مقالات وآراء

المصالح الروسية في منطقة الشرق الاوسط

نشر مركز بحوث الشرق الاوسط في معهد العلاقات الدولية التابع لوزراة الخارجية الروسية تقريرا تحليليا بعنوان”المصالح الروسية في منطقة الشرق الاوسط” أعده فريق من الباحثين حول سيناريوهات تطور الاحداث في ثلاثة مسارات هي – الليبي والسوري والفلسطيني- الاسرائيلي على ضوء التغيرات الثورية الجارية في المنطقة.

المسار الليبي

لا تتوفر لدى روسيا وسائل واقعية للتأثير في القوى السياسية في ليبيا التي ستتقاسم السلطة بعد رحيل معمر القذافي. لكن بلدان الائتلاف الغربي التي شاركت في تقديم الدعم العسكري الى الثوار ومنظمتهم القيادية المجلس الوطني الانتقالي هيهات ان تأمل جديا في ان تتم إعادة البناء بعد انتهاء الحرب في البلاد بشكل انسيابي وفقا لسيناريو الناتو. ولا تراود المحللين الغربيين الأوهام بهذا الشأن ويتنبأون بشكل قاطع بأن السلطات الليبية الجديدة ستبحث كالسابق عن  طريقها الخاص في التطور لاحقا الذي  سيبقي على عناصر الفساد والفئوية والشمولية والمحسوبية وغيرها التي تميز الشرق. في الوقت نفسه فأن القوى الساعية الى ملء الفراغ السياسي الناشئ بعد إقصاء القذافي لا تستطيع موضوعيا البقاء بدون  مساعدة الغرب ، ويجب تسديد ثمن هذه المساعدة بالنفط. اما روسيا فلا تستطيع سوى اتخاذ موقف سياسي متأدب ، وإقامة علاقات طبيعية بهذا القدر أو ذاك مع السلطات الجديدة، وإيصال الأمر الى إجراء حوار  سياسي ايجابي ومثمر معها والسعي الى عدم تطور الأمور الى المواجهة العسكرية.  لقد اعترفت روسيا الاتحادية بالمجلس الوطني الانتقالي بإعتباره السلطة الفعلية في البلاد.  وأكد بيان رسمي صادر عن وزارة الخارجية الروسية ” ان المعاهدات  المعقودة بين روسيا الاتحادية وليبيا والالتزامات المتبادلة الأخرى  بينهما سيتواصل سريان مفعولها في العلاقات بين الدولتين وستنفذ بنزاهة”.  وتتوفر ثقة معينة  بأن السلطات الليبية الجديدة تبدي الاهتمام بروسيا بإعتبارها  البلاد التي تشكل لحد ما الثقل الموازن  للولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي.

لقد أعلن رئيس الاركان العامة للجيش القطري ان بلاده ستتولى بعد انتهاء تفويض الناتو الواسع النطاق رئاسة  مجموعة ائتلاف البلدان ال13 ومنها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. وستبقى قواتها في ليبيا  من أجل تدريب العسكريين المحليين وجمع السلاح وتنفيذ عملية تكامل الثوار السابقين مع الجيش النظامي.  ولا يستثنى إحتمال ان تصر بلدان الناتو على اقامة قواعد عسكرية في ليبيا ، الأمر الذي يتجافى كليا  مع مصالح القيادة السياسية التي تحل محل معمر القذافي.  وستعمل السلطات الليبية الجديدة  كل ما في وسعها من أجل تجنب الانزلاق الى مرتبة نظام عميل سافر ( علما ان بلدان الناتو مهتمة الآن بأكبر قدر في إقامة مثل هذا النظام)، بغية الابتعاد عن حلفائها الغربيين الذين سيفرضون بإصرار وصايتهم المفرطة  عليها ، كما سيصبون الى الحصول على عقود مربحة  بالاخص لدى تقاسم الكعكة النفطية الليبية.

وينبغي على روسيا ، على ضوء ما ذكرناه آنفا ، وبصفتها دولة منتجة للنفط ، ان تعمل قبل كل شئ بالطرق الدبلوماسية وغيرها على معالجة قضايا التعاون الثنائي في مجال النفط والغاز وصناعة الطاقة الكهربائية والتجارة وتصميم ومد طرق السكك الحديدية. ويمكن ان يغدو ضمن اهتمام الجانب الليبي  بالتعاون الاقتصادي مع روسيا بحث موضوع شطب ديون الجماهيرية البالغة 2ر4 مليار دولار امريكي كليا أو جزئيا. ولا يستبعد احتمال ان تهتم السلطة الجديدة في ليبيا بالحصول على الاستثمارات الروسية. ومن المناسب بهذا الصدد وفي سياق الاتصالات ان تدرج في جدول الاعمال  مسألة استئناف نشاط مجلس الاعمال المشترك الروسي-الليبي ومنتدى البزنيس الروسي – الليبي ” وامكانيات التصدير الروسية “.

من ناحية أخرى يستبعد احتمال ان تستطيع روسيا تصدير السلاح الروسي الى السوق الليبية في المستقبل القريب. وأعلن مصطفى عبدالجليل رئيس المجلس الوطني الانتقالي الليبي” ان السلطات الليبية الجديدة لا تخطط لشراء السلاح الروسي”.

ويعتبر ضروريا ومناسبا العمل في مجال اعداد وتنفيذالمشاريع الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية وغيرها  بدعم الأسرة الدولية ومنها روسيا، بإعتبارها  البديل الفعال لخطط فرض الديمقراطية بالقوة العسكرية. وسيوفر هذا الفرصة  لتهيئة التربة  لتحديث المجتمع الليبي تدريجيا أخذا بنظر الاعتبار الموارد المحلية والتقاليد والعلاقات العشائرية والاسرية والاثنية والطائفية التي نشأت خلال فترة طويلة. وفي اطار دعم ليبيا في مجال اعداد الكوادر الوطنية ثمة فائدة  بزيادة  عدد الزمالات الدراسية المنوحة الى رعايا ليبيا للدراسة في المعاهد العالية الروسية .

واذا ما أخفق قادة المجلس الوطني الانتقالي في الاتفاق فيما بينهم فيوجد أحتمال كبير، كما اشير آنفا،  في تكرار السيناريو الصومالي في ليبيا. وبما انه توجد لدى السكان كمية ضخمة من الاسلحة فأن ليبيا تواجه خطر عدم العودة الى الحياة الطبيعية عاجلا. واذا ما تفشت الفوضى في جميع انحاء البلاد ، وتكرس فراغ السلطة في محل النظام السابق،  فيجب ان تقلق روسيا وجميع البلدان الغربية ، لأن  احتمال تحول ليبيا الى النزعة الراديكالية والاسلمة يغدو أمرا حتميا. ففي مارس/آذار عام 2012  أسست حركة ” الاخوان المسلمون” حزبا في ليبيا بإسم ” حزب العدالة والتنمية”. وبعد الاطاحة بنظام معمر القذافي  صار عدد كبير من الليبيين  يتعاطفون مع هذه المنظمة بالذات.

من المناسب في ظروف روسيا الراهنة  العمل على المسار الليبي ليس بصفة وسيط يتدخل في شؤون الاطراف المتخاصمة ويمارس الضغوط عليها ( بكل ما يرتبط بهذا من إلتزامات ومسؤوليات)، بل بصفة منسق ، يتابع تطور الاحداث بإهتمام. ولدى توزيع القوى هذا  تحصل روسيا على الفرصة لكي توجه عبر مختلف القنوات الانتقادات المدعومة بالحجج الى النموذج الغربي لفرض الديمقراطية قسرا عن طريق الاطاحة بالانظمة غيرالموالية باستخدام القوة العسكرية.

المسار السوري

في حالة تطور الاحداث وفق السيناريو الذي تنحسر فيه المواجهة  مع المحتجين ويفلح نظام بشار الأسد في الاحتفاظ بصلاحياته السلطوية والسياسية ، ينبغي على روسيا ان تتجنب في الحوار مع الجانب السوري اعطاء تقييمات قاطعة مقترنة بالاتهامات الى قيادة البلاد. ان دمشق ستقبل ايجابيا الدعوات الى اشاعة اللبرالية في الحياة السياسية الداخلية لدى صياغتها بشكل سياسي لبق بهدف معالجة مشاكل سورية على أساس الاجماع في الرأي بين السلطة والمعارضة  لصالح صيانة الاستقرار وتأمين الوفاق الوطني ، وبهذا تعمل دمشق على صيانة التعاون الثنائي الطويل الأمد في مستوى ايجابي. وتنبغي مواصلة الاتصالات السياسية النشيطة تقليديا ، ولاسيما عن طريق وزارة الخارجية ، وكذلك التعاون الاقتصادي والتجاري، بإعتبار ان سورية شريك تقليدي يتسم بأهمية اولية.

اما على الصعيد الدولي ، وبالاخص في هيئة الامم المتحدة،  فمن الواجب مقاومة محاولات  الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي لممارسة الضغوط السياسية والاقتصادية والعسكرية على القيادة السورية الحاكمة حاليا ، وكذلك جميع أفعال الغرب الرامية الى تنحية بشار السد بالقوة ، وبضمن ذلك تقديم الدعم العسكري الى المعارضة. كما ينبغي تنشيط الاتصالات بين ممثلي وزار خارجية روسيا والمعارضة في سورية من أجل اشراكها في الحوار البناء مع السلطات ، مع تركيز الاهتمام على ان من الممكن الخروج من الوضع الراهن  ضمن الأطر القانونية حصرا.

ويجب طرح الرأي الاخير بشأن إطلاق الحوار الوطني بالعمل على تخفيف المواجهة المدنية عن طريق تحرك الجانبين المتبادل نحو المصالحة الوطنية.  بالمناسبة ان بداية هذا الحراك قد  ارسيت فعلا ففي 10-12 يوليو/تموز عقد في دمشق الاجتماع الاستشاري للتحضير لعقد مؤتمر الحوار الوطني ، وناقش فيه حوالي 200 مندوب من محتلف فئات المجتمع السوري  مهام تجاوز حالة التوتر  السياسي الداخلي ، واعداد التعديلات على الدستور ، وكذلك مشاريع القوانين حول الانتخابات العامة والاحزاب ووسائل الاعلام. وبوسع روسيا التي ترتبط بعلاقات وثيقة ومتينة مع السلطات والجهات التي لديها اتصال بالمعارضة ، ان تساعد في التقريب بين الاطراف بصورة مثمرة ، وايصالها الى الاستنتاج المشترك بأن التحول من المواجهة والعنف الى الحل البناء للقضايا الحيوية المتعلقة بالنظام السياسي يتفق موضوعيا مع  مصالح سورية الوطنية العامة. وينبغي ان يؤخذ بنظر الاعتبار  عندئذ ان أهم عامل لتوحيد جميع القوى السياسية في البلاد هو ، بلا ريب ، مطلب تحرير مرتفعات الجولان المحتلة من قبل اسرائيل ، والذي تؤيده  جميع فئات وشرائح المجتمع السوري.

إن جميع المحاولات لإجراء الحوار الوطني ستواجه حتما مقاومة شديدة من جانب بلدان الناتو وجامعة الدول العربية والمعارضة المسلحة التي تدعمها. وتخالج خصوم النظام الحاكم في سورية القناعة بأن أيامه معدودة ويجب بغية استحثاث نهايته القيام بتدخل من الخارج فورا. لكن تحالف الناتو لا يمتلك التفويض اللازم الذي يتيح له العمل كما في ليبيا ، حيث ترفض موسكو وبكين تأييد الترخيص اللازم الصادر بشكل قرار عن مجلس الأمن الدولي. وفيما يخص القضية السورية لا يوجد لدى روسيا اي معنى بتقديم أية تنازلات ، بالرغم من الضغوط الغربية السافرة ، حيث ان موسكو تجازف ، لدى منح الولايات المتحدة  والاتحاد الاوروبي وحلفائهما ” كارت بلانش”  لأسقاط القيادة السياسية  الحالية باستخدام  القوة العسكرية، بأن تنسف علاقات الشراكة  ليس مع سورية فقط بل ومع ايران ايضا. لهذا بوسع المعارضة المسلحة السورية الاعتماد بصورة اساسية على المملكة العرية السعودية وبلدان الخليج النفطية وكذلك تركيا المهتمة باستثارة احتدام التوتر السياسي الداخلي في سورية بهدف تنحية النظام الذي يقيم علاقات وثيقة مع طهران.

ان مجئ المجلس الوطني السوري الذي يوجد مقره في اسطنبول – وهو في الواقع هيئة تابعة الى قوى خارجية- الى السلطة  يجعل البلاد تابعة كليا الى الجارة الشمالية بالدرجة الاولى.  وطبعا ستزداد تبعيتها الى البلدان الخليجية. ان تطور الاحداث هذا سيقود لا محالة الى برودة العلاقات مع روسيا. لكن تركيبة المجلس الوطني السوري  تختلف عن تشكيلة المجلس الوطني المؤقت في ليبيا.  فغالبية السياسيين والمنشقين السوريين الاعضاء في المجلس الوطني السوري هم من المثقفين الذين لا توجد لديهم صلات مع التنظيمات الاسلامية المتشددة ويدعون الى اجراء التحولات الديمقراطية ، والاصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي نضجت . وبالرغم من رفض سورية دعم القرار المتشدد للغاية في مجلس الامن الدولي ، والرامي الى اضعاف نظام بشار الاسد ، فأن المعار   ضة السورية في الشتات يمكن ان تبدي في حالة توليها السلطة موقفا براجماتيا – رشيدا في مضمار السياسة الخارجية. ومن الممكن ان تبقى بصورة واقعية جدا احتمالات الحفاظ على المستوى الحالي للعلاقات الروسية – السورية ، وعلى أقل تقدير في المجال الاقتصادي والتجاري.

وفي حالة احتدام المواجهة بين القوات الموالية للحكومة  وقوى المعارضة وتحولها الى حرب أهلية واسعة النطاق  في جميع اراضي سورية ، فان من واجب روسيا  ان تعارض بشدة أية محاولة للتدخل العسكري بمشاركة ” رجال صنع السلام ” الاجانب ، أي عدم السماح بتكرار السيناريو العراقي او الليبي. ان انقسام سورية يمكن ان يقود الى سلسلة من الحروب الشرقأوسطية الجديدة التي لا يمكن التنبؤ بعواقبها. وبرأينا ان الموقف الذي تتخذه وزارة الخارجية الروسية الآن ، هو موقف مناسب ومتوازن وبناء بأكبر قدر ، لأن هذا الموقف بالذات  يحول موضوعيا دون انزلاق المنطقة الى أتون الفوضى والحركات الانفصالية غير المرغوب فيها.  وقد أنعكس موقف روسيا الدقيق من هذه القضية في مشروع القرار المشترك الروسي- الصيني المقدم الى مجلس الامن الدولي، الذي ينص على إجراء  تسوية سلمية للنزاع بدون اي تدخل من الخارج ، وعلى أساس الحوار الداخلي السوري حصرا ، وبمشاركة جميع الاطراف المسؤولة في سورية. ونموذج المستقبل لسورية ، بموجب الموقف الروسي ، يتجسد في قرار مجلس الامن الدولي حول اليمن ـ وليس القرار حول ليبيا. علما بأنه قد جرى خرقهما بفظاظة  مما أساء كثيرا الى هيبة مجلس الأمن الدولي. وحتى في حالة عدم صمود نظام بشار الأسد فأن ” السيناريو اليمني” ، الذي تتخلى الحكومة الحالية بموجبه عن صلاحياتها طوعا، فسيأتي بدلا منها اشخاص  يبدون الموالاة لروسيا  بجلاء ، وهو الحل المقبول للمشاكل المتأتية عن المواجهة الاهلية في سورية.

المسار الفلسطيني – الاسرائيلي

تبقى عدم تسوية القضية الفلسطينية كالسابق بصفتها العامل الرئيسي في زعزعة الوضع في المنطقة. ففي ظروف تصاعد أزمة العلاقات بين اسرائيل والجارات العربيات يغدو واقعيا أكثر فأكثر احتمال انجرار المنطقة الى حرب جديدة. ومن الضروري الآن العمل بأسرع  ما يمكن وبفعالية بغية إيقاف تطور الوضع وفق سيناريو حروب الشرق الاوسط السابقة.  وتظهر الممارسة الواقعية ان الحروب في الشرق الاوسط لم تؤد ابدا الى حل القضايا الجذرية في المنطقة. علاوة على ذلك يقترب الآن مستوى ” الاستيطان الاسرائيلي ” للضفة الغربية من الحد الذي يغدو فيه الوضع النهائي للأراضي الفلسطينية في المستقبل القريب مقررا كأمر واقعي لصالح اسرائيل.

وبهذه المناسبة يتعين على روسيا ان تتبع في اتصالاتها مع ممثلي اسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية وحماس وغيرها من المنظمات الفلسطينية ، وكذلك مع اعضاء ” الرباعي” الدولي للوسطاء في الشرق الاوسط، ان تتبع بنشاط وبإصرار نهج استحثاث اعادة وصيانة وحدة الصف الفلسطيني بأعتبارها جزءا لا يتجزأ من مقدمات التحرك الأساسي في اطار المفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية حول معايير التسوية.

ويجب ان يتخذ الجانب الروسي خطوات لا تقل حزما ( في الجمعية العامة ومجلس الامن الدولي ، وفي اجتماعات ” الرباعية ” ، وفي الاتصالات الثنائية مع ممثلي الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وجامعة الدول العربية ، وكذلك في اللقاءات المتعددة الاطراف) من أجل ادانة ممارسات اسرائيل في انزال العقوبات الجماعية بالفلسطينيين ووضع حد لها ، ولاسيما في قطاع غزة ، ومصادرة الاراضي الفلسطينية ، وتهديم بيوت الفلسطينيين  ، وترحيل السكان المدنيين ، وفرض القيود على الحريات المدنية الأخرى ، وتوسيع المستوطنات الاسرائيلية واقامة ما يسمى ” الجدار العازل”.

ان ” رباعية ” الوسطاء الدوليين تعد على مدى عقد من السنين  الادارة الدولية الرئيسية  ، المفوضة بالعمل  بهدف إيقاف  تطور الاحداث الخطر في المنطقة وإعادة  الوضع الى مجرى التسوية السياسية . لكن حدث في بداية عام 2007 ان تعثر تنفيذ ” خارطة الطريق”  وعدد من المبادرات الاخرى للوسطاء الدوليين لعدة أسباب موضوعية. كما ان الصيغة التي طرحها توني بلير المبعوث الخاص ل” الرباعية” في عام 2008  ” توفير الامن للاسرائيليين مقابل التنمية الاقتصادية والاجتماعية لعدد من مناطق الضفة الغربية – هو ضمانة حدوث تقدم في المفاوضات بين اسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية” – لم تبرر تماما. ويروق الى اسرائيل تماما ذلك الوضع حين توجه اليها بإسم “الرباعية” طلبات تافهة حول تخفيف الضغوط في الاراضي الفلسطينية او التجميد المؤقت  لبناء المستوطنات. وبدأ الفلسطينيون يدركون ان برنامج توني بلير لا يدعم جهود ” الرباعية” في تطبيع الوضع في الضفة الغربية وغزة ، ناهيك عن إرساء الأساس لإقامة الدولة الفلسطينية في المستقبل.

ويلفت الانتباه ان الانتقادات بدأت توجه الى نشاط مكتب المبعوث الخاص ل” الرباعية” في القدس من جانب ممثلي هيئة الامم المتحدة  وبعض المنظمات الدولية التي تقوم بمراقبة دائمة  للوضع في مناطق المواجهة الفلسطينية – الاسرائيلية. فيشار في تقرير شارك في اعداده  أكثر من 20 منظمة انسانية غير حكومية عاملة في اراضي اسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة  ان توني بلير المبعوث الخاص ل”رباعية ” الشرق الاوسط لم يستطع تحقيق نتائج ملموسة في أي اتجاه مقرر ،  ، بينما تدهور الوضع في بعض المجالات الرئيسية للوضع.  وجاء في التقرير ايضا ان بلير اخفق  في كبح استمرار نمو المستوطنات اليهودية في الاراضي الفلسطينة المحتلة ، وفي تحسين ظروف معيشة الفلسطينيين أنفسهم الذين يحرمون كالسابق من حرية التنقل من اجل العمل او الدراسة.ويعتقد كاتبو النتقرير ان المجتمع الدولي الذي يمثله توني بلير  يعمل بفتور بالغ وبدون روح مبادرة”.

ان طلب محمود عباس من هيئة الامم المتحدة منح شبه كيان الدولة الفلسطينية العضوية الكاملة في المنظمة جعل ” الرباعية” في وضع صعب للغاية.  وتضمن خطابه الاخير في اجتماع الدورة 66 للجمعية العامة لهيئة الامم المتحدة  بنيويورك كما هي الحال دائما  الدعوة الى اجراء مفاوضات مباشرة فلسطينية – اسرائيلية  يجب ان تختتم في نهاية عام 2012 بقيام الدولة الفلسطينية. لكن هيهات ان يصدق أحد في نجاح هذه المفاوضات.

ويبدو ان ” الرباعية”ستواجه في العام القادم امتحانات عسيرة ، حيث ان الولايات المتحدة وبعض بلدان الاتحاد الاوروبي  مستعدة لطرح مسألة إعادة النظر في القاعدة القانونية الدولية لتسوية أزمة الشرق الاوسط. ومن المفهوم ان ” الرباعية ” ستمارس في هذه الحالة ليس قضايا التسوية  الشرقأوسطية قدر ما تمارس مهمة إزالة الخلافات بين اطرافها.واعتقد بأنه يجب على روسيا من اجل تجنب ذلك  ان تطرح في جدول العمل مسألة توسيع ” الرباعية ” بضم  بلدان آخرى اليها ( مثلا الصين والهند وتركيا).ومن شأن ذلك ان يوازن تناسب القوى في هذه الهيئة الدولية.

وأخذا بنظر الاعتبار المصاعب التي تواجه المجتمع الدولي  لدى حل قضايا التسوية الشرقأوسطية  يجب على روسيا العودة الى موضوع جدوى عقد مؤتمر دولي حول الشرق الاوسط بموسكو.  ومن المهم جدا في هذا المضمار ان يشارك فيه- في حالة عقده – الى جانب الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة واسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية كل من تركيا وسورية ولبنان والصين والهند ودول أخرى. ويمكن بالجهود الدولية المنسقة فقط  تجنب حدوث نزاعات عسكرية جديدة  في منطقة المواجهة الفلسطينية – الاسرائيلية ، وكذلك منع تنفيذ الخطط الاسرائيلية الجديدة الوحيدة الجانب ، التي تحول دون إقامة الدولة الفلسطينية الكاملة الحقوق التي تتعايش جنبا الى جانب مع اسرائيل .

سيريان تلغراف

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock