روسيسكايا غازيتا : باريس تعاني من الصمم
تطرقت صحيفة “روسيسكايا غازيتا” إلى مأساة اليمن، وسألت: لماذا معاناة السوريين “قريبة” من قلب الرئيس الفرنسي، في حين أنه لا يبالي بمأساة اليمنيين.
جاء في مقال الصحيفة:
شنت طائرات التحالف، الذي تقوده المملكة السعودية، والذي يخوض حربا ضد الحوثيين في اليمن، هجوما على مجلس عزاء أدى بحسب وسائل الإعلام المحلية إلى مقتل أكثر من 200 شخص وجرح ما لا يقل عن 500 آخرين، وكان من بين الضحايا أمين العاصمة اليمنية.
وليس هذا الحادث الأول من نوعه، فطائرات التحالف تهاجم المستشفيات والمباني السكنية والمدارس، وفي كل مرة كانت تمر هذه العمليات من دون عواقب على الرياض.
أما وسائل الإعلام الغربية، فكانت تشير إلى هذا العمليات بنشر أخبار مقتضبة جدا، من دون أن يتحدث أحد عنها في مجلس الأمن الدولي باستثناء ممثل روسيا. ولكن البيت الأبيض بعد الحادث الأخير حذر الرياض فجأة من احتمال إعادة النظر بدعم التحالف السعودي.
فقد أعلن المتحدث باسم مجلس الدفاع الوطني الأمريكي نيد برايس أن هذا الحادث والحوادث التي سبقته، تجبر واشنطن على “إعادة النظر بسرعة” في دعمها للتحالف السعودي. وعقب هذا التحذير أسرعت السعودية إلى دعوة الخبراء الأمريكيين إلى التحقيق في الحادث. وبالطبع، فليس هناك أدنى شك في أن المحققين سيكتشفون ما يكفي من الحجج لتخفيف ذنب السعودية، ثم يُنسى كل شيء ويصبح في عداد الماضي.
وأكثر ما سينجم عن التحقيق سيكون استبعاد عدد من ضباط الجيش السعودي من مناصبهم. وهذا يرضي واشنطن تماما، لأنه بعد الهجمات الدموية “الخاطئة” لطائرات البنتاغون على المواقع المدنية في أفغانستان كانت العقوبة تقع على “كبش فداء”.
ومن وجهة النظر الدعائية، فمن الأفضل لهولاند الظهور على صفحات الصحف بمبادرته بشأن سوريا.
بيد أن ملاحظة البيت الأبيض حول مقتل المدنيين في اليمن لا يعني رغبة واشنطن في وقف الحرب الأهلية في اليمن أو تقييد الرياض في عملياتها ضد الحوثيين، لأنها استعراضية وتعني إشعار السلطات السعودية بعدم الإفراط في عنادها. فبعد أن تجاوز الكونغرس فيتو الرئيس أوباما وسمح لمواطني الولايات المتحدة برفع شكاوى إلى المحاكم الأمريكية ضد المملكة، هددت الرياض واشنطن بعواقب اقتصادية وخيمة – بيع سندات مالية أمريكية بقيمة 700 مليار دولار. أي ان التحذير الأمريكي جاء ردا على هذا التهديد، ويشير إلى أن الملف السعودي في ظروف معينة قد يطرح على مجلس الأمن الدولي. كما أن المملكة قد تتعرض لهزات شبيهة بتلك التي حدثت في ليبيا أو سوريا إذا لم تقم السلطات بضبط النفس.
أين الرئيس الفرنسي الذي يدعو إلى حماية حقوق الإنسان في سوريا؟ أين استياءه من همجية الطيران السعودي الذي هاجم المبنى الذي كان يقام فيه مجلس عزاء في اليمن بهدف قتل أكبر عدد ممكن من الأشخاص؟ لماذا لم تقدم باريس مشروع قرار إلى مجلس الأمن الدولي لإدانة هذه الجريمة؟
على العكس من ذلك لم يصدر عن قصر الإليزيه أي استنكار أو إدانة أو حتى إشارة إلى هذه الجريمة. الأمر مفهوم جدا، فلقد فقد هولاند شعبيته بين الفرنسيين، لذلك من المهم له الظهور على صفحات الصحف بمبادرة حول سوريا.
لقد استخدمت روسيا يوم السبت حق النقض “الفيتو” ضد مشروع قرار حول سوريا، والذي قدمته فرنسا إلى مجلس الأمن الدولي. وأشارت الخارجية الروسية إلى أن نص مشروع القرار “كتب على ما يبدو بإملاء من واشنطن بعد رفضها تنفيذ الاتفاق الروسي–الأمريكي بشأن التسوية السورية”. إذ إن صيغة مشروع القرار “تشويه صارخ للواقع السوري، وهو مسيس وغير متوازن وأحادي الجانب”. وقد أُبلغ وزير خارجية فرنسا بهذه الأمور خلال زيارته لموسكو. ومع ذلك، رفضت باريس إدخال تعديلات على مشروع القرار، متعمدة إفشاله خلال عملية التصويت.
إن “فشل محاولة استخدام هيبة مجلس الأمن الدولي أكدت هاجس معدِّي مشروع القرار بعدم دستورية تغيير السلطة في سوريا باستخدام الإرهاب الدولي”. وأضافت الخارجية الروسية أن الجانب الفرنسي حمل فكرة المشروع منذ انعقاد جلسات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، حيث ذكرت بعض نقاطها في اجتماعات المجموعة الدولية لدعم سوريا. ومنذ ذلك الحين كان واضحا أن التصريحات الغوغائية التي أضيفت على نص مشروع القرار لم تكن عقلانية ولن تحصل على دعم موسكو. ومع ذلك، لم يأخذ قصر الإليزيه هذه الملاحظات بالاعتبار وقدم مشروع القرار بشكله غير الناضج، من دون أن يكون فيه ما هو مشترك مع الواقع في سوريا. لأن الهدف منه كان الإعلان عن مشاركة هولاند وفريقه في تسوية الأزمة السورية.
أما بالنسبة إلى حقوق الإنسان في اليمن، فإن باريس تدرك أنها في هذا المجال لن تحصل على نقاط إضافية، ولكنها توتر علاقاتها مع المملكة السعودية. إن لا مبالاة قصر الإليزيه بأحداث اليمن ثمنها مدفوع بأموال البترول التي تستثمرها السعودية في الاقتصاد الفرنسي. فبعد زيارته للمملكة عام 2015، أعلن رئيس الحكومة الفرنسية أنه وقع عقودا مع السعودية قيمتها 10 مليارات يورو.
سيريان تلغراف