تاريخ الهجمات الانتحارية من الألف إلى الياء
تتميز الهجمات الانتحارية بأنها سلاح خطير قادر على اختراق الحواجز الأمنية والتحصينات والوصول إلى أهداف صعبة وخاصة داخل المدن، فمتى وأين بدأت؟ وكم خلفت من ضحايا؟
يمكن القول إن تاريخ العمليات الانتحارية في منطقة الشرق الأوسط ومناطق أخرى من العالم، يعكس بالدرجة الأولى المضاعفات الخطيرة للحروب والنزاعات، وعدوى هذا النوع من أساليب العنف العشوائي، وعدم ارتباطه بصورة كاملة بدين أو عرق.
كما يُظهر تسلسل الأحداث المرتبط بهذه الظاهرة، ازدياد عنف هذا الأسلوب الدموي، وقدرته على تجاوز الحدود ونشر الرعب والفزع بوسائل مختلفة، تدرجت من الأحزمة الناسفة إلى السيارات والشاحنات المفخخة وصولا إلى استخدام الطائرات المدنية قنابل طائرة كما حدث في هجمات 11 سبتمبر 2001.
العمليات الانتحارية بدأت في ثمانينات القرن الماضي، وسُجل شن 4814 هجوما انتحاريا بين عامي 1981 – 2015 في أكثر من 40 دولة، منها أفغانستان والعراق وإسرائيل والأراضي الفلسطينية وباكستان وسريلانكا، وتجاوزت أعداد ضحاياها 45 ألف شخص.
وتشير الدراسات المختصة إلى تصاعد معدلات العمليات الانتحارية، وفيما كان متوسطها في الثمانينات 3 عمليات في العام، ارتفع في التسعينيات إلى عملية واحدة في الشهر، وإلى نحو عملية واحدة في الأسبوع بين عامي 2001 – 2003، ووصل الذروة بين عامي 2003 – 2015 بعملية واحدة يوميا تقريبا.
أول عملية انتحارية وقعت في 30 أكتوبر عام 1980، ونفذها صبي إيراني يبلغ من العمر 13 عاما، حيث هاجم دبابة عراقية في مدينة خرمشهر جنوب غرب إيران، بعد أن لف قنبلة يدوية على وسطه، وتسلل تحت الدبابة وتسببت العملية الانتحارية في إعطابها، وفي نهاية العام الذي يليه تم تدمير السفارة العراقية في بيروت بشكل كامل في هجوم انتحاري بسيارة مفخخة.
وشهد عام 1983 أكبر عملية انتحارية مزدوجة، حيث استهدفت شاحنتان مفخختان مبنيين لقوات مشاة البحرية الأمريكية وللقوات الفرنسية في بيروت، ما أدى إلى مقتل 299 جنديا من الطرفين.
وتصاعد هذا النوع من العمليات في لبنان بعد الاحتلال الإسرائيلي، ونفذت أول امرأة عملية انتحارية ضد قافلة إسرائيلية عام 1985، وباتت العمليات الانتحارية ظاهرة كبرى تصاعدت وتيرتها بدرجة خطرة، بخاصة بعد أن ظهر “تنظيم القاعدة” إلى الوجود عام 1988.
أولى عمليات هذا التنظيم الانتحارية استهدفت قاعدة أمريكية في السعودية عام 1998، تلاها في نفس العام عملية مزدوجة ضربت سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا، أسفرتا عن مقتل 223 شخصا.
ونقل تنظيم القاعدة العمليات الانتحارية إلى الجو في سبتمبر عام 2001 وضربت مجموعات تابعة له بواسطة طائرات مدنية مختطفة، مركز التجارة العالمي والبنتاغون، ما أسفر عن مقتل نحو 3000 شخص، وهي أكبر حصيلة في هذا السجل.
ووصلت العمليات الانتحارية إلى لندن عام 2005، حيث نفذ متطرفون سلسلة عمليات انتحارية، استهدفت 3 منها مترو الأنفاق، وإحداها حافلة نقل عام، ما أدى إلى مصرع 50 شخصا وإصابة 700 آخرين.
وأسهم الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 في الرفع من وتيرة الهجمات الانتحارية بشكل حاد، خاصة بعد ظهور تنظيم “داعش”، الذي تمكن من السيطرة على مناطق في العراق وسوريا، وأقام فروعا له في ليبيا واليمن وخلايا في السعودية، ووصلت بذلك التفجيرات الانتحارية إلى ليبيا بعد الإطاحة عام 2011 بنظام القذافي بمساعدة قوات الناتو الجوية، وازدادت في اليمن، بل ووصلت إلى أوروبا في هجمات ضربت بروكسل وباريس.
وانتقلت عدوى العمليات الانتحارية مبكرا إلى سريلانكا عام 1987، حيث استهدف تفجير انتحاري بشاحنة مفخخة ثكنة للجيش ما أدى إلى مقتل 55 جنديا.
ونفذ مسلحو نمور التاميل الذين شنوا حربا عنيفة ضد الحكومة السريلانكية بهدف إقامة دولة لهم شمال وشرق الجزيرة أكثر من 137 عملية انتحارية، اغتالوا في إحداها رئيس الوزراء السريلانكي راناسينغ بريماداسا، وفي أخرى رئيس الوزراء الهندي راجيف غاندي، إضافة إلى عمليات مشابهة راح ضحيتها خمسة من أعضاء مجلس الوزراء السريلانكي.
ولليابانيين أيضا تاريخ حافل بالعمليات الانتحارية. عسكريو هذه الدولة واجهوا تفوق الحلفاء الجوي والبحري الساحق في المحيط الهادئ في نهاية الحرب، بشن نحو 3000 هجوم انتحاري بواسطة طائرات وزوارق محملة بالقنابل، قادها متطوعون من الجيش لضرب سفن الحلفاء من خلال الانقضاض عليها والاصطدام بها.
وعلى النقيض من مثيلاتها التي نُفذت في الشرق الأوسط ومناطق أخرى من العالم بعد عام 1980، ضربت الهجمات الانتحارية اليابانية أهدافا عسكرية.
وعلى الرغم من وجود جذور دينية وثقافية عميقة لهذه الروح الانتحارية لدى اليابانيين، إلا أن هذه الظاهرة الاستثنائية انتهت بانتهاء الحرب.
اليابانيون اعتمدوا على خصال أخرى أكثر جدوى، فنجحوا في النهوض ببلادهم من المحرقة النووية ومن دمار الحرب الهائل، وصارت بلادهم في فترة قياسية إحدى أكثر الدول تطورا وتحضرا وغنى، وباتت منتجاتها المختلفة تملأ أسواق العالم.
سيريان تلغراف | محمد الطاهر