قراءة في خطاب الرئيس بشار الأسد – بقلم غالب قنديل
خطة وطنية للخلاص وثقة بالنصر
الخطاب الذي ألقاه الرئيس بشار الأسد في مدرج جامعة دمشق وصف بأنه خطاب قوي باعتراف بعض الخصوم الذين ندبوا أحوالهم.
أولا: في التعامل الإعلامي ارتبك الطابور الاستعماري الذي يضم كثيرا من الإعلاميين المرتزقة ومنابر الشتم والردح والتحريض فاستقوى على مأزقه بالكذب و التزوير كالعادة ، و أبرز الطباخون ما زعموا انه تصميم على الحل الأمني وهجوم على الجامعة العربية وظهرت بعض الصحف في بيروت والخليج بعناوين تعمد من كتبوها طمس الخطة الدستورية والسياسية والاقتصادية التي طرحها الرئيس الأسد والتقليل من أهميتها لصالح التركيز على موضوعي الحل الأمني والجامعة.
بالمقابل أظهرت بعض الصحف الغربية عناصر القوة في الخطاب و لاحظت عمق التحول في مسار الأحداث و ما يشير إلى مرحلة جديدة من الصمود السوري و فشل الضغوط و التدخلات الأجنبية المتواصلة .
فقد وصفت الصحافة البريطانية خطاب الرئيس بشار الأسد بالقوة و الثقة وقالت صحف إسرائيل التي سخرت من تصريحات المسؤولين، إنه خطاب نصف انتصار ، بينما اعتبره آخرون مقدمة لفصل حاسم يضع حدا للإرهاب والفوضى بعدما ثبت بلوغ التدخلات الأجنبية طريقا مسدودا ، في حين تواجه الجامعة العربية مأزقا حائرا و تباينات ظاهرة ، أمام السعي القطري المستمر لتكوين مقدمات التدويل المستحيل ، من خلال تحركات حمد بن جاسم ومحاولاته للضغط على مهمة المراقبين العرب ، بهدف استخراج تقرير يحمل الدولة الوطنية المسؤولية عن الأحداث و التغاضي المتعمد عن وجود العصابات المسلحة التي عاين المراقبون حركتها ميدانيا ووثقوا كثيرا من نتائجها بلسان الضحايا وذويهم في جميع المناطق ، التي كانت مسرحا لأعمال التفجير والقتل الجماعي والخطف واللصوصية والإرهاب التي وصفها الرئيس بشار الأسد في خطابه على مدرج جامعة دمشق.
ثانيا : قدم الرئيس الدكتور بشار الأسد ما يمكن اعتباره خطة وطنية في مجابهة التحديات وقد أقامها على خطين : خط الحرب على الإرهاب والفوضى وخط الإصلاحات السياسية والدستورية والاقتصادية المبنية على مصالح الشعب السوري واحتياجاته وعلى أساس الهوية الوطنية والقومية لسورية التي تتمثل بالعروبة والمقاومة كما أعلن الرئيس الأسد في تجسيده لمشيئة الشعب العربي السوري الذي ما زال يعبر في الساحات عن تمسكه بتلك الهوية .
أعلن الرئيس الأسد في خطابه عن ثلاث خطوات نوعية كبيرة في الحياة العامة للدولة والمجتمع:
- الاستفتاء الشعبي العام في آذار على الدستور الجديد القائم على التعدد السياسي وعلى تحقيق جمهورية برلمانية ديمقراطية.
- التوجه لتشكيل حكومة وطنية واسعة تضم غالبية المكونات السياسية في الواقع السوري شخصيات وأطرافا و الكشف عن انطلاق مشاورات بهذا الخصوص.
- الإعداد لانتخابات تشريعية تعقب الاستفتاء على الدستور و تدشن مرحلة جديدة في الحياة الوطنية بينما يتقدم العمل في تطبيق قانون الأحزاب وقانون الإعلام والقانون الجديد للانتخاب من ضمن رزمة الإصلاحات التي أطلقها الرئيس الأسد لتكريس التعدد السياسي و الحزبي و الإعلامي في البلاد .
ثالثا: غيبت المعارضات كليا أي كلام عن الاقتصاد الوطني وإعادة هيكلته منذ آذار الماضي ، بينما استكمل الرئيس بشار الأسد ما سبق أن اتخذه من قرارات و طرحه في هذا المجال بالتشديد على العدالة الاجتماعية و التقديمات من ضمن المراجعة الإصلاحية الشاملة للواقع السوري و معالجة ما رتبته سياسات الانفتاح في السنوات الأخيرة ، إضافة إلى تثبيت التوجه الحاسم لتنمية القدرات السورية الذاتية في الزراعة وفي الصناعات الصغيرة والمتوسطة والحرفية ويحق للرئيس الأسد دون سواه أن يقوم بإشارة معبرة إلى علامتين فارقتين في واقع القوة الاقتصادية السورية لجهة أن سورية هي دولة ليست غارقة في الديون كغيرها وان سورية هي الدولة العربية التي أطعمت من قمحها أربع دول أخرى.
ليس مستغربا على طوابير عملاء المخابرات الأجنبية والمرتزقة في سورية ولبنان والمنطقة ان يتحاشوا النقاش في مضمون الخطة الوطنية التي طرحها الرئيس الأسد وان يجتروا الكلام المبتذل عن الحل الأمني وفق معادلتهم السخيفة التي استهلكوها منذ آذار الماضي عن تجاهل مزعوم للحل السياسي وهم أي أذناب الحلف الاستعماري من ساهم في تعطيل الحوار وتشجيع معطليه من بين المعارضات المتناحرة التي قال ممثلها في القاهرة انه يتمنى لو أن حسني مبارك لم يسقط موجها شتائمه إلى أمين عام الجامعة العربية.
رابعا: تمثل فصائل الإرهاب وعصابات الفوضى المسلحة التي تقتل وتخطف وتبتز وتسرق كما بين الرئيس الأسد في خطابه ، تمثل خطرا على الاستقرار وعلى الاقتصاد الوطني والحسم بتصفية بؤر الإرهاب والفوضى هو الواجب في أي دولة تحترم شعبها وتلتزم بمصالحه وتتوخى القيام بواجباتها نحوه.
الجواب على الإرهاب والفوضى هو قيام الدولة الوطنية السورية بإعطاء الفرض للمضللين والمتورطين كي يتراجعوا وهذا ما عبر عنه الرئيس في حديثه عن قرارات العفو وفي نقاشه القيمي و الأخلاقي مع المتوهمين أن ما يجري هو ثورة تقتل المعلمين وتحرق المدارس وتنسف أنابيب الغاز والمازوت وتقتل رجال الأمن وجنود الجيش وتخطف الرجال والنساء لتبتز الموال من عائلاتهم وتسطو على الممتلكات العامة والخاصة.
لا خيار أمام هذا الواقع إلا الحسم مع فتح باب التوبة والعودة عن التورط في خطة التخريب وهذا لا يسمى حلا سياسيا للأزمة بل هو تقطيع للأذرع المخربة التي اشتغلت على استثمار الأزمة وساندها في ذلك الإعلام الدموي العربي والدولي كما سماه الرئيس الأسد بكل حق وجدارة بينما يمولها و يسلحها حلف استعماري عربي إقليمي بات معروفا.
سورية و الجامعة و العروبة
خامسا : حاول طابور الحملة الإعلامية على سورية بأصوله الخليجية و بفروعه اللبنانية و العربية أن يختزل ما ورد في خطاب الرئيس الدكتور بشار الأسد حول الجامعة العربية عبر ما سمته الصحف و القنوات الفضائية بالهجوم على الجامعة ، بينما كانت سورية هي التي تعرضت للهجوم عبر اعتداءات فظة و مفضوحة باسم الجامعة و هي في حالة الدفاع المشروع و رغم ذلك فالرئيس الأسد التزم المنهج العلمي الهادئ الذي درج عليه من غير أي انفعال .
فقد خاطب الأسد السوريين بتأكيد هوية سورية العربية و دورها القومي و قدم مفهوما متطورا للعروبة التي تحتوي في نسيجها المكونات الدينية و الثقافية المتنوعة لمن يعيشون في رحابها و قد ركز بصورة محورية على الإسلام و علاقته بالعروبة و التفاعل الإسلامي المسيحي مشددا على رفض الفكرة الشوفينية العرقية التي تحول دون اتساع الرابطة العربية للقوميات العديدة التي تعيش على الأرض العربية و في الواقع كان الرئيس الأسد يستند في هذه الرؤية إلى واقع الحياة السورية و إلى ما أظهره الشعب العربي السوري بجميع مكوناته من تلاحم وطني و من التزام قومي نحو فلسطين و لبنان و العراق خلال السنوات الأخيرة بالذات و كما كان السوريون دوما .
و من يدرس تاريخ الشرق القديم و الحديث يكتشف أن سورية كانت على الدوام الحصن الذي تتكسر عنده الغزوات الاستعمارية المتعاقبة و هي القلعة التي يلوذ بها المقاومون من أبناء جوارها و بالذات من لبنان و العراق و الأردن و فلسطين ، و هذا ما حصل في زمن الاستعمار العثماني و الانتداب الفرنسي و علاقة سورية و شعبها بالمقاومة و التحرر و تمسك السوريين بالاستقلال كانت عناصر ملازمة لدور سورية عبر الزمن و هي سمة راسخة الجذور في الشخصية الجمعية للسوريين الذين كانوا قلب العروبة و عقلها في مقاومة التتريك و تكفلوا بحماية العروبة و اللغة العربية و الثقافة العربية و تحولت مساجدهم و كنائسهم و مدارسهم إلى مجامع للغة و الأدب و الثقافة .
سادسا اعتمد الرئيس في الرد على بعض الدمى العربية الطارئة التي يحركها الحلف الاستعماري على عراقة سورية في التاريخ و خصوصا في التجربة البرلمانية و ذلك هو عين المشروعية الثقافية و السياسية أمام مهزلة تعيشها الجامعة بتصدر حكام قطر بناء على الأمر الأميركي الاستعماري و في ظل توزع الحكومات العربية الأخرى بين المغلوبين على أمرهم ممن يتضامنون مع سورية في السر و يصوتون مع المكلفين باستهدافها و بين المنتحين جانبا عن كل شيء تحاشيا لإغضاب السيد الأميركي وصولا لمن وصفهم الرئيس الأسد بأصحاب النوايا الحسنة ممن تضامنوا مع سورية بطريقتهم و من غير التصادم مع الموج الأميركي المرتفع .
أما الشواهد التي عرضها الرئيس الأسد عن دور سورية المتجذر في العروبة بدءا من التعريب الذي انطلق من سورية و تطور فيها و انتقل منها إلى بعض الدول العربية وصولا إلى الالتزام السوري الراسخ بقضية فلسطين و احتضانها للمقاومة ، فتلك حقائق تعيشها المنطقة منذ اغتصاب فلسطين حتى اليوم و أشدها رسوخا و أغناها عبرا هو ما شهدناه في السنوات الأخيرة التي أعقبت احتلال العراق و من خلال ما رفضته سورية و رئيسها من عروض أميركية حملها بعض الموفدين العرب و الأجانب خلال الأزمة الحاضرة و هو كناية عن نسخ مكررة لشروط كولن باول التي رفضها القائد الأسد في ذروة الغطرسة الاستعمارية الأميركية متمسكا بالمقاومة في العراق و فلسطين و لبنان رافضا المساومة على حقوق سورية و ترابها الوطني في الجولان بأي ثمن و على دورها القومي التحرري و قرارها المستقل .
يعتقد المخططون الأميركيون و الإسرائيليون بحق ان سورية هي التي حالت دون تصفية قضية فلسطين منذ اتفاقية كمب ديفيد و حتى اليوم و هي التي أعاقت خطة الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة وصولا إلى إقامة توازن الردع الدفاعي الذي نزع القدرة على المبادرة من يد إسرائيل و يعود الفضل الرئيسي في تكوينه لجهود سورية السياسية و العملية طوال ثلاثين عاما في تقوية و تعزيز المقاومة اللبنانية و الفلسطينية و القدرات الدفاعية السورية و قد وصف بعض قادة البنتاغون الأزمة الأخيرة بأنها فرصة ثمينة للثأر من سورية التي يحملونها المسؤولية الأولى عن إفشال مشروعهم لإعادة تشكيل الشرق الأوسط بعد احتلال العراق و هذا كلام نسب مؤخرا في الصحف الأميركية إلى الجنرال ديفيد بيترايوس الذي انتقل من منصب قائد جيوش المنطقة الوسطى إلى موقع مدير الاستخبارات المركزية الأميركية و هو القائد الفعلي و المخطط الرئيسي للسياسة الأميركية في المنطقة..
سابعا كان الرئيس بشار الأسد في جميع القمم العربية التي حضرها هو الزعيم العربي الوحيد الذي انتقد أحوال الجامعة و تقصيرات المجموعة العربية و خنوع بعض الحكومات و تواطؤ البعض الآخر ، إزاء قضية فلسطين و اتجاه احتلال العراق و العدوان على لبنان و قطاع غزة و هو الذي بذل المساعي المجدية لتحريك نقاشات واقعية حول سبل تحسين العمل العربي المشترك و هو أيضا من اعتبر دوما أن معيار النجاح والفشل في القمم العربية و في أداء الجامعة هو مدى القدرة على التقاط نبض الشارع العربي ومواكبة همومه و تطلعاته ، و خطب الأسد في الجامعة كانت دوما تعكس مضمون السياسة السورية التي يفاخر بها السوريون و يتمسكون بها و بينت استطلاعات الرأي الأميركية مساندة الجمهور العربي لها من خلال ما أبرزته من تعاطف مع الرئيس بشار الأسد الذي ارتفعت صوره في الجامعات و التظاهرات المنددة بالعدوان على العراق و لبنان و غزة و اعتبرته استطلاعات معهد بروكينغز لسنوات متعاقبة الرئيس العربي الأكثر الشعبية في المنطقة باعتماد عينات من مصر والمغرب والسعودية والإمارات والكويت ولبنان والأردن .
تعامل غالبية دول الجامعة مع الاقتراح السوري المتكرر لتفعيل مكتب مقاطعة إسرائيل الباقي في دمشق والفاعل في سورية لوحدها ، يلخص واقعيا حقيقة أن الغالبية من حكومات الدول العربية واقعة في أسر المشيئة الأميركية الإسرائيلية و هي تقيم علاقات علنية و سرية اقتصادية و امنية مع إسرائيل و بعضها تواطأ معها في مطاردة المقاومة اللبنانية و الفلسطينية و قدم التمويل للحروب العدوانية الصهيونية و بديهي الاستنتاج الذي وصف به الرئيس الأسد حقيقة سعي من يقودون الجامعة حاليا لاستبدال سورية بإسرائيل و ان الجامعة بدون سورية لا تبقى جامعة لأنها تغيب قوة عربية كبرى مستقلة فاعلة و هامة و لا تبقى عربية لأن استهداف سورية الذي تنفذه ادوات عربية صغيرة هو في الواقع استهداف لآخر قلاع العروبة في المنطقة و أقواها و أشدها استقلالا و مناعة ، لمصلحة الهيمنة الإسرائيلية و لتهويد القدس الشريف.
ثامنا على الرغم من المرارة التي يشعر بها الشعب السوري اتجاه القرارات العدائية التي اتخذت في الجامعة العربية فقد سعى الرئيس بشار الأسد كقائد قومي و كمسؤول رصين إلى تفكيك منطق الانعزال عن العروبة الذي لمس انتشاره في قطاعات غاضبة من الشارع السوري بسبب مواقف الجامعة و قراراتها التي استهدفت سورية و شكلت رأس حربة استعمارية لمخطط إخضاعها و هو كرئيس للدولة الوطنية السورية أكد انفتاح سورية على أي مسعى عربي يحترم السيادة السورية و اكد انه ليس في وارد شن حملة على الجامعة العربية لكنه فعلا وضع الأمور في نصابها و كان منصفا و دقيقا في تناوله العلمي و الموضوعي لواقع الجامعة العربية و مسارها .
اللافت أن من بين الدجالين و المرتزقة في الإعلام العربي ممن حملوا على خطاب الأسد ، من كتبوا بأيديهم القابضة على البترودولار هجاءات متكررة و يائسة للجامعة قبضوا ثمنها في حينه بالتلاعب على محاور الخلافات العربية ، كما يقبضون اليوم ثمن التحامل على القائد العربي المقاوم الذي بدوا عاجزين عن مناقشة مضمون أي فكرة أو واقعة في خطابه الذي قدم كشف حساب مع مؤسسة عربية مهترئة يسيطر عليها عملاء الاستخبارات الأميركية في زمن انحطاط سيعقبه نهوض و تحرر قومي كما قال الأسد ، و لا ريب في قدومه ، فنهوض سورية و انتصارها الحاسم ، بدولتها المتجددة سيطلق نهوضا قوميا يملأ الساحات العربية ، و عندها سيتقاطر الانتهازيون و المتزلفون إلى دمشق للتهنئة ، كما في كل مرة ، بعد أن يظهر انكسار الهجمة الاستعمارية و انكفاء أدواتها النتنة !.
مصادر القوة و الثقة باقتراب النصر
الحسم هو مطلب شعبي يتردد في الساحات منذ انكشاف الصورة أمام المواطنين السوريين و بعد انفضاح الروايات الإعلامية المفبركة والكاذبة وبعد الانفضاض الشعبي الملحوظ من حول المعارضات المتناحرة ، التي برهنت على ارتهانها إلى الخارج وارتباطها بمخطط استعماري تشكل عناوينه واقعيا تدميرا لقوة سورية الإقليمية وإخضاعا لسورية أمام إسرائيل وهيمنتها في المنطقة، عبر إسقاط خيارها المقاوم وهويتها العربية ، اللذين يؤمن السوريون في غالبيتهم الساحقة، بأنهما علة وجود سورية وحصانتها وقدرتها في وجه الحلف الاستعماري الغربي الصهيوني منذ عقود.
تاسعا : وقائع حياة السوريين اليومية في أماكن سكنهم و عملهم وفي مؤسساتهم التعليمية وفي تحركاتهم وأنشطتهم العادية تشعرهم بأنهم تحت تهديد الإرهاب والعنف والفوضى ، وهذا ما يدفعهم منذ أشهر إلى التعبير في جميع الساحات عن مطالبتهم لدولتهم الوطنية بحسم الأمور وخصوصا في الأرياف حيث تسيطر العصابات المسلحة على عدد من البلدات والقرى وتفرض إرهابها وتخرب المرافق العامة والخاصة وتقوم بأعمال الخطف والابتزاز ، أما في مدينة حمص التي حاولت العصابات أن تولد منها شرارة فتنة طائفية تشعل حربا أهلية في البلاد ، فإن المواطنين العاديين يدعمون مساعي فعاليتهم الأهلية والدينية لمحاربة الفتنة بينما هم يطالبون الدولة بالضرب بيد من حديد لسحق العصابات والميليشيات المسلحة التي تتخذ الناس متاريس لها في بعض أحياء المدينة ، لتمارس من خلفها القتل والخطف واللصوصية و آخر منجزات ميليشيات مجلس اسطنبول هناك ظهور أمراء حرب و هو انفجار نزاع نفوذ مسلح بين زعماء العصابات .
ما تضمنه خطاب الرئيس الأسد بشأن الحسم يلاقي تلك الإرادة الشعبية الواضحة بقدر ما هو تعبير عن تصميم الدولة الوطنية على حمل مسؤولياتها الدستورية البديهية ، عن حياة الناس وسلامة المرافق العامة وعن فرض الهدوء والاستقرار في جميع المحافظات السورية وأريافها التي تعيش حالة من القلق والنزيف المتواصل.
عاشرا إن الارتباط بين خطة الخلاص الوطني ببنودها الدستورية والسياسية و مهمة فرض الاستقرار في البلاد ، هو ارتباط عضوي وثيق و أي معاينة منطقية في الواقع السوري تقود على التسليم بأن إجراء الاستفتاء الشعبي على الدستور و من ثم الانتخابات التشريعية يقتضي عمليا استتباب الأمن ليتسنى لجميع السوريين المشاركة في الإدلاء بأصواتهم حول الدستور الجديد الذي له صفة التأسيس في حياتهم الوطنية ، والمساهمة أيضا بالترشيح والانتخاب في اختيار مجلس شعب جديد على أساس التعدد الحزبي والسياسي والمنافسة المحررة من أي قيد وفي مناخ التعدد الإعلامي وحرية الرأي والتعبير.
فالإصلاح في سورية يبدو حاليا رهينة الإرهاب والفوضى رغم تصميم الدولة و رغم عزم الرئيس الأسد على توسيع نطاق المشاركة في الحياة السياسة، بأسرع وقت.
من غير تحرير سورية من عصابات الإرهاب والقتل ستبقى البيئة العامة في البلاد مستنزفة ومن الصحيح تماما لمن يراجع وقائع الأحداث السورية منذ شهر آذار أن الحلف الاستعماري الغربي وأدواته الرجعية العربية والإقليمية أراد بتفعيل العصابات المسلحة قطع الطريق على الإصلاح
حادي عشر : كانت صدمة هذا التحالف كبيرة من ثلاثة عوامل عرضها الرئيس الأسد في خطابه شكلت عناصر القوة التي حاول الحلف المعادي الرد عليها من خلال تمويل وتسليح عصابات مجلس اسطنبول وعبر الزج بفصائل التكفير من كل مكان باتجاه سورية لتفجير الأوضاع ولمحاولة إغراق البلاد في حرب أهلية وكل الكلام الذي يتكرر بعد خطاب الرئيس الأسد عن خطر الانزلاق إلى حرب أهلية هو تعبير عن خيبة القوى المتآمرة على سورية من الطريق المسدود أمام الحرب الأهلية بنتيجة العوامل الثلاثة التي عرضها الرئيس في خطابه وهي:
- تصميم الرئيس الأسد على استكمال العملية الإصلاحية والذهاب بها إلى النهاية وهو ما فضح حقيقة أن المعارضات المتناحرة في الخارج والمرتبطة بالحلف الاستعماري ليس همها الإصلاح بل إسقاط سورية وتدمير قوتها وهذا ما انفضح أمره بجميع قطاعات الشعب السوري بعد تصريحات برهان غليون وعدد من زعماء الأخوان المسلمين ورموز عديدة من المعارضة في الخارج وكلها انصبت على الالتزام بالأهداف الإسرائيلية في سورية.
- الوعي الشعبي واليقظة الوطنية والقومية العالية التي أظهرها السوريون خلال الأحداث وحتى الآن ، والتي اتخذت اتجاها متصاعدا ، أسقط جميع محاولات خطف السوريين في البيئة الافتراضية التي أقامها الحلف الاستعماري بواسطة جيش من المؤسسات الإعلامية الموجهة إلى سورية ، فقد برزت منذ الشهر الثاني للأحداث براعة الشباب السوري والمواطنين العاديين في تفكيك الروايات المفبركة والأفلام المصنعة والأخبار الملفقة . كما أن الجيش السوري الذي أبدى تماسكا عاليا في حضن هذه الحالة الشعبية قطع الطريق على جميع الرهانات ويكمن في وضع هذا الجيش وفي حالة الوعي الشعبي تفوق سوري حاسم على مسار الأحداث الذي شهدته دول أخرى بنى عليها المخططون كنماذج يمكن نسخها في سورية ، فلا وجود في الجيش السوري وقيادته لعملاء للمخابرات الأميركية والغربية أو مرتزقة للقوى الإقليمية وللدول العربية الرجعية المشاركة في المخطط ، ولذا فإن وعي الشعب وصلابة الجيش شكلا ركيزة أساسية لتماسك الدولة الوطنية ولصمودها في وجه الضغوط والميثاق المتجدد بين الجيش والشعب من جهة و قائد سورية من جهة أخرى هو ثالوث العروبة والمقاومة والإصلاح الذي يجدد الدولة على قاعدة الاستقلال ورفض الهيمنة وإحباط كل من يراهن على تحويل سورية إلى مستعمرة تدور في الفلك الأميركي.
- أشار الرئيس الأسد في خطابه إلى العامل الثالث المجسد بالوحدة الوطنية للشعب السوري كما عبر عنها الناس العاديون في يوميات الأحداث وكما عبرت عنها بقوة وحزم القيادات الدينية من جميع العائلات الروحية السورية وخصوصا الموقف الوطني التاريخي لكبار علماء سورية الذين ساهموا نوعيا في بث الوعي وروح الوحدة فقد تحولت خطب الإمام البوطي ومفتي الجمهورية الشيخ أحمد حسون إلى محطات حاسمة في معركة الوعي السوري ضد الفتنة الطائفية وضد الإرهاب والفوضى، وكذلك فان ما قامت به الفاعليات الشعبية والاجتماعية التي نوه الرئيس الأسد بمبادراتها شكل ظاهرة لافتة في حياة سورية ، بينما انطلقت مبادرات شبابية أطلقها آلاف الشباب والشابات الذين تطوعوا للدفاع عن الوطن ولخوض معركة الوعي الوطني والقومي في وجه المخطط الاستعماري وفي وجه التحريض الطائفي وقد تمكن هؤلاء الشباب المبادرون بديناميكية تثير الإعجاب وبجميع الوسائل التي استخدموها في التنوير وفي التنظيم ، من بلورة إرادة الصمود لدى شعب سورية الذي ملء الساحات على امتداد الأشهر العشرة الماضية.
ثاني عشر الإدارة السياسية الذكية والمدروسة التي قادها الرئيس الأسد على المستوى الدولي والإقليمي والتي استثمرت جميع عناصر القوة التي راكمتها سورية في حصيلة السنوات العشر الماضية وفي جميع فصول كفاحها ضد الغزوة الاستعمارية الصهيونية للشرق ، مكنت سورية حتى الآن من كسر جميع حلقات التآمر الدولي والإقليمي عليها ، ضد استقلالها وضد مشروع تحديث دولتها الوطنية.
من عناصر القوة التي استند إليها الرئيس الأسد في خطابه الذي استنتج معلقو الصحافة البريطانية والإسرائيلية انه خيب رهانات من تحدثوا في الغرب وفي إسرائيل عن قرب سقوط النظام المقاوم في سورية، متانة التحالفات والشراكات الإستراتيجية بين سورية والمحور العالمي الجديد المناهض للهيمنة الأحادية الأميركية والذي كانت سورية طليعته الشجاعة والهجومية بعد احتلال العراق، وكذلك ظهور التضامن المصيري بين سورية وشركائها في منظومة المقاومة التي تضم إيران والمقاومة في لبنان وفلسطين على الرغم من الضغوط التي تعرضت لها حركة حماس من قيادة التنظيم العالمي للأخوان و تركيا ، فإن ما يمكن استنتاجه في مقاربة الموقف الإيراني الصلب والحازم ومواقف القوى الوطنية اللبنانية الحاضنة للمقاومة وأبعد من ذلك في مواقف القوى الوطنية والشعبية في مصر والأردن وفي العديد من الدول العربية أن سورية نجحت في سياق الأحداث بإظهار الحقائق لجميع هذه الأطراف وفي تأكيد انفتاحها على الحوار والإصلاح الداخلي لتحديث الدولة الوطنية على قاعدة الاستقلال والمقاومة والتحرر كهوية سورية لا مجال للتنازل عنها أو التفريط بها ، وبذلك تمكنت سورية من تحقيق الفرز في الداخل ومن تحصين شراكاتها الإستراتيجية الدولية والإقليمية والعربية مع جميع الدول والقوى المناهضة للهيمنة الاستعمارية.
لن يطول انتظار الحسم الذي يطالب به السوريون ، كما أشار الرئيس الأسد لأن العوامل الإستراتيجية الموضوعية المكونة لتوازن القوى وللمعادلات في الداخل والخارج شرعت في النضوج و التبلور ، خصوصا بعد الإفلاس السياسي التام للمعارضات المتناحرة والانكشاف الكلي لأهداف الحلف الاستعماري الذي يبحث بأي ثمن عن فرص تصعيد التدخلات في سورية ، وهذا ما يعني أن الدولة الوطنية السورية كما أظهرها خطاب الرئيس الأسد ماضية في صمودها وثباتها، متأهبة كما هي دائما للدفاع عن الوطن في وجه أي عدوان خارجي وهي باتت قادرة على الانتقال إلى الهجوم الميداني والسياسي والدستوري بفرض الأمن تمهيدا للاستفتاء على الدستور الجديد ولإجراء الانتخابات التشريعية التي فتح الرئيس الأسد باب المشاركة فيها أمام جميع القوى المكون للبيئة السياسية الوطنية بدون استثناء إلا لعملاء الخارج ولفصائل الإرهاب ، فهاتان الفئتان هما أعداء سورية وشعبها وما دونهما من السوريين هم مدعوون للشراكة في الحياة الوطنية وفي بناء مستقبل سورية وتعظيم دورها الكبير والوازن في العالم وفي المنطقة والذي كان وما يزال مثار فخر المواطنين في سورية و البلاد العربية .