مقالات وآراء

السعودية والطائفية في سورية

أشبه بكرة الثلج المتدحرجة باتجاه المنخفض، هذه حال المعاناة الانسانية التي يعيشها السوريون والتي تتفاقم مع اشراقة كل يوم يتواصل فيه القتل وسقوط الضحايا وانفجارت هنا وأخرى هناك، فأي توغل دموي في سورية أقحم آل سعود أنفسهم فيه، وكيف تعمل المملكة وعبر العديد من أدواتها في الازمة السورية ومنها تنظيم القاعدة على رفع درجات العنف وإشعال الفتنة الطائفية بين السوريين؟

رأت صحيفة “جارديان” البريطانية فى مقال للكاتب “سيوماس ميلين” ان الولايات المتحدة وحلفاءها فى الخليج يغذون الصراع الطائفى فى سوريا فى حرب بالوكالة مع عدوهم المشترك، ايران.

واشارت الصحيفة الى انه فى حقيقة الامر، التدخل في سوريا من قبل الولايات المتحدة وحلفائها قد بدأ بالفعل. فقد أيدت القوى الغربية ،المعارضة السورية المنقسمة، وعلى رأسها المجلس الوطني، منذ الأيام الأولى للانتفاضة في العام الماضي، كما كثفت الأنظمة الاستبدادية فى الخليج بقيادة المملكة العربية السعودية، من تدفق الاسلحة والاموال لرعاية الجماعات المتمردة فى سوريا في الأشهر الأخيرة، في حين أن تركيا تحولت الى قاعدة عبر الحدود، للمعارضة ، وذلك بالتنسيق مع الولايات المتحدة، التي تمد الجماعات نفسها بالمساعدات اللوجستية ومعدات الاتصالات.

وبمعنى آخر فإ ن الولايات المتحدة وحلفاءها فى الخليج يرعون تغيير النظام السورى، عبر اشعال الحرب الاهلية.

وقالت الصحيفة انه رغم تشدق الغرب بخطة “عنان” للسلام، الا انهم يعلمون تماما انها لن تنجح. والنتيجة على ارض الواقع واضحة، فقد انفخص معدل عمليات العنف القاتل، حسبما رصدت جماعات حقوق الانسان، بنسبة 36% منذ ان دخلت خطة “عنان” حيز التنفيذ، فى الوقت نفسه زادت خسائر النظام والحكومة فى نفس الفترة بشكل كبير، حتى ان عدد القتلى بين صفوف القوات الحكومية ارتفع الى 935 قتيلا منذ منتصف آذار، حيث اعلنت المعارضة انها قتلت 80 جنديا حكوميا فى عملية واحدة.

واذا كانت التقارير التى تبثها وسائل الاعلام الغربية والعربية التابعة للخليج ، تصور الاحداث فى سوريا على انها انتقاضة شعبية ضد نظام استبدادى، فأن ذلك جانب واحد من الحقيقة، فالحكومة السورية لا زالت متماسكة وتتمتع بدعم قوى، والمعارضة تزداد تسليحا وضراوة، خصوصا فى ظل الدعم التى تحصل عليه من عناصر اجنبية وجماعات مدعومة من الخارج، تبنى استراتيجيتها على اساس ان التدخل الخارجى هو سبيلها للوصول الى الحكم.

وقالت ان الولايات المتحدة استغلت الصراع السنى الشيعى، لاحتلال العراق، حيث لعبت الولايات المتحدة بلا هوادة على الوتر الطائفي لمنع نشوء مقاومة وطنية حقيقية، كما استخدم هذا الكارت سكينا في قلب الثورة العربية، حيث بنت السعودية استراتيجيتها لمنع الانتفاضات التي تجتاح المنطقة من الوصول الى أنظمة الخليج، على اساس التخويف من المد الشيعى وذلك بمساعدة امريكا.

واضافت الصحيفة ان السعودية تستخدم فزاعة المد الشيعى للتغطية على عدم القيام باصلاحات حقيقية داخل المملكة، وفى سبيل ذلك ساعدت البحرين فى حربها ضد المعارضة الشيعية وتزود المعارضة السورية بالسلاح والمال، ونجحت المملكة فى ان تكون الحرب ضد الشيعة بعيدا عن اراضيها، حييث ساعدت فى تدفق عناصر القاعدة والمتطوعين السنة الى دمشق للقيام بحرب بالوكالة ضد الشيعة هناك، ومع تصاعد القتال الطائفى، يمكن ان تنجرف سوريا ولبنان الى حرب كارثية لا تعرف نهايتها.

الى ذلك أشار المفكر والخبير الاستيراتيجي المصري محمد حسنين هيكل الى ان “اعضاء من جماعة “القاعدة” وشركة “بلاك ووتر” الاميركية الشهيرة بتاريخها الخفي والدامي لبيع خدمات السلاح موجودة وإن باسم جديد في داخل سورية وحولها”.

واكد هيكل ان “هناك قرابة ستة آلاف فرد يتبعون لهذه الشركة يوجدون على الساحة في داخل وخارج سورية لتنفيذ مخططات حلف الاطلسي والولايات المتحدة ودول عربية”. واعرب هيكل في مقابلة نشرها موقع “قاسيون” عن “خشيته من حدوث فراغ إستراتيجي كامل في المشرق، يمتد من شرق العراق إلى شاطئ المتوسط حال زعزعة النظام في دمشق”، محذراً من “تفكيك سورية حال استمرار الوضع بما هو عليه، والمح في نفس الوقت انه لا يدعم الحكومة السورية”.

اضاف انه “الآن هناك من يتدخل في الشأن السوري، بما يهدد بقاء سورية، وهذا جزء من ملف خطير بالغ الخطورة”، موضحاً “لست أعرف منطق الذين سهلوا للقاعدة أن تنفذ إلى سورية لكي تنسف وتقتل”.

وحذر من تحول الصراع الرئيسي في الشرق الأوسط من صراع عربي – إسرائيلي إلى صراع سني – شيعي، واصفاً اياه “فتنة أخرى في دار الإسلام نفسه وفي قلبه، وتلك خطيئة كبرى”.

وقد انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي عددا كبيرا من الفيديوهات التي توضح التورط السعودي في دعم مقاتلي القاعدة في سورية ودعم هدفه الرامي لزعزعة السلم الاهلي واشعال الفتنة.

وجاء في تقرير عن شهادة أحد ارهابيي القاعدة ممن أكدت مصادر لبنانية مطلعة في طرابلس توقيفه وهو أردني يُدعى عبد الملك محمد يوسف عثمان عبد السلام، اعترف أثناء التحقيق معه بأنه من عناصر تنظيم “القاعدة” ويعمل في المجال اللوجيستي، لافتاً إلى أنه تلقى أموالاً من أشخاص في قطر والسعودية والكويت والإمارات، وأورد في هذا السياق اسم شيخ قطري من آل العطية كان خضع لعملية زرع كلية في لبنان قبل أسابيع ويمضي فترة نقاهة في فندق “حبتور” حيث يقيم في جناح معقّم مراعاة لوضعه الصحي.

وأشارت المعلومات إلى أن أحد الأجهزة الأمنية اللبنانية أوقف الشيخ القطري، وخضع للتحقيق بتهمة تمويل مايسمّى (الثورة السورية)، وذلك بعد اعتراف الموقوف الأردني الذي ضبط في حوزته 20 ألف دولار أميركي، بأن الشيخ القطري هو من أعطاه هذه الأموال!!.

يبدو أن اللعب على وتر الفتنة الطائفية هو الرهان الجديد ولعله الأخير في سياق فشل دول الخليج في فرض واقع مغاير لسورية الممانعة، فهي وإن وصل مخاطر حقدها لاستهداف العيش المشترك بين جميع الطوائف والأعراق، إلا أنه سيناريو ينتظر السقوط أمام تماسك السوريين وحرصهم على بقاء التسامح والمحبة الأزليين عنوانا لحاضر ومستقل سورية.

سيريان تلغراف | عربي برس

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock