هل تغير واشنطن استراتيجيتها في سورية ؟
رصدت صحيفة لبنانية مؤشرات التغير في استراتيجية الولايات المتحدة في شمال سوريا، حيث تضاعف قوام القوات الأمريكية تقريبا، وسط تفاقم التوتر بين الجيش التركي والأكراد.
وأشار مقال بقلم سامية مدور، نشرته صحيفة L’Orient Le Jour، الجمعة 10 مارس/آذار، إلى أن التغطية الإعلامية المكثفة التي رافقت نشر قوات أمريكية إضافية بالقرب من مدينة منبج، كان هدفها الوحيد هو إظهار أن تدمير تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش”) يبقى هدفا مشتركا بين الولايات المتحدة وحلفائها.
وتذكر الصحيفة أن الإعلان عن ارتفاع قوام القوات الأمريكية المنتشرة في المنطقة من 500 إلى 900 جندي لم يكن صدفة، بل جاء لتفعيل الهجوم الهادف إلى انتزاع مدينة الرقة، “عاصمة” التنظيم الإرهابي في سوريا، من قبضته.
ونقلت L’Orient Le Jour عن جون دوريان، الناطق باسم قوات التحالف الدولي المناهض لـ”داعش”، قوله إن التحضيرات لمحاصرة الرقة تجري “بنجاح كبير” وقد تكتمل بعد أسابيع ليتم فيما بعد “اتخاذ قرار بالتدخل”، بحسب الناطق.
وفي الوقت الذي أعربت فيه “قوات سوريا الديمقراطية” (تحالف عربي كردي مدعوم أمريكيا)، على لسان الناطق باسمها طلال سلو، عن أملها في بدء حصار المدينة بعد عدة أسابيع، أكد جون دوريان أن الجنود الأمريكيين لن يشاركوا في الصفوف الأولى من الهجوم، إنما سينحصر دورهم في “تعجيل هزيمة داعش”.
إرجاء الانفجار
وبحسب كاتبة المقال، فإن إرسال التعزيزات الأمريكية إلى شمال سوريا، يعيد إلى الأذهان الاستراتيجية التي تبنتها الولايات المتحدة تمهيدا لعملية تحرير الموصل في العراق، فالحديث يدور عن إعطاء مقاتلي المعارضة السورية دورا رئيسا في الهجوم، أما الجنود الأمريكيون فيتعين عليهم دعم السوريين بمدافعهم عيار 155 ملم، وبالتالي فإن وظيفتهم الجديدة تتجاوز مهام “التدريب والمساعدة” التي كانوا يؤدونها حتى الآن.
وتتابع الكاتبة أن تعزيز الوجود العسكري الأمريكي في شمال سوريا لا ينجم عن أي قرار جديد بل تم التحضير له أثناء الفترة الرئاسية الثانية لباراك أوباما. أما الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب فقد طلب من البنتاغون خطة لمحاربة “داعش” والذي سلمت له أواخر فبراير/شباط الماضي، دون أن يعلن ترامب عن محاور ينوي التركيز عليها بناء على هذه الخطة.
فيما لا يزال الوضع في المناطق الشمالية لسوريا متفجراً، وسط تعدد اللاعبين في المنطقة، ومنهم الأتراك الذين يضغطون على واشنطن لإشراك أنقرة في الهجوم الأخير على الرقة، لمنع “وحدات حماية الشعب” الكردية من تعزيز مواقفها في المنطقة. لكن “الوحدات” تعتبر جزءا من “قوات سوريا الديمقراطية” التي أعلنت، الخميس، رفضها لأي مشاركة تركية في عملية تحرير الرقة، فقد قال الناطق باسمها: “لن نسمح لتركيا باحتلال أي منطقة أخرى وإننا نعتبرها دولة محتلة للشمال السوري”.
وأكدت واشنطن، على لسان قائد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط الجنرال جوزيف فوتيل، احتمال اندلاع نزاع بين مقاتلي “قوات سوريا الديمقراطية” والأتراك، مضيفا أن الولايات المتحدة تتخذ خطوات لمنع حدوث ذلك.
لكن الصحيفة ذكرت أن الوجود الأمريكي لم يمنع وقوع مواجهات دامية، الخميس، بين القوات المشاركة في عملية “درع الفرات” التركية و”وحدات حماية الشعب”. بالتالي فإن مهمة الأمريكيين تتلخص في إرجاء انفجار عنيف ومفتوح بين الأتراك والأكراد ، كي لا تبتعد “قوات سوريا الديمقراطية” عن جبهة الرقة، تاركة إياها بلا حماية في وجه مسلحي تنظيم “داعش”.
وتتساءل كاتبة المقال بهذا الصدد: هل ستكون الرقة هي المعركة الأخيرة بالنسبة إلى واشنطن، علما أن مسؤولا أمريكيا حذر، الأربعاء الماضي، من استعداد التنظيم لمواصله عنفه بعد فقدانه الموصل في العراق والرقة في سوريا، وأن السفيرة الأمريكية نيكي هالي أكدت، في اليوم نفسه أهمية ألا تبقى سوريا “ملاذا للإرهابيين”، مضيفة أنه من الضروري “إخراج إيران ووكلائها” من أراضي البلاد.
وبحسب سامية مدور فإن هذه التصريحات تشير إلى أن الحديث يدور، بالنسبة إلى واشنطن، عن تبني استراتيجية بعيدة المدى، رغم أن البنتاغون أكد، الخميس، أن إرسال قوات إضافية إلى سوريا “مؤقت” ولا يعني بالضرورة تدخلا طويل الأجل في سوريا.
وتخلص الكاتبة إلى أن الحديث يدور عن سياسة تختلف بعض الشيء عن نهج الإدارة الأمريكية السابقة، دون أن تمثل بديلا حقيقيا له، ففي شمال سوريا، كما في الموصل، لا تأخذ واشنطن بعين الاعتبار الخلافات المحلية وتركز على محاربة “داعش” حصرا، ولا تفكر في مستقبل بعيد المدى. وإذا كانت الولايات المتحدة نجحت إلى حد ما، حتى الآن، في “التحكيم” بين الأتراك والأكراد في شمال سوريا، فلا شيء يدل على قدرة هذه الهدنة الهشة على الحياة .
سيريان تلغراف