة ، فأن الكثيرين من اعضائها كانوا في صفوف المتظاهرين واندمجوا معهم ولم ينظر إليهم كغرباء .
ورابعا، لقد شكل ” الاخوان المسلمون” في بداية الربيع العربي حزب الحرية والعدالة الذي تخلى عن الواجهة الاسلامية وحتى أعلن استعداده لقبول الاقباط المسيحيين في صفوفه.
وخامسا ، كانت الاحزاب العلمانية في مصر في اللحظة الراهنة عاجزة عن مواجهة ” الاخوان المسلمون” كما لا يستبعد ان العديد منها أيد مرشحهم بأعتبار انه قادر على مقاومة الاسلاميين المتشددين من حزب ” النور ” الذي توطدت مواقعه.
ويلفت الانتباه ان محمد مرسي أعلن لأول مرة في خطابه انه يعتزم ان يصبح ” رئيسا لجميع المصريين” ولهذا ينسحب من منظمة ” الاخوان المسلمون” ومن حزب الحرية والعدالة. كما أعلن ان مصر ستحترم جميع إلتزاماتها الدولية . ومن الطبيع ان يجلب هذا الاعلان الاهتمام على نطاق واسع لأن غالبية الدول تريد الإبقاء على اتفاقية السلام بين مصر واسرائيل التي انضمت سلطاتها الى حملة التأييد الدولي.
لكن هل يمكن ان نعتبر هذا كله نهاية الحديث ؟ انا لا اعتقد ذلك. وقبل كل شئ لأنه ستطفو على السطح الآن المصاعب الاقتصادية الخطيرة ، حيث ان الاقتصاد المصري كان يراوح في مكانه طوال العام .يضاف الى ذلك عدم توفر المهارات المهنية لدى الذين تولوا السلطة – وتوجيه النقد دائما أسهل من البناء. ولا ريب في ان الذين صوتوا ضد مرسي يشكلون قوة كبيرة ، حيث انه فاز بتفوق يبلغ مليون صوت من مجموع 27 ملايين ونصف مليون صوت للناخبين المشاركين في الانتخابات الرئاسية . وسيجد الرئيس الجديد صعوبة في مقاومة اتجاهات تفكير “الشارع المصري” الذي تستثيره غارات سلاح الجو الاسرائيلي المستمرة على غزة . وأفعال اسرائيل هذه هي الرد عقابا على القصف الصاروخي من اراضي قطاع غزة ، لكن الغارات تؤدي الى مصرع الاهالي الفلسطينيين المسالمين الذين يتجاوز عدد ضحاياهم على عدد الضحايا لدى الجانب الاسرائيلي. لقد مارست مصر طوال اعوام كثير في عهد مبارك دور الوسيط سعيا الى إجراء المفاوضت الفلسطنيية – الاسرائيلية واستقرار الوضع في غزة التي كانت قبل حرب الايام الستة اقليما اداريا مصريا. وسيظهر الزمن فيما اذا سيواصل الرئيس المصري الجديد ممارسة هذا الدور.
ولربما ان الأمر الرئيسي هو – الجيش المصري. فبالرغم من ان قيادته وكذلك رجال أجهزة الأمن لم يصوتوا ، بلا ريب ، لصالح محمد مرسي ، فان الجيش لم يقم – وهذا قبل كل شئ بفضل الشعب المصري- بأية أفعال من شأنها ان تحبط الانتخابات الرئاسية. لكن الجيش كان على مدى عقود طويلة اللاعب الرئيسي على الساحة السياسية والاقتصادية المصرية. فهل سيوافق الجيش على تسليم الرئيس المنتخب الجديد السلطة الفعلية ؟ هذا ما سيظهره الزمن أيضا.
لقد هنأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين محمد مرسي بمناسبة انتخابه الى أرفع منصب في الدولة. وانا اعتقد بأن هذه التهنئة ليست من باب الواجب الرسمي ، بل هي تعبير عن الآمال في اقامة تعاون بناء بين روسيا والقيادة الجديدة في مصر بهدف تطوير العلاقات بين البلدين واحلال السلام والاستقرار في الشرق الاوسط .
سيريان تلغراف