هل ستختلف سياسة ماكرون الرئيس تجاه الأسد .. عن تصريحاته كمرشح ؟!
فوز إيمانويل ماكرون برئاسة فرنسا، أثار تساؤلات حول ما إذا كان سيّد الإليزيه الجديد سيدخل تعديلات على موقف باريس من الأزمة السورية، أم سيتابع سياسة الرئيس المنصرف فرانسوا هولاند؟
الرئيس الفرنسي الجديد الآتي من موقع الوسط كان قد أطلق تصريحات ومواقف متضاربة من الأزمة السورية خلال حملته الانتخابية، وأخرها إعلانه أنه في حال تم انتخابه رئيسا للبلاد فإن إدارته ستعمل مع الشركاء الدوليين لوضع حد للأزمة السورية وإنهاء حكم الأسد في سوريا.
وقال ماكرون عقب أزمة استخدام الكيماوي في خان شيخون “علينا أن نتدخل ضد من يستخدمون الأسلحة الكيميائية لقتل المدنيين في سوريا ووضع حد لجرائم الأسد بحق الأبرياء بعدما شكل الصمت الدولي عن تلك المجازر مبررا لقتل المزيد من الأطفال والنساء دون ذنب وهو ما لن يستمر”.
ومع ذلك أكد عزمه التركيز على الحل السياسي بعيدا عن الحلول العسكرية.
كما دعا المرشح الفرنسي لعقد مؤتمر دولي بمشاركة واسعة من دول العالم والأمم المتحدة للوصول إلى حلول توافقية حقيقية من شأنها أن تمهد لانتقال سياسي في سوريا لا مكان للأسد فيه.
وسبق لماكرون أن حدد مواقفه من الحرب في سوريا، معلنا أن أولويته هي إيجاد حل لأزمة هذا البلد، يسمح بعودة مواطنيه اللاجئين إلى ديارهم، على أن تطرح هذه المسألة للمناقشة في مفاوضات جنيف. كما دعا إلى “سياسة مستقلة ومتوازنة تمكن من إجراء محادثات مع جميع الأطراف”.
ولا تخلو مواقف ماكرون من التناقض بشأن الأزمة السورية، فهو بينما يشدد على ضرورة إيجاد حلّ سياسي لها، يؤكد على موقفه الداعي لأن لا يكون للرئيس الأسد أي دور في هذا الحل وفي مستقبل البلاد، الأمر الذي يبدو وكأنه مع الشيء ونقيضه في نفس الوقت. وكذلك الأمر عندما يشدد على ضرورة مكافحة الإرهاب داخل فرنسا وخارجها، ثم يندد بما تقوم به روسيا من محاربة لهذا الشرّ المستطير في سوريا، ويعتبره تدخلا في الشؤون السورية، على الرغم من أن القوات الجوية الروسية هناك تشارك في الحرب على الإرهاب بناء على طلب رسمي من الحكومة الشرعية المنتخبة للبلاد.
ووصف ماكرون الأسد بأنه “ديكتاتور ارتكب جرائم ولا تمكن المساواة بينه وبين الثوار”، معتبرا أن “السلام لن يتحقق بلا عدل”، لكنه لم يطلب رحيل الأسد شرطا مسبقا لأي تفاوض “لأنه إجراء غير فاعل” على حدّ وصفه.
ويؤكد ماكرون، أن فرنسا لن تتحدث مع الأسد، لكن يمكن التحدث مع ممثلي الحكومة السورية، معتبرا أن مقولة حماية الأسد مسيحيي الشرق “خطأ دبلوماسي وأخلاقي لأنه يؤدي إلى محاورة دكتاتور دموي”. ومع ذلك دعا إلى “سياسة مستقلة ومتوازنة تمكن من إجراء محادثات مع جميع الأطراف”، حكومة ومعارضة، في تباين عن السياسة المؤيدة للمعارضة التي تتبعها باريس منذ بداية النزاع.
يشار الى أن ماكرون (39عاما) كان قد فاز الأحد بمنصب الرئاسة متغلبا على مرشحة “الجبهة الوطنية” مارين لوبان بفارق كبير، بعد دعوة جميع المرشحين الفرنسيين الذي غادروا السباق الانتخابي من الجولة الأولى مؤيديهم لانتخابه.
واعتبر الأستاذ في جامعة بيروت العربية علي مراد المتخصص في دراسة الدول العربية والأوروبية، في مقابلة مع وكالة ريا نوفوستي الروسية، أن موقف زعيم حركة “إلى الأمام” تجاه سوريا سيكون أقل طموحا من موقف سلفه فرانسوا هولاند. ومع ذلك أوضح أن وصول ماكرون إلى الإليزيه يعني أن موقف باريس من المسألة السورية سيبقى يتحرك في نفس الاتجاه الذي رسمه انتخاب هولاند ولكن مع اهتمام أقل، مع احتمال أن يكون موقفه أقل انحيازا للمعارضة السورية مما كان سلفه.
ووفقا له، فإن أهمية الانتخابات في فرنسا لمواطني الدول العربية هي في المرتبة الثانية بعد الانتخابات الأمريكية، معتبرا أن كل ما يحدث في فرنسا قد يؤثر أيضا على البلدان الأوروبية الأخرى.
وكان ماكرون قد دعا إلى “سياسة مستقلة ومتوازنة تمكن من إجراء محادثات مع جميع الأطراف” وقال على هامش كلمة ألقاها في المعهد العالي للأعمال في العاصمة اللبنانية بيروت في بدايات حملته الانتخابية إن “هذا منطق بناء السلام أكثر منه منطق تدخل لصالح جماعة أو أخرى”. واعتبر حينها أنّ “السلام لن يتحقق بلا عدل”، لكنه لم يطلب رحيل الأسد شرطا مسبقا لأي تفاوض “لأنه إجراء غير فاعل”، حسب قوله أنذاك. وأضاف ماكرون الذي استقال من الحكومة الفرنسية في أغسطس/آب 2016 لإدارة حركته “إلى الأمام”، إنه يعارض أن يكون تنحي الرئيس السوري بشار الأسد “شرطا مسبقا لأي شيء”، رافضا في الوقت نفسه “التفاهم” معه.
واعتبر في اليوم الأول من زيارته إلى لبنان أن “الأسد هو المسؤول الذي فشل، والخطأ الذي حصل من اليمين أو اليسار هو حين وضع رحيل الأسد شرطا مسبقا لأي شيء”.
وشدد ماكرون على أن “فرنسا ليست هنا لإعطاء نقاط جيدة وسيئة لأي كان، بل هي هنا لبناء السلام، وهذا أكثر تعقيدا”.
وأعرب عن أسفه حيال أن “فرنسا ليست طرفا” في مفاوضات السلام السورية التي ترعاها حاليا روسيا وإيران وتركيا في اجتماعات أستانا. وأوضح أنه “علينا أن نبني حلا سياسيا مع القوى الإقليمية الرئيسية من خلال الموافقة على الحوار مع كل منها”، داعيا إلى تشكيل “مجموعة اتصال” تضع “الحلول الدبلوماسية قبل أي حل عسكري”.
وأضاف ماكرون أن “هذه المنطقة بحاجة لإعادة بناء السلام من أجلها، لقد عرفنا عواقب هذا النزاع”.
وحيال مواقفه المتضاربة أحيانا إلى حدّ التناقض، يبقى السؤال مطروحا حتى بعد وصوله إلى رئاسة “الأم الحنون”: كيف سيتعامل ماكرون مع ملف الأزمة السورية؟ وهل ستختلف سياسات ماكرون الرئيس عن تصريحات ودعوات وسياسات ماكرون المرشح الحالم بالوصول إلى الإليزيه؟
سيريان تلغراف