انتحاريو “داعش” الشقر !
لم تنجح التنظيمات المتطرفة وخاصة “داعش” في الوصول إلى أكثر من عاصمة أوروبية فقط، بل ولجأ عدد من الغربيين الأصليين إليها وقاتلوا في صفوفها ونفذ بعضهم عمليات انتحارية.
توالت موجات التطرف لتنتشر في أوساط الأوروبيين من أصول عربية وآسيوية في عدة عواصم وخاصة باريس وبروكسل ولندن، إلا أن انضمام مواطنين غربيين إلى تنظيم “داعش” كان بمثابة صدمة لمجتمعاتهم لاسيما أن عددا منهم نفذ عمليات انتحارية.
واللافت أن هذه الظاهرة أخذت شكلا خطيرا في السنوات الأخيرة لأسباب مختلفة أهمها التأثير المباشر للإنترنت في استقطاب هؤلاء، ولما يشكلونه من خطر على دولهم لقدرتهم على التنقل بحرية بعيدا عن الشبهات، والعمل خارج نطاق الرصد الأمني الذي يتوجه في العادة للأقليات الوافدة.
ويمكن القول إن ظاهرة انضمام غربيين إلى تنظيمات مسلحة في الشرق الأوسط ليست بالجديدة إذ سُجل انضمام عدد من الأوروبيين إلى فصائل مسلحة فلسطينية في السبعينيات ومشاركتهم في هجمات شهيرة، بل وشارك مواطنون يابانيون في تنفيذ مثل هذه الهجمات.
إلا أن الظروف تغيرت وأصبحت إمكانية انضمام الغربيين الذين يعتنقون الإسلام حديثا إلى تنظيمات مثل القاعدة و”داعش” أوسع بسبب سهولة الاتصال، وانتشار دعايات مثل هذه التنظيمات في الإنترنت، إضافة إلى إمكانية الاتصال بعناصر متطرفة من أصول شرقية بطرق مختلفة بخاصة مع وجود نشاط يعمل في هذا الاتجاه داخل المجتمعات الأوروبية تحت غطاء الجمعيات الخيرية وما شابهها.
وعلى الرغم من أن أفرادا قلائل من الغربيين الأصليين قد انضموا إلى “القاعدة” و”داعش” وأعدادهم حتى الآن لا تشكل خطرا كبيرا، إلا أن حماسة هؤلاء واندفاع بعضهم إلى درجة تنفيذ عمليات انتحارية تضع إشارات استفهام كبيرة أمام مستقبل هذه الظاهرة.
ويجدر الذكر على سبيل المثال أن أحد الأمريكيين الذين انضموا إلى تنظيم القاعدة وهو آدم غدن، قد أصبح متحدثا باسم التنظيم وظهر باسم “عزام الأمريكي” في أشرطة عديدة مهددا ومتوعدا. وقد طاردته الولايات المتحدة وتمكنت في أبريل من عام 2015 من القضاء عليه في غارة استهدفت معقلا للتنظيم على الحدود الأفغانية الباكستانية.
ويمكن وضع عزام الأمريكي في قائمة واحدة مع البلجيكية موريل يغوك التي فجرت نفسها بحزام ناسف في دورية للجيش الأمريكي في بعقوبة جنوبي بغداد عام 2005، وكان لها من العمر 38 عاما، وأصبحت بذلك أول انتحارية أوروبية .
هذه الظاهرة تلقفها “داعش” الأكثر تطرفا من سابقيه، وأعطاها أبعادا أشد خطورة بخاصة أن هذا التنظيم تمكن من السيطرة على مناطق واسعة في العراق وسوريا، وبات بإمكانه أن يستقبل ويؤوي المزيد من المقاتلين من جميع أنحاء العالم بما في ذلك الذين اعتنقوا الإسلام حديثا.
وتتعدد الأمثلة عن الأدوار التي لعبها مواطنون غربيون انضموا لـ”داعش” وشاركوا إلى جانبه في القتال في سوريا والعراق، وبعضهم نفذ عمليات انتحارية مثل الفرنسي اليافع بيار شولي الذي غادر إلى سوريا عام 2013 ولحقته من مدينته “فوزول” الواقعة شرق فرنسا، مجموعة تتكون من سبعة أشخاص، معظمهم فرنسيون أصليون بوضع مادي واجتماعي مريح.
شولي الذي أصبح يسمي نفسه أبو طلحة الفرنسي قضى سنة ونصف في سوريا، ثم أنهى مشوار حياته بتنفيذ هجوم انتحاري بشاحنة مفخخة على ثكنة لمليشيات عراقية من الطائفة الشيعية في محافظة صلاح الدين وسط البلاد في فبراير عام 2015.
وفي نفس العام نفذ شاب أسترالي يدعى جايك بيلاردي، ويبلغ من العمر 18 عاما هجوما انتحاريا ضد موقع للجيش العراقي في الرمادي. كما صُدم معارف مغني الراب الألماني “دينس كوسبيرت ” برؤية صور له في الإنترنت وقد أصبح مقاتلا في صفوف “داعش” بسوريا، وبات قائدا لما يعرف بـ”الكتيبة الألمانية من ملة إبراهيم” قبل أن يُقتل في عملية انتحارية لجبهة النصرة ضد موقع لداعش.
ويبدو أن ظاهرة انضمام مواطنين غربيين لـ”داعش” مرشحة لأن تصبح مشكلة حقيقية في الغرب إذا استمر نشاط هذا التنظيم في دول الشرق الأوسط، وبقي على حاله مسيطرا على مناطق من العراق وسوريا وليبيا واليمن.
وهذه المشكلة ستجد كما هو الحال دائما أسبابا تغذيها، يراها البعض في الملل أو التوق إلى المغامرة أو البحث عن الشهرة، أو يأسا من الظروف المحيطة إلى غير ذلك، لكن تبعات مثل هذه الظاهرة في مجملها فادح بنهاية المطاف، فهؤلاء ليسوا إلا قنابل بشرية موقوتة لا تترك خلفها إلا الأشلاء.
سيريان تلغراف | محمد الطاهر