تأسست الجمهورية الخامسة بزعامة شارل ديغول بعد مخاض عسير، وعلى الرغم من المساهمة الأمريكية الكبيرة في تحرير فرنسا من الاحتلال النازي، إلا أن ديغول وضع بلاده على مسافة من الناتو.
ويمكن القول إن ديغول وضع بلاده على مسافة واحدة تقريبا من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، وكان قراره عام 1966 بالانسحاب من القيادة العسكرية لحلف الناتو والاكتفاء بالعضوية بمثابة نقلة نوعية تحولت إلى نهج لم يحد عنه الرؤساء الفرنسيون المتعاقبون على قصر الإليزيه حتى عام 2009.
تلك الخطوة الفريدة من نوعها أقدمت عليها فرنسا على الرغم من أنها من الدول المؤسسة لحلف شمال الأطلسي، ناهيك عن الروابط والمصالح الكبيرة التي تجمعها بالولايات المتحدة. وعلى إثر ذلك جرى نقل مقر الحلف من باريس إلى بروكسل عام 1967.
هذا النهج صمد في عهد الرئيس الأسبق جاك شيراك في امتحان كبير عام 2003، حين رفضت باريس المشاركة في غزو العراق.
ولكن الرئيس نيكولا ساركوزي بادر عام 2009 إلى دفن تركة ديغول، وأعاد بلاده إلى أحضان حلف شمال الأطلسي – الناتو، وتحقق ذلك من خلال تصويت الجمعية الوطنية (البرلمان) على عودة فرنسا إلى القيادة العسكرية لحلف الناتو، بعد أربعة وأربعين عاما من انسحابها.
ويبدو أن الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون على هوى ساركوزي ضد نهج ديغول، ولا يظهر ذلك فقط في تصريحاته ومواقفه السياسية المتطابقة مع واشنطن بما في ذلك اشتراك القوات الفرنسية في ضرب سوريا مؤخرا، بل وفي المودة والانسجام الكبيرين اللذين ظهرا على تقاسيم وجهي ماكرون وترامب أثناء لقاءاتهما في واشنطن.
هذه الصور التي وثقت لقاء الرئيسين تشير إلى أن فرنسا تحاول أن ترتمي في أحضان الولايات المتحدة بكامل قوتها، كما فعلت تحت قيادة ساركوزي مع حلف الناتو قبل 9 سنوات. لكن ماذا ستجني من ذلك؟
ربما يعتقد ماكرون أن ترامب سيكون سخيا مع باريس، وسيخفف عنها أعباءها الاقتصادية، أو على الأقل لن يضغط بقسوة على خناقها. ولعله لا يطمع في شيء، ويعتقد أنه يصحح “أخطاء ديغول” ويعيد الأمور إلى نصابها.
سيريان تلغراف