كوميرسانت : محاولات “داعش” لاستعادة تدمر منطقية
سلّطت صحيفة “كوميرسانت” الروسية الضوء على ما يشاع عن كرّ كبير لـ”داعش” ومساع محمومة منه للاستيلاء على خناصر في ريف حلب بما يفتح الطريق أمامه للانقضاض على تدمر وخلط الأوراق من جديد.
وأبرزت الصحيفة الروسية، تزامن هذه الأنباء في جملة من وسائل الإعلام العربية والغربية، معيدة إلى الأذهان ما نشرته صحيفة “السفير” مؤخرا بهذا الصدد، والتي أكدت استيلاء عناصر “داعش” على حقلي الشاعر والمهر النفطيين، وإسقاطهم مروحية للجيش السوري، دون أي تأكيد رسمي لهذه الأنباء من دمشق.
وبالعودة إلى التصريحات الرسمية السورية، وما تتناقله وسائل الإعلام العربية والغربية، أوردت “كوميرسانت” في هذا السياق نقلا عن الوكالة الرسمية السورية للأنباء “سانا” أن قوات الجيش السوري تخوض اشتباكات عنيفة مع عناصر “داعش”، لاستعادة ثكنات عسكرية استولى عليها عناصره مؤخرا.
ونقلت الصحيفة عن مصدر عسكري مطلع في هيئة الأركان العامة في الجيش الروسي قوله، إن قوات الجيش السوري، وبفضل الحشد الأخير، تحكم السيطرة على طريق حمص تدمر، فيما القتال مستمر إلى الجنوب من تدمر، حيث وقع آخر اشتباك بين الجيش السوري و”داعش” على مسافة 70 كيلومترا من مطارها العسكري.
وأضاف المصدر العسكري الروسي حسب الصحيفة، أن الجانب الروسي من جهته، يراقب عن كثب التطورات في تدمر ومحيطها وطريق تدمر حمص، ويرسل الطائرات الحربية لمؤازرة الجيش السوري وفقا لمقتضيات التطورات على الأرض.
وأعادت الصحيفة إلى الأذهان في هذه المناسبة، مقتل العسكري الروسي أنطون يريغين يوم أمس في محافظة حمص، حيث كان بين الحرس المرافقين لعربات مركز حميميم الروسي للمصالحة.
وعودا على “داعش” وهزائمه، أكدت أن دحره في تدمر وتطهيرها منه، في الـ27 من مارس/آذار الماضي، كان أكبر الهزائم التي تجرعها على الجبهة السورية، مما يسوغ استماتته في محاولات استعادتها واسترداد ما خسره من مساحات وأراض في سوريا.
وبالوقوف على توقعات الخبراء والمراقبين، أعادت إلى الأذهان أنهم أجمعوا قبل تحرير تدمر على سهولة دخولها والتمركز فيها، مشيرين إلى أن الصعوبة تكمن في الحفاظ عليها من محاولات العدو استردادها من جديد.
وذكّرت بأن تنظيم “داعش” قد استولى على المدينة بسهولة أواخر مايو/أيار 2015، واجتاح المدينة بلا مقاومة تذكر، فتدمر واحة في قلب الصحراء، ومن السهولة بمكان قطع الاتصالات والإمدادات عنها، فيما تتطلب حماية المناطق المحيطة بها جغرافيا قدرا كبيرا من الجهود والقوى، وهو أمر سيصعب حسب الصحيفة على الرئيس السوري بشار الأسد والقوى الموالية له.
واعتبرت “كوميرسانت” أن القوات الحكومية، ورغم الخسائر الفادحة التي تكبدتها منذ اندلاع الحرب الأهلية في سوريا، تضطر في الوقت الراهن إلى قتال أعداد لا تحصى من القوى المعارضة، على رقعة واسعة بما فيها محيط حلب الذي احتدمت الأوضاع فيه إلى حد غير مسبوق، ما يعني أنه وإذا ما قرر تنظيم “داعش” اقتحام تدمر، فلن يكفي الجيش السوري ما لديه من قوة وحشد للدفاع عن المدينة وصدر الإرهابيين عنها.
وأشارت الصحيفة، إلى أن دمشق على ما يبدو، تدرك خطورة الأمر، لا سيما وأن وكالة “سانا” قد أعلنت مؤخرا عن إرسال تعزيزات عسكرية كبيرة إلى مناطق شرق حمص لاستعادة الحقول النفطية التي وقعت في قبضة “داعش” هناك، بما تحظى به من أهمية اقتصادية لسوريا بأكملها.
ولم تهمل الصحيفة الموقف الروسي تجاه تدمر، وأهمية تحريرها بالنسبة إلى موسكو من الناحية المعنوية والرمزية، إذ ترى في استرجاع الجيش السوري لها منعطفا كبيرا على مسار مكافحة الإرهاب وكسر سطوته أينما كان.
وتعزيزا لطرحها هذا، أعادت إلى الأذهان كيف بحث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخصيا مسألة ترميم المدينة التاريخية السورية مع المديرة العامة للـ”يونيسكو” إيرينا بوكوفا، والرئيس السوري بشار الأسد، الذي اعترف بدوره باستحالة تحرير تدمر لولا الدعم الذي قدمته روسيا لبلاده.
أما بالنسبة إلى تنظيم “داعش”، فأهمية تدمر تكمن حسب “كوميرسانت” بالدرجة الأولى في “بعث سمعته” التي قصمتها سلسلة من الانكسارات كان أمرّها في تدمر، رغم بعض النجاحات المتفرقة التي أحرزها في الأسابيع القليلة الماضية.
وترى الصحيفة، أن القوات الحكومية السورية، ستحتاج لحيز لا بأس به من الوقت قبل أن تتمكن من إعادة حشد قواها لمواصلة الزحف على “داعش”، خاصة وأن الخبراء يجمعون على أن الهجمة العنيفة الثانية التي سيشنها الجيش السوري على التنظيم، ستستهدف الرقة، عاصمته غير المعلنة.
والأنكى من ذلك على هذا الصعيد حسب “كوميرسانت”، أن آخر الأنباء الواردة من محافظة حمص السورية تشهد على أن دحر الإرهابيين سيتطلب قدرا أكبر من الوقت والجهد مما كان متوقعا.
وختمت الصحيفة تعليقها، بمقتطفات من حديث للبروفيسور غريغوري كوساتش في الجامعة الحكومية الروسية للعلوم الإنسانية، أكد فيه أن “الإسلاميين في سوريا، قد كثفوا نشاطهم بشكل حاد وملحوظ في الآونة الأخيرة، وأن القضاء التام عليهم لا يزال صعب المنال”.
وأضاف، أن “روسيا التي جعلت من تدمر رمزا لنصرها، وراهنت على الكثير من أجلها، لن تقبل بالوقوف في منتصف الطريق وتريق ماء وجهها، وهذا يعني أنها قد تنجرّ إلى مرحلة جديدة من حملة عسكرية طويلة الأمد لا يمكن التكهن بعواقبها”.
سيريان تلغراف