شبان الأردن يتذوقون طعم الاحتجاج السياسي للمرة الأولى
لم يسبق للمحاسبة الأردنية لين سامر المشاركة في احتجاج في عمان.
لكنها خرجت هي وأصدقاؤها منذ الأسبوع الماضي مع من خرجوا إلى التجمعات قرب مقر مجلس الوزراء كل ليلة للمشاركة في أكبر احتجاجات تشهدها البلاد منذ سنوات.
قالت لين (24 عاما) بعد منتصف الليل يوم الثلاثاء لـ”رويترز”: “أحس أن شيئا ما يتغير” بينما كان المئات من حولها يهتفون “حكومة حرامية” ويلوحون بالأعلام.
وأضافت: “لا رجوع. الشباب ثائر ولن نظل صامتين بعد اليوم”.
وكان مشروع قانون لزيادة ضرائب الدخل في إطار الإصلاحات التي يدعمها صندوق النقد الدولي قد دفعت الآلاف للخروج إلى الشوارع في عمان ومناطق أخرى بالأردن. ويتزايد الغضب الشعبي منذ تطبيق زيادة حادة في الضريبة العامة على المبيعات وانتهاء دعم الخبز في وقت سابق من العام الجاري.
وهذه هي المرة الأولى التي يتذوق فيها كثيرون من المشاركين في الاحتجاج طعم المعارضة السياسية في بلد نجح فيه إحكام الأمن في احتواء الاضطرابات.
ويشكو المحتجون، وكثيرون منهم من الطلبة والخريجين والشباب العامل، من مواجهة صعوبات في سداد فواتيرهم والعثور على وظائف أو بناء مستقبل وسط ركود الاقتصاد الأردني ويقولون إن سياسات الحكومة زادت الأمور سوءا. كما يتهمون الساسة بتبديد المال العام وبالفساد.
وفي مقابلات مع “رويترز” راح هؤلاء الشباب في العشرينات من أعمارهم يتذكرون سنوات المراهقة التي تابعوا فيها انتفاضات “الربيع العربي” عام 2011 التي لم يصب الأردن منها شيء يذكر.
وفي ذلك الوقت قاد معظم المظاهرات في الأردن إسلاميون وقيادات عشائرية وأحزاب يسارية.
والآن يقول النشطاء إن الاحتجاجات أفرزت وجوها جديدة وأعدادا كبيرة لم يسبق لها مثيل من شباب المهنيين وأسر الطبقة المتوسطة والطلبة الذين لا خبرة لهم بالسياسة.
وتزايد حجم التجمعات الشعبية منذ دعت إليها النقابات في الأسبوع الماضي. ورغم أن من المستبعد أن تتسبب هذه الاحتجاجات في اضطرابات كبرى مثل ما حدث في انتفاضات الربيع العربي فإن كثيرين من الشبان الأردنيين يقولون إنها تبرهن على أن لديهم قدرا من الوعي السياسي أكبر مما كان لدى أجيال أخرى وإنهم مستعدون لمواصلة الحشد.
وقال الطالب الجامعي أحمد عوض (22 سنة): “تعودنا أن نتفرج على الآخرين وهم يحتجون على التلفزيون. لكن الحمد لله حققنا شيئا طيبا”.
وقال علي العبوس رئيس مجلس النقباء الذي أعلن أول احتجاج إن الاحتجاجات تشير إلى تنامي الوعي السياسي بين الشباب وإنه يعتقد أن الشبان سيكونون أكثر نشاطا في المستقبل.
وقال: “هم يعبرون عن أنفسهم. الحياة تغيرت والناس أصبحت أكثر اهتماما بالسياسة”.
وكانت آخر مرة تشهد فيها البلاد اضطرابات في 2012 عندما طلب صندوق النقد الدولي من الحكومة رفع أسعار البنزين.
عاش الأردن سنوات من عدم الاستقرار على حدوده بما فيها سنوات الحرب في العراق وسوريا والصراع في الضفة الغربية المحتلة. كما يستضيف الأردن ما يقرب من 700 ألف لاجئ سوري.
وقد أضرت الأزمة الإقليمية باقتصاد الأردن الفقير في الموارد الطبيعية. ويبلغ معدل البطالة في الأردن 18.4 في المئة وفقا للإحصاءات الحكومية.
والإصلاحات الضريبية الأخيرة جزء من خطة مدتها ثلاث سنوات تفاوض عليها الأردن وصندوق النقد الدولي في العام 2016 لخفض ديون البلاد البالغة 37 مليار دولار وتشجيع التغيير الهيكلي.
وتقول الحكومة إن الإصلاحات ستقلل الفوارق الاجتماعية بفرض عبء أكبر على أصحاب الدخل المرتفع.
ويوم الاثنين قبل الملك عبد الله الثاني، الذي يعتبر على نطاق واسع قوة مُوحدة، استقالة رئيس الوزراء هاني الملقي وعين عمر الرزاز خريج جامعة هارفارد بدلا منه ودعا إلى إجراء محادثات موسعة في محاولة لنزع فتيل الغضب الشعبي.
ولم يمنع هذا القرار ما يقرب من 2000 شخص من التجمع حتى ساعة متأخرة من الليل. واحتفل البعض باستقالة الملقي وتعهد آخرون بمواصلة الاحتجاجات إلى أن تلغي الحكومة مشروع الضريبة الذي أرسلته إلى مجلس النواب الشهر الماضي.
وقالت الشرطة يوم الاثنين إن الاحتجاجات ظلت تحت السيطرة رغم أنها احتجزت 60 شخصا في الأيام الأخيرة.
ويرى كثيرون من المشاركين في التجمع أن المشاكل لن تنتهي بتغيير القيادة.
وقال عوض: “ربما اعتقدت الحكومة أن الاستقالة ستدفع الشبان للعودة إلى بيوتهم. لكننا نحتج هنا من أجل مستقبل أفضل ومن أجل آبائنا الذين يدفعون… من أجل تغيير نهج الحكومة”.
وأعلنت لين إن والديها حاولا إثنائها عن المشاركة في الاحتجاجات في ساعات الليل المتأخرة في اليوم الأول لكنهما يؤيدانها الآن. وقد عادت لين للإقامة مع أسرتها في عمان بعد أن حصلت على شهادة جامعية من الولايات المتحدة لكن دخلها الآن يكفي بالكاد لتغطية ثمن بنزين السيارة وبعض مشتريات البقالة.
وقالت لين: “نشأت هنا. وأتمنى أن أرى تغييرا يحدث هنا. ولا أريد أن أجد نفسي مضطرة للرحيل”.
وأشار عبد الله الخليلي (24 عاما) الذي يعمل بأحد الفنادق إلى أن خطة الضرائب الأخيرة كانت القشة الأخيرة.
وأضاف: “الحكومة بكل أمانة أفلستنا. ليس عندي شيء. فأنا أتقاضى راتبا وأنفقه كله بسبب كلفة المعيشة”.
وأبدى أيضا مخاوفه من أن تدفع المشاكل السياسية الناس إلى الخارج فقال: “نحن نحب الملك وبلدنا. لكن سياسات الحكومة أوصلتنا إلى هنا، إلى الفساد”.
سيريان تلغراف