احتدام الصراع في حلب قبيل مفاوضات جنيف
تشهد محافظة حلب منذ أكثر من أسبوع، معارك بين “جبهة النصرة” وفصائل مسلحة من جهة، والجيش و”قوات سوريا الديمقراطية” من جهة أخرى.
وقد تركزت المعارك في الريف الجنوبي لحلب وفي الريف الشمالي والمناطق الشرقية لمدينة حلب (الشيخ مقصود) ذات الغالبية الكردية.
ومن الواضح أن هذه العمليات العسكرية لا تندرج في إطار الخروق، التي شهدتها أكثر من منطقة في سوريا بعيد سريان الهدنة العسكرية في 27 فبراير / شباط الماضي. فالعملية العسكرية التي أطلقتها “النصرة” في اليوم الأخير من الشهر الماضي هي عبارة عن هجوم منسق ومضبوط يتجاوز في حدوده تلة العيس بريف حلب الجنوبي، حيث شمل الهجوم مساحة عشرات الكيلومترات.
كما أن الهجوم لم يقتصر على “النصرة”، بل شاركت فيه فصائل مدرجة ضمن اتفاق الهدنة، وأهمها حركة ما يعرف بـ”أحرار الشام”، في مؤشر، وفق مراقبين، إلى قرار إقليمي باستغلال الانسحاب العسكري الروسي لاستعادة بعض المناطق المهمة.
وتعد هذه المنطقة ذات أهمية بالغة للجيش السوري ولقوى المعارضة والجماعات الإرهابية أيضاً.
فبالنسبة للمعارضة، تشكل هذه المنطقة الجبهة الأمامية الكفيلة بحماية محافظة إدلب المعقل العسكري الرئيسي لـما يسمى “جيش الفتح”.
أما بالنسبة إلى دمشق، فتتمتع المنطقة بأهمية عسكرية بالغة لأنها تربط بين مناطق سيطرة الجيش في مدينة حلب ومناطق أخرى في محافظة حماة؛ حيث يمر طريق-حلب دمشق الدولي الذي يسعى الجيش للسيطرة عليه بعدما سيطر الجيش في الشرق على طريق حلب-السلمية-حماة.
هذا، وفي الريف الشمالي، تمكنت فصائل مسلحة من انتزاع تل سفير ثم بلدة الراعي من تنظيم “داعش”؛ الأمر، الذي رأى فيه البعض مؤشراً إلى تفاهم تركي-سعودي. فلتلة سفير وبلدة الراعي أهمية لتركيا بحكم قربهما من الحدود؛ فيما يشكل ريف حلب الجنوبي أهمية للسعودية ضمن صراعها الإقليمي مع إيران.. أمر قد يكون توزيع أدوار بين العاصمتين في محافظة حلب.
ووفقا لوزارة الدفاع الروسية، يتمركز أكثر من 1200 مسلح من “جبهة النصرة” شمال حلب المدينة، ولديهم أكثر من 10 دبابات ونحو 30 عربة رباعية الدفع مزودة برشاشات ثقيلة.
ويبدو أن الاستعدادات العسكرية “للنصرة” جاءت بعد تفاهمات أمريكية-تركية، تحدث عنها بعض الصحافيين الأتراك، تغض بموجبها واشنطن الطرف عن الفصائل “الجهادية” في الريف الشمالي لحلب؛ الأمر، الذي يعكس حالة الغموض التي تتسم بها السياسة الأمريكية في سوريا.
فالولايات المتحدة تدعم “قوات سوريا الديمقراطية” بشكل مباشر وقوي خارج محافظة حلب في مواجهة “داعش”، في حين تساند قوى أخرى في الريف الشمالي لحلب محاباة للأتراك.
ولعل واشنطن تريد، مع اقتراب معركة الرقة واقتراب دخول مفاوضات جنيف مرحلتها الحساسة، إعادة ترتيب أوراقها في سوريا، فلا تضع كل ثقلها على الأكراد وحدهم. ولذلك، سمحت لأنقرة بهامش في هذه المناطق التي تشكل عمقا استراتيجيا لها، ومشاركة مجموعات “السلطان مراد” مع “أحرار الشام” و”الجبهة الشامية” و”فيلق الشام” و”النصرة” في الهجوم على تلة العيس.
وليس مصادفة أن يتم تفاهم تركي-أمريكي حول محاربة التنظيم الإرهابي في هذا التوقيت؛ وهو ما عبر عنه السفير الأمريكي لدى تركيا جون باس بقوله أول من أمس إن “واشنطن وأنقرة تبحثان تمكين المعارضة السورية المعتدلة من دفع تنظيم “داعش” نحو الشرق، وتقليص وجوده في منطقة توليها الولايات المتحدة الأولوية في معركتها ضد التنظيم الظلامي”.
التحركات العسكرية هذه تأتي لتحقق أهدافا عدة:
1ـ استغلال الخروج العسكري الروسي واقتراب انطلاق جولة جنيف المقبلة لتحقيق مكاسب على الأرض.
2ـ إيصال رسائل سعودية-تركية إلى واشنطن بأن العاصمتين قادرتان على التحرك بشكل منفرد إذا لم تؤخذ مواقفهما حيال التسوية السورية بعين الاعتبار.
3ـ تهديد الهدنة العسكرية والعودة بالأمور إلى سابق عهدها إذا ما استمرت واشنطن في تراجعها أمام موسكو فيما يتعلق بالعملية السياسية.
4ـ إظهار مدى التنسيق بين “أحرار الشام” و”جبهة النصرة”، في وقت تعول فيه أطراف إقليمية على حدوث انشقاق بينهما يكون إحدى ثمار الهدنة العسكرية.
وفيما تذهب المعارضة إلى توسيع الجبهات في المنطقة الغربية من سوريا لتشمل ريف اللاذقية الشمالي أيضا وربما ريفي حماة الشمالي والجنوبي، فإن دمشق لا تبدو مستعدة لفتح هذه الجبهات بعد الخروج الروسي، على الرغم من امتلاكها أسلحة مميزة نقلت من روسيا إلى سوريا.
وتخشى دمشق في ظل غياب غطاء جوي مكثف أن تنقلب الموازين في غير مصلحتها؛ الأمر، الذي سينعكس سلبا على موقفها التفاوضي. وكان الرئيس السوري بشار الأسد قد أعلن عقب تحرير تدمر أن المعارك العسكرية ستسرع الحل السياسي، في إشارة واضحة إلى أن الحل الرئيس للأزمة السورية يبدأ من الميدان.
ولذلك، حشد الجيش السوري قوته في محاولة لمنع حدوث أي تغيير ميداني على الأرض، ونجح في السيطرة على منطقة المعامل الواقعة شرق مخيم حندرات في ريف حلب الشمالي. وتركيز الجيش على مخيم حندرات يعود إلى أن موقع المخيم يسمح للجيش بقطع التواصل بين “جبهة النصرة” وأحياء داخل مدينة حلب.
أثارت معارك حلب أسئلة عن جدوى الهدنة، ومدى تأثير هذه المعارك على مسار الجولة المقبلة. ويخشى المجتمع الدولي أن تؤدي هذه المعارك إلى تقويض الهدنة العسكرية؛ وهذا ما لا يمكن أن تقبل به موسكو وواشنطن، أو أن تبدأ مفاوضات جنيف على وقع المعارك في حلب، وربما اعتبار محافظة حلب بمجملها خارج معادلة الهدنة.
سيريان تلغراف | حسين محمد