ترامب واللاجئون السوريون يقلّصون المسافة بين بوتين وميركل
تعقد قمة بوتين ميركل اليوم في ألمانيا على وقع مستجدات دولية هامة، لاسيما تلك المتعلقة بسياسات واشنطن وتطورات الأزمة السورية، ما يزيد من نقاط تلاقي المصالح بين موسكو وبرلين.
ورغم أن المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل فضّلت تخفيض سقف التوقعات من لقائها المرتقب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، معتبرة أنه “يجب عدم انتظار أن يثمر لقاء العمل هذا نتائج محددة”، يرى المراقبون أن اجتماع اليوم قد يمثل نقطة انعطاف في العلاقات بين البلدين، أو ربما حتى في العلاقات بين روسيا والاتحاد الأوروبي عامة، نظرا لدور برلين الريادي فيه.
سياسة العقوبات الأمريكية
وحسب المتابعين، فبين الملفات الثلاثة الرئيسية المطروحة على بساط البحث خلال اللقاء، وهي التعاون الاقتصادي الثنائي وأزمتا سوريا وأوكرانيا، هناك ملفان على الأقل قد يجد بوتين وميركل فيهما الكثير من القواسم المشتركة.
ففي الملف الاقتصادي، تواجه موسكو وبرلين خطر إجراءات عقابية أمريكية ضد شركاتهما ليس فقط بسبب مشروع “السيل الشمالي -2” لضخ الغاز الروسي إلى ألمانيا عبر قاع البلطيق، الذي تعتقد واشنطن أنه يعزز تبعية أوروبا لروسيا، بل وبسبب نية البلدين الالتزام باتفاق إيران النووي مع ما يتضمنه من تعاون تجاري مع طهران، فيما تسعى واشنطن لتخريبه بأي ثمن.
وأكد الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف عشية لقاء بوتين ميركل، أن “بحث المشاريع التجارية سيجري من منظار التهديدات التي تطلقها أطراف أخرى لهذه المشاريع”.
سياسة الضغط والوعيد التي بات يمارسها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بحق حلفائه وخصومه على حد سواء، قد تدفع روسيا وألمانيا للبحث بشكل أكثر جدية عن خيارات وسبل مشتركة لمواجهتها، لاسيما وأن أوساطا مؤثرة في قطاع الأعمال الألماني تدعو بعزم متزايد لرفع العقوبات المتبادلة بين برلين وموسكو، كونها تشكل عائقا أمام تطوير العلاقات الثنائية.
المعادلة الروسية لأوروبا: تخفيف ضغط الهجرة مقابل دعم إعادة إعمار سوريا
وفي الملف السوري، أطلقت موسكو حملة واسعة النطاق من أجل تأمين عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، بعد أن تمكنت الحكومة السورية وحلفاؤها من تحرير معظم أراضي البلاد من الجماعات المسلحة.
تدفق أعداد كبيرة من المهاجرين، وبينهم الكثير من السوريين إلى ألمانيا في السنوات القليلة الماضية، أثقل كاهل حكومة ميركل بمشاكل داخلية خطيرة، وسط تعالي الأصوات التي تنتقد سياسة الانفتاح على المهاجرين وتطالب بتقييد الهجرة.
وسبق أن نوه القادة الروس للأوروبيين أكثر من مرة بأن تسوية الأزمة في سوريا واستقرار الأوضاع هناك يصب في مصلحة أوروبا بشكل مباشر، إذ أن ذلك سيؤدي إلى تخفيف حدة قضية المهاجرين في الدول الأوروبية.
وفي هذا السياق، فإن دعوة موسكو دول الغرب إلى تقديم مساعدة مالية ومادية بهدف إعادة إعمار المناطق السورية المحررة من المسلحين، باعتبار ذلك شرطا ضروريا لاستقبال مئات الآلاف بل وملايين السوريين العائدين من الخارج، قد تلقى استجابة من برلين المعنية بتقليص عدد اللاجئين المقيمين على أراضيها، وإن كان طريق المبادرة الروسية يعترضه الكثير من العقبات، لاسيما في ظل رفض واشنطن وبعض الأطراف الغربية أي حديث عن إعادة الإعمار قبل التوصل إلى الحل السياسي في سوريا.
في ضوء ذلك لا يبدو صدفة أن تبدي ميركل اهتماما متزايدا بعقد قمة رباعية بمشاركة ألمانيا وفرنسا وروسيا وتركيا حول سوريا، حيث أكدت أمس الجمعة أن الصيغة الرباعية لبحث التسوية السورية “قد تكون مفيدة”، مضيفة أن الدول الأربع ستناقش إمكانية عقد هذا الاجتماع على مستوى المستشارين بادئ الأمر.
العقدة الأوكرانية
بينما يبدو أن ما يجمع بين موسكو وبرلين في مواجهة إملاءات ترامب وتداعيات الأزمة السورية أكبر مما يفرقهما، لا تزال الأزمة الأوكرانية موضع خلاف على الأغلب، وسط الجمود الذي أصاب عملية تطبيق اتفاقات مينسك وتعثر جهود رباعي النورماندي لتحريكها.
ورغم خطوات حسن النية من قبل موسكو مثل موافقتها المبدئية على نشر مراقبين دوليين في منطقة النزاع في دونباس، فلا تزال كييف ترفض منطق اتفاقات مينسك وتعرقل تنفيذ جوانب جوهرية منها.
وإضافة إلى ذلك، لا تزال العقدة الأوكرانية حاضرة في العلاقات الروسية الألمانية بصدد مشروع “السيل الشمالي”، الذي اتفق الطرفان على معظم جوانبه، ما عدا أن برلين تصر على الإبقاء على الخط الموجود لتوصيل الغاز من روسيا إلى أوروبا عبر أوكرانيا، في حين تشترط موسكو استمرار الترانزيت الأوكراني بمستوى جدواه اقتصاديا، لافتة أيضا إلى أن تجارب الماضي في مجال نقل الغاز أثبتت أن كييف شريك لا يمكن الاعتماد عليه.
وحسب المحلل السياسي الألماني ألكسندر رار، فإن موقف برلين من موسكو يختلف حاليا عن معظم المواقف الغربية المنتقدة لروسيا، وقد يصبح أكثر تميزا بعد لقاء بوتين وميركل اليوم.
واعتبر رار، أن “هناك ما يحملنا على النظر إلى ألمانيا كوسيط يلعب دورا هاما في الحوار بين موسكو والغرب”، مضيفا أن هذا الدور تسعى للاضطلاع به جزئيا النمسا أيضا، التي قبل بوتين دعوتها لحضور حفل زفاف وزيرة خارجيتها كارين كنايسل اليوم السبت، وهو في طريقه إلى برلين للقاء المستشارة الألمانية.
سيريان تلغراف