“رحلتي في قلب الإرهاب” .. حكاية صحفي ألماني سبر أغوار “داعش”
ينتابنا الكثير من الفضول حول طريقة العيش في كنف سلطة تنظيم “داعش” الإرهابي، ولهذا يجهد البعض في إماطة اللثام عن قلاع “داعش” وكشف أسراره داخل أسوار معاقله في مدينتي الرقة والموصل.
ليس سهلا أن تلج مدينة الرقة أو الموصل وتخرج منها سالما، إن لم تكن أحد عناصر التنظيم الدموي أو أسيرا لديه، لكن الصحفي الألماني جورغن تودنهوفر، وهو أول صحفي غربي اخترق الخطوط الحمراء لتنظيم “داعش”، وقضى 10 أيام داخل معاقله، وتمكن من سبر أغوار هذه الجماعة الإرهابية التي لم تكتف حتى الآن من سفك الدماء وإزهاق الأرواح البريئة بسبب أو بدونه.
وفي أول توثيق لرحلته داخل أسوار الرقة والموصل، نشرت صحيفة “الغارديان” البريطانية مقتطفات من كتابه المزمع نشره هذا الشهر بعنوان ” رحلتي في قلب الإرهاب”.
جورغن تحدث في كتابه عن تفاصيل جديدة بخصوص رحلته الفريدة إلى أراضي “داعش”، لافتا إلى أن مقاتلا من أصل ألماني يدعى أبو قتادة، يتميز بلحية حمراء، قد تولى إرشادهما برفقة ابنه المصور فرديريك خلال زيارتهما لـ”دولة الخلافة المزعومة”، ولأسباب أمنية اضطرا إلى استخدام طرق غير رسمية ليصلا إلى الرقة.
وذكر جورغن أن مرشده كان يتلو عليه فضائل العيش في مدينة الرقة مدعيا أن كل المتاجر مفتوحة والعديد من البضائع متوفرة في الأسواق، قائلا إن الحياة تسير بشكل طبيعي فى المناطق التي لم تقصف.
كما مد أبو قتادة، جورغن بنبذة عن أحكام الشريعة التي يطبقها التنظيم في “دولته المزعومة”، ومن بين ما ذكره أبو قتادة أن من يسرق بضائع يزيد سعرها عن 40 دولارا تقطع يده، والمسيحيون يدفعون الجزية، بينما يدفع المسلمون الزكاة، والمسلم الغني يدفع ضرائب أكثر من المسيحي، على حد قوله.
وأبلغ أبو قتادة أن الأموال المجمعة توظف لاحقا في مهام اجتماعية مشيرا إلى أن التنظيم يشغل 3 مستشفيات في الرقة.
ومن بين المزاعم الأخرى التي قالها أبو قتادة إنه لا يوجد أسواق للعبيد، فالعبيد هم جزء من سبايا الحرب، فإما أن يمنحوا للمقاتلين أو يباعوا، فالمرأة الإيزيدية مثلا يبلغ ثمنها 1500 دولار كثمن سلاح الكلاشينكوف، على حد تعبيره.
رحلة جورغن إلى قلب “داعش” المنوطة بالكثير من المخاطر، تصف مدى مناعة المدينة السورية حيث يشير إلى أنها محاطة بسياج من حديد، كما منع التقاط الصور داخل المدينة، وعند سؤالهم عن مصير جثث الأسرى الذين تم إعدامهم، ومن بينهم الصحفي جيمس فولي، أجابهم أبو قتادة بأنهم يدفنون بشكل منفصل أو يتم إلقائهم في أي مكان.
وأوضح أنهما بعدما وصلا إلى شقة في المدينة المذكورة حذرهم عناصر التنظيم من الخروج، فاحتج جورغن مؤكدا أن هذا لم يحدث له عندما زار طالبان، فرد عليه رجل ملثم قائلا: “نحن لسنا طالبان”.
وأخرج الصحفى الدعوة التى تسلمها من “الخليفة أبو بكر البغدادي” للزيارة قائلا: “لقد منحتمونا دعوة رسمية لكنكم تعاملوننا كسجناء”، فرد عليه الملثم قائلا: “أنتما لستما سجناء فالسجناء لا يختارون فطورهم”.
وأخيرا سمح عناصر التنظيم لجورغن ونجله أن يستكملا رحلتهما إلى الموصل العراقية المعقل الثاني للتنظيم، وسافرا في حافلة صغيرة إلى تلك المدينة التي يسيطر عليها نحو 5 آلاف عنصر من داعش، ويعيش فيها مليونا شخص.
ويقول جورغن إن مدينة الموصل تبدو كباقي المدن الكبرى بالشرق الأوسط فالشوارع مزدحمة بالناس، مشيرا إلى لقائه بالمسؤول الإعلامي لدى “داعش” والذي يهتم بطبع منشورات التنظيم لتوزيعها على المساجد، ومن بين كتب الدعاية للتنظيم “كيف تكون مقاتلا جيدا لداعش؟”، “كيف تعتني بالفقراء؟” “كيف يجب أن تتصرف المرأة وترتدي؟”، “كيف تبايع الخليفة؟”.
لم يتعرفا إليه في بداية لقائهما في الرقة، لأنه كان ملثما ولا يظهر من وجهه سوى أنفه وعينيه، إلا أن شريط فيديو نشر على الانترنت يظهر عملية إعدام الرهينتين اليابانيين في شهر يناير/كانون الثاني 2015 على يد مقاتل من داعش، أعادت بذاكرتهما إلى صوت ذلك السائق الذي رافقهما خلال رحلتهما والذي كان يتحدث بلكنة بريطانية.
وحاول نجل جورغن تبديد شكوكه والتأكد ما إذا كان السائق المرافق لهما في تلك الرحلة هو سفاح داعش، فاتصل بـ”أبو قتادة” الذي نفى له هذا الأمر.
رحلة جورغن في رحاب الإرهاب كانت وميض نور تظهر ظلامية التنظيم الذي يسعى لإظهار جبروت قوته وعظمة دولته الواهية، لتبقى مسألة التغلب عليه رهينة تضافر الجهود الدولية والإرادة السياسية لمحو هذه النقطة السوداء من تاريخ الإنسانية.
سيريان تلغراف