عشية أربعينية “كامب ديفيد” وبجرة قلم أهدى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، هضبة الجولان.
لم يقتصر سخاء الرئيس الأمريكي المغرم بالاستعراضات، على التصرف بأرض عربية سورية.
وبحركة لا تختلف عن تصرفاته المثيرة، أهدى دونالد ترامب، رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتشي بالسرقة، القلم الذي وقع فيه قرار البيت الأبيض الاعتراف بهضبة الجولان جزءا من الكيان الإسرائيلي. متجاوزا بكل وقاحة كافة قرارات الأمم المتحدة الرافضة لضم الجولان ولاحتلال إسرائيل للأراضي العربية.
في هذه الغضون، دمرت الصواريخ الإسرائيلية مباني ومقار حكومية، ومنشآت أهلية في قطاع غزة، بذريعة الرد على صاروخ طائش ضرب شمال تل أبيب وأسقط جرحى وفقا للبيانات الإسرائيلية.
ومع أن أحدا لم يتبن إطلاق الصاروخ اللقيط. إلا أن الآلة العسكرية الإسرائيلية سارعت بالانتقام، وكأنها تصوت مسبقا على إعادة انتخاب “بيبي” لرئاسة الحكومة الإسرائيلية المتناغم مع اليمين العنصري في الدولة العبرية، وفي الولايات المتحدة، وكلاهما رضيع الكراهية والاستعلاء والاستبداد.
الملفت أن إسرائيل، التي تمعن عادة في ضرباتها الجوية والصاروخية على شعب غزة كل مرة، يحتاج فيها الساسة العنصريون إلى إثبات كرههم للعرب، أوقفت القصف بعد بضع ساعات وقبلت بمبادرة مصرية لوقف إطلاق النار والتهدئة. ثم عاودت غاراتها على القطاع في مناورة تبدو وكأن أطرافا مختلفة تشارك فيها سياسيا ووفق سيناريو معد سلفا!
واضح أن “أعراض ترامب” أصابت عدواها، ليس “بيبي فقط”، بل ولاعبين آخرين في المنطقة، يتطلعون أيضا إلى هدايا الرئيس الأمريكي المجانية، ويحرصون على الانخراط في لعبة عنوانها التفريط بالأراضي العربية، والاعتراف بسياسة الأمر الواقع متجاوزين بمراحل، سخاء الرئيس المصري الراحل أنور السادات، الذي افتتح قبل أربعة عقود موسم التنازلات العربية، وصولا إلى محاصرة الفلسطينيين في بقعة من الأرض جعلتها إسرائيل، حقلا لتجريب الأسلحة الفتاكة ومختبرا للتجويع والانتهاك والعسف والظلم.
يتبادل اللاعبون الهدايا عشية أربعينية كامب ديفيد، أحدهم يستقبل بفرح صاروخا لقيطا، لم يعترف بأبوته أحد، فيرد بقصف عنيف لا يكترث لمن يسكن المباني.
ويتولى آخر التدخل السريع للتهدئة ووقف إطلاق النار، بينما نتنياهو الملاحق بتهم الفساد، والملطخ بعار العنصرية، يقطع زيارته إلى واشنطن ويعود مسرعا “بقلم الجولان” لإظهار مدى الحرص على “ضحايا” الصاروخ الطائش من غزة!
مسلسل استعراضات، الجامع بينها، عنوان واحد، الاستخفاف بالقوانين والمواثيق الدولية، وإلغاء دور الأمم المتحدة، والخنوع لإرادة الأمر الواقع الذي تفرضه إسرائيل على العرب، دون بارقة أمل في عودة الروح إلى الجامعة العربية التي تكتفي ببيانات الشجب المدبجة في أروقتها منذ عقود وفق كليشهات، يمزح الصحفيون العاملون في مقر الجامعة بالقاهرة أنهم يحفظونها عن ظهر قلب، لتكرارها، ويدرجونها في تقاريرهم حتى قبل صدورها!
إنها أحداث تشبه “حفلة سمر من أجل خمسة حزيران” للكاتب المسرحي السوري الفذ الراحل سعد الله ونوس الذي افتتحت أعماله عصر الكوميديا السوداء في المسرح العربي الحديث.
تجسد المسرحية بمشاهد تتفجر سخرية مريرة “الظاهرة الصوتية” لردود الفعل العربية إزاء التغول الإسرائيلي، منذ النكبة، مرورا بالنكسة، وليس آخرها جرات القلم الأمريكي التي ألحقت القدس بالدولة العبرية وبعدها الجولان، وبينهما أغلب أراضي الدولة الفلسطينية الآخذة مساحتها بالتآكل، ليس بفعل العربدة الإسرائيلية الأمريكية فحسب، بل وأيضا، بفضل جرذ يقضم البيانات الصادرة عن المقر العتيق للجامعة العربية!
سيريان تلغراف