تحقيقات وتقارير

أميركا تسلح الخليج حماية لأمن إسرائيل

ميرنا قرعوني

مع انتهاء عام 2011  أعلنت الإدارة الأميركية أن الولايات المتحدة وقعت على صفقتين عسكريتين مع كل من السعودية  ودولة الإمارات العربية المتحدة لبيع 84 مقاتلة من طراز “إف 15” للمملكة العربية السعودية و عن تحديث سبعين مقاتلة أخرى، و قدرت الصفقة بمبلغ يقدر بحوالي 30 مليار دولارا، ولتزويد الإمارات بنظام دفاع صاروخي لم يسبق بيعه  في الأسواق الدولية.

في هذا السياق رأت  صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أن سعي الولايات المتحدة إلى توقيع اتفاقيات السلاح، إنما هو نوع من فرض النفوذ الأميركي واستعراضه في المنطقة الغنية بالنفط والتي باتت مهددة بالنفوذ الإيراني، وفقا للحسابات الأميركية الإستراتيجية .

تعتبر السعودية الحليف الأكبر للولايات المتحدة في الخليج  وبعد أن كان لها دور بارز في المنطقة العربية، هرمت المملكة وبات دورها يتضاءل وبالتالي فإن أميركا تحاول إحياء دور حليفها الوفي من خلال هذه الصفقة وهي بالمقابل تبيع طائرات مخزنة في المعامل الأميركية  حيث يرى بعض الخبراء أن الهدف من تكبير مخاوف دول الخليج من النفوذ الإيراني إنما هو تشغيل المصانع الأميركية والحصول على بعض الأموال في ظل الأزمة  الخانقة التي تعيشها الولايات المتحدة وتعتبر حركة احتلوا وول ستريت  التي يتم قمعها من الأدلة على بروز الصرخة في الداخل الأميركي، والبيت الأبيض كان قد أعلن عن أهمية هذه الصفقة للاقتصاد الأميركي وتعزيز العلاقة المتينة مع دول الخليج.

فقد أكد مساعد وزيرة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية والعسكرية أندرو شابيرو أن صفقة الأسلحة الضخمة بين الولايات المتحدة والعربية السعودية لن تؤثر على التفوق العسكري النوعي الإسرائيلي في المنطقة، وأوضح شابيرو أن الصفقة ترمي لتعزيز القدرات الدفاعية السعودية في الوقت الذي تشهد فيه المنطقة حالة ملتبسة .

المؤسف هو لجوء هذه الدول العربية للتسلح في وجه إيران وإهدارها  ثروات شعوبها على شراء الأسلحة بذريعة النفوذ الإيراني المتنامي، وفي المقابل لا تحرك ساكنا في وجه التهديد النووي الإسرائيلي والتسلح الإسرائيلي المستمر، والجدير بالذكر انه يمنع على دول الخليج استخدام هذه الطائرات في وجه إسرائيل وفقا للشروط التي يتمسك البائع الأميركي بإدراجها في عقود مبيعات السلاح للحكومات العربية ، أما فيما يخض الصفقة العسكرية مع الإمارات فقد أعلن  بيان وزارة الدفاع الأمريكية أن قيمة العقد تصل إلى 3.4 مليار دولار، وقد جرى التوقيع عليه في 25 ديسمبر الجاري، و بموجبه ستزود أميركا الإمارات بنظام “ثاد” الذي يضم رادارات وأنظمة لاعتراض الصواريخ، وبذلك ستكون الإمارات أول دولة تتزود بهذا النظام.

وأشار بيان وزارة الدفاع الأمريكية إلى أن الإمارات ستحصل بموجب الصفقة على بطاريتي صواريخ مضادة للصواريخ، إلى جانب 96 صاروخاً، ومجموعة من الرادارات الخاصة، بالإضافة إلى برامج تدريب وخدمات لوجستية.

وأضاف البيان: ” الاستحواذ على هذا النظام الدفاعي الحساس سيزيد من قدرة الدفاعات الجوية والصاروخية الإماراتية، كما سيزيد من حيوية التعاون بين الولايات المتحدة والإمارات في مجال مواجهة الصواريخ البعيدة المدى ” كما أشارت وزارة الدفاع الأمريكية إلى أن بين البلدين “علاقات دفاعية قوية للغاية، بفعل اهتمامهما المشترك بضمان وجود خليج آمن ومستقر” .

ويندرج العقدان العسكريان الأميركيان مع السعودية والإمارات  في إطار مشروع الرئيس الأمريكي باراك أوباما لإقامة منظومة دفاعية في الشرق الأوسط تحت عنوان مجابهة التهديد الصاروخي الإيراني وبنتيجة هذا المشروع، من المتوقع نصب أجهزة لاعتراض الصواريخ على الأرض وربطها بأجهزة استشعار للصواريخ موضوعة على سفن أمريكية مزودة بنظام “إيجيس” للدفاع الصاروخي.

اللافت هو أن مبيعات السلاح الأميركية لحكومات الخليج شكلت على الدوام مناسبة لإغداق كميات كبيرة من العتاد المتطور تقنيا على الجيش الإسرائيلي الذي يعتبر الحليف المدلل في البنتاغون لجهة حجم الهبات والمساعدات وصفقات التسلح و قد ذكرت تقارير الصحافة الإسرائيلية مؤخرا أن حكومة نتنياهو حظيت بكمية وافرة من التعهدات الأميركية بما سماه الصحافيون الإسرائيليون المقربون من الحكومة بتعويضات كمية ونوعية للمحافظة على التفوق الإسرائيلي العسكري في المنطقة وقد كتب  أليكس فيشمان المحرر العسكري في يديعوت أحرونوت مقالة تحت عنوان “ليس ثمة ما يقلقنا” قال فيها  إن «القلق بات من خلفنا، فإسرائيل والولايات المتحدة تطحنان هذه الصفقة منذ أكثر من عامين، وقد قام الأميركيون بتعويض إسرائيل بأسلحة وسلسلة من الالتزامات السياسية والعسكرية، جزء منها في الميادين الأشد حساسية وسرية، وقد جرت المداولات بين إسرائيل والولايات المتحدة تحت عنوان مواصلة الحفاظ على التفوق النوعي لإسرائيل مقابل جيرانها، لقد جلس أفراد وزارة الدفاع مع الأميركيين وعبرا بندا بندا على الصفقة وطلبوا تعويضا مناسبا عن مستوى الخطر المحتمل الكامن فيها».

وأشار فيشمان إلى أن «التعويض الأشهر هو صفقة طائرات (إف 35)  مع إسرائيل ومشاركة الولايات المتحدة في تطوير وتجريب منظومة (حيتس 3) الإسرائيلية،  ولكن إلى جانب ذلك هناك سلسلة مشاريع مصنفة سرية جدا وافق الأميركيون على إشراك إسرائيل بها، وفضلا عن ذلك فإن مطالب إسرائيل التي جوبهت برفض مطلق في الماضي، مثل نصب رادارات من صنع إسرائيلي في الطائرات الأميركية التي تخدم في سلاح الجو الإسرائيلي، فتحت للنقاش».

في حين يكشف مقال فيشمان المقرب من المؤسسة العسكرية الإسرائيلية دور إسرائيل في تحضير تلك الصفقات و عن  تلقي تل أبيب الثمن سلفا، فقد ركز خبراء إسرائيليون آخرون على أن صفقات السلاح الأميركية في الخليج موجهة ضد إيران العدو رقم واحد لإسرائيل في المنطقة.

ترجح تقديرات الخبراء على أن منطقة الخليج لن تشهد الحرب التي يلوح بها الإسرائيليون خصوصا بعد عروض القوة النوعية الإيرانية التي ستفرض حقيقة أن القادم هو حرب باردة بين الولايات المتحدة وإيران سيكون مسرحها الخليج والشرق الأوسط ويبدو واضحا أن تحريك المفاوض التركي داود اوغلو هو تعبير عن حقيقة التوازنات وانتقال واشنطن لاستدراج التفاوض مع طهران و مع مرور الزمن قد تجد حكومات الخليج الموالية للغرب أن مستودعاتها المتضخمة ستبقى دون وظيفة ميدانية بعدما تكدست المليارات المدفوعة ثمنا لها في الخزينة الأميركية و في ظل حرص إيران على منع الانزلاق نحو مواجهات بالواسطة قد يحلم بها المخططون الإسرائيليون لتكرار سيناريو الحرب الخليجية الأولى التي أقحم فيها العراق بعد سقوط نظام الشاه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock