وصل وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، الاثنين 15 فبراير، إلى دمشق، حيث ناقش مع الرئيس السوري، بشار الأسد، قضايا “الصراع المشترك ضد فلول الإرهابيين الدوليين”.
تأتي هذه الزيارة على خلفية التدريبات الروسية واسعة النطاق في شرق البحر الأبيض المتوسط، والتي تشارك فيها 15 سفينة، من بينها 3 سفن من طراز “قاتلات حاملات الطائرات”، طرادات مشروع “أطلنط”. بالإضافة إلى ذلك فقد وصلت القاذفات الاستراتيجية الروسية من طراز “ميغ-31ك” و”تو-22إم” إلى سوريا، وكلتاهما حاملات لصاروخ “كينجال” فرط الصوتي المصمم لتدمير أسطول العدو ولا يمكن اعتراضه.
يجدر التذكير هنا بأن روسيا كانت قد طالبت، 28 يناير الماضي، في مجلس الأمن الدولي، بالانسحاب الفوري لجميع القوات الأجنبية المتمركزة على الأراضي السورية بشكل غير شرعي.
وذلك على خلفية أن الجيش الروسي أغفل في ليلة 16 فبراير الجاري، غدراً وسخريةً، الموعد الذي حدده له الرئيس الأمريكي، جو بايدن، لـ “غزو أوكرانيا”.
من جانبه خاطب بايدن الشعب الأمريكي، قبل ساعتين من موعد “الغزو الروسي”، محذّراً إياه من الصعوبات والتداعيات الاقتصادية جراء المواجهة مع روسيا، لكن دعم الديمقراطية،بحسب قوله، له ثمن لا بد من تسديده. فما السبب الذي دفعه للخروج إلى الشعب، على الرغم من إلغاء بوتين بالفعل لـ “الغزو” بحلول ذلك الوقت؟ الحقيقة أن الوضع الاقتصادي للولايات المتحدة الأمريكية يقترب كل شهر من الكارثة المحققة، وقد وصل التضخم بالفعل إلى 7.5%، وبايدن بحاجة ماسة وبشكل عاجل إلى شماعة يلقي عليها باللوم في جميع مشاكل الولايات المتحدة وهي بطبيعة الحال روسيا.
إلا أن الصيغة التي استخدمها الغرب في الحديث عن العقوبات: “ستُفرض العقوبات على روسيا إذا غزت أوكرانيا” ليست صيغة حقيقية. ففي واقع الأمر، قررت واشنطن فرض أقصى العقوبات على روسيا على أي حال، لكنهم يبحثون فقط وببساطة عن ذريعة مناسبة لذلك.
لكن، وبطريقة أو بأخرى، فقد تقدم بوتين على بايدن، وألغى “الغزو الروسي لأوكرانيا” غير الموجود بالأساس. تكاد الولايات المتحدة أن تخسر هذه الجولة.
لكن لا يزال بإمكان الولايات المتحدة تنسيق أي نوع من التخريب، مثل انفجار في محطة نووية أوكرانية على سبيل المثال، أو تسميم الرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي بسم “نوفيتشوك”، أو ربما هجوم قراصنة وفرض عقوبات على روسيا استناداً إلى أي مما سبق، وإلقاء اللوم على بوتين، بطبيعة الحال، في كل شيء. لكن تلك الذرائع المشكوك فيها قد لا تكون كافية لإجبار أوروبا على قطع العلاقات مع روسيا.
وأنا أميل إلى الرأي القائل بأنه عشية قتالها مع الصين، تريد الولايات المتحدة افتعال حرب بين روسيا وأوكرانيا ثم جرّ أوروبا إليها. وبالتالي، إضافة إلى تحييد روسيا، ستقطع واشنطن طريق التجارة البرية بين الصين وأوروبا، علاوة على قيام واشنطن بإجبار الدول العربية في الخليج على وقف إمدادات النفط والغاز إلى الصين، وإرسالها إلى أوروبا لتعويض إمدادات الطاقة المتوقفة من روسيا. بعد ذلك، سيصبح من الممكن بدء حصار بحري على الصين، إذا لم تبدأ الصين نفسها بشن حرب للوصول إلى موارد الطاقة في الخليج.
لذلك، حدد بايدن نفسه يوم “الغزو الروسي لأوكرانيا”، ولو لم يكن بوتين قد استبق الأحداث بالإعلان عن إنهاء التدريبات، لوقعت، صباح السادس عشر من فبراير، أي أحداث استفزازية من جانب أوكرانيا بكل تأكيد، فالولايات المتحدة الأمريكية في حاجة ماسة إلى حرب ضد روسيا، ولكن بالوكالة.
فماذا بعد ؟ يقول بوتين في مؤتمره الصحفي مبتسماً: “بعد ذلك سيسير كل شيء وفقاً للخطة”.
أنا على يقين من أن بوتين يدرك أن فترة الهدنة في أوكرانيا مؤقتة. ويمكن لواشنطن أن تفتعل حرباً هناك في أي لحظة من اللحظات، وتعطي أوكرانيا أمراً بمهاجمة إقليم الدونباس، ولن يكون أمام روسيا حينها سوى خيار التدخل. وعاجلاً أو آجلاً سيتم ذلك، بينما تقول واشنطن بالفعل أنها لا ترى أي انسحاب للقوات الروسية من الحدود الأوكرانية.
علاوة على ذلك، وبعد مشاهدة قناة “سي إن إن”، يجب أن أنهي الفقرة السابقة بإصرار واشنطن على أن خطر الغزو الروسي لأوكرانيا قد أصبح أكبر، أي أن واشنطن لم تتخل عن السيناريو الأوكراني، ولا زال خطر الحرب يلوح في أي لحظة.
من وجهة نظري المتواضعة، أرى أن لدى روسيا طريقة وحيدة فقط للخروج من هذه الدوامة منتصرة. يمكن لروسيا أن تتجنب أفغانستان ثانية في أوكرانيا، وألّا تتعارك مع أوروبا فقط إذا حوّلت الصراع إلى مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وليس حول أوكرانيا، أو على أراضي “الناتو”، وليس حول قضية تجرّ أوروبا تلقائياً إلى الصراع.
فالصراع المباشر مع روسيا في الوقت الراهن يعادل كارثة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية. ومن المستحيل هزيمة أكبر قوة نووية في العالم (الترسانة النووية الروسية أكبر وأحدث من الترسانة الأمريكية). وقد يؤدي تورط القواعد العسكرية الأمريكية بالخليج في الحرب إلى تدمير البنية التحتية للنفط والغاز في الخليج، الأمر الذي قد يؤدي إلى انهيار اقتصاد الغرب. بالإضافة إلى ذلك، دعونا لا ننسى الصين، التي ستنتصر حينها في الحرب الروسية الأمريكية وهو أمر غير مقبول كذلك بالنسبة لواشنطن.
باختصار، يبدو لي أن الولايات المتحدة الأمريكية ستتجنب صراعاً واسع النطاق مع روسيا. علاوة على ذلك، ستتجنب أي صراع عسكري مباشر معها، حتى ولو كان صراعاً محلياً وصغيراً. وإذا اندلع مثل هذا الصراع، فسوف تسعى للخروج منه في أسرع وقت ممكن.
هذا يعني أن بوتين، كما أفهمه، وبعد أن تهرّب من الحرب في أوكرانيا، يتعيّن عليه أن يتحوّل إلى الهجوم. وكما قال نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، يجب أن تُطرد الولايات المتحدة الأمريكية من أوروبا. هذا هو هدف روسيا الحقيقي، وليس هدفها هو أوكرانيا. ولا يتم طرح مثل هذه الإنذارات الصارمة إذا لم تكن روسيا مستعدة للقتال. وسوف يتابع بوتين الإصرار على مطالبه.
بالعودة إلى سوريا، تحتل الولايات المتحدة الأمريكية جزءاً من أراضي الجمهورية العربية السورية بشكل غير شرعي. علاوة على ذلك، يعمل الإرهابيون بحرية في تلك المنطقة. لا أعرف خطط بوتين، لكنني “لو كنت مكانه”، لبدأت على الفور بتمشيط هذه المنطقة، وطرد الأمريكيين من سوريا. وإذا وقف الجنود الأمريكيون إلى جانب الإرهابيين، فيتعين أيضاً تدميرهم.
بحسبما جرت العادة، أتوقع أنه في هذا السيناريو، سيحاول الأمريكيون مرة أخرى كسب دعم المجتمع الدولي، وقبل كل شيء، أوروبا، بمساعدة الاستفزازات باستخدام “الخوذ البيضاء” وأسلحتهم الكيماوية، وإلقاء اللوم على الرئيس الأسد وروسيا في استخدام الأسلحة الكيماوية. ومع ذلك، وكما أعتقد، فإن سخط أوروبا لن يتجاوز الهيستيريا في الصحافة. أي أنه على الولايات المتحدة الأمريكية أن تقاتل روسيا في سوريا وحدها. على الأكثر، ربما تنضم بريطانيا، إذا أرادت هي الأخرى أن تشاركها الهزيمة.
إذا ما قررت واشنطن استخدام القوة العسكرية للحفاظ على وجودها في سوريا، فإن لدى روسيا ما ترد عليها به. ولن يؤدي ذلك سوى إلى تسريع خسارة الولايات المتحدة الأمريكية عالمياً.
بالطبع، قد أكون مخطئاً، لكنني أعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تُطرد قريباً من الشرق الأوسط.
سيريان تلغراف