مقالات وآراء

الدول العربية بين التماسك والفناء !

شهدت عدة دول عربية تغيرات عنيفة قلبت أوضاعها رأسا على عقب فيما يسمى بالربيع العربي، وهي لا تزال تدور في دوامة متفاوتة من الفوضى والانهيار تهدد بفقدان بعضها لوحدتها ووجودها.

كانت دول الربيع العربي في أوضاع مختلفة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا حين عصفت بها رياح التغيير التي انطلقت من تونس، ولهذا السبب كان مخاض التغيير بكل تداخلاته وتعقيداته متفاوتا في درجة العنف وفي نتائجه ومضاعفاته.

الدول-العربية-بين-التماسك-والفناء

ويمكن تقسيم الدول التي مر بها الربيع العربي وتلك التي تعرضت للانهيار لعوامل مختلفة في وقت سابق إلى قسمين، الأول يضم الأكثر تضررا والأسوأ مضاعفات ويشمل ليبيا اليمن سوريا العراق والصومال، والثاني يضم مصر وتونس، وهما الدولتان اللتان تتسمان بقدر من التماسك بعد التغييرات العاصفة التي مرت بهما وهما لا تزالان تواجهان مضاعفاتها وتحاولان استعادة الاستقرار والتخلص من آثارها الخطيرة وبخاصة مواجهة عنف الجماعات المتطرفة في بعض مناطقها.

وتتميز مصر وتونس بوجود مؤسسات عسكرية وأمنية وسياسية قوية نسبيا وراسخة، بالإضافة إلى عامل مهم تتمتع به تونس يتمثل في وجود دور لمنظمات مجتمع مدني نشطة وفاعلة لها حضور تاريخي.

تلك السمات التي يتمتع بها البلدان يمكن إرجاعها إلى وجود عناصر هامة للدولة العميقة بغض النظر عن الموقف من سلوك وأداء مؤسسات البلدين الرسمية والأهلية وتفاوت وزنها واختلاف بيئاتها.

وبالعودة إلى الدول الأكثر تضررا نجد أن ليبيا أشدها هشاشة حيث اختفت السلطة المركزية، وانقسمت البلاد بين عدة مؤسسات سياسية عامة ومحلية تساندها مليشيات قبلية وجهوية متطاحنة، مع انتشار الجريمة واستشراء خطر “داعش” في أكثر من منطقة وانهيار اقتصادي كبير بالتزامن مع انهيار العملة المحلية والخدمات العامة على الرغم من قلة عدد السكان ووجود احتياطات مالية ضخمة.

هذا الوضع دفع قائد القوات الأمريكية في إفريقيا الجنرال ديفيد رودريغيز إلى الإجابة بنعم على سؤال وُجه إليه مؤخرا في جلسة استماع للجنة القوات المسلحة بمجلس السيوخ عما إذا كانت ليبيا في الوقت الحالي دولة فاشلة.

المسؤول العسكري الأمريكي وصف الوضع الراهن في ليبيا بشكل محدد بقوله: إن “الاتفاق الذي ترعاه الأمم المتحدة ويدعمه المجتمع الدولي، لتشكيل حكومة وفاق وطني يواجه تحديات عديدة، تتمثل في غياب المؤسسات ومجتمع مقسم والعديد من الميليشيات المتنافسة”.

من جهته، رأى مايكل هايدن المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية أحداث المنطقة من منظور أوسع من خلال وصفه إياها بالتغييرات التكتونية، وهي استعارة جيولوجية للصفائح الأرضية التي تسبب حركتها الزلازل وتتغير بتأثيرها خريطة الكوكب وتضاريسه.

هايدن أوضح فكرته بقوله: “ما نراه هو انهيار أساسي للقانون الدولي، نحن نرى انهيارا للاتفاقيات التي تلت الحرب العالمية الثانية، نرى أيضا انهيارا في الحدود التي تم ترسيمها في معاهدات فيرساي وسايكس بيكو، ويمكنني القول إن سوريا لم تعد موجودة والعراق لم يعد موجودا ولن يعود كلاهما أبدا، ولبنان يفقد الترابط وليبيا ذهبت منذ مدة”.

وتجدر الإشارة إلى أن القاسم المشترك بين الدول العربية الأكثر تضررا من رياح التغيير العاصفة يتمثل في انتشار داعش وسيطرته على مناطق في الدول الخمس.

كما أن الصراع المتواصل في بعض هذه الدول اتسع وأصبح ذي صبغة إقليمية ودولية كما في سوريا وإقليمية كما في اليمن وهو يتجه في ليبيا أيضا ليأخذ منحى دوليا بحسب التطورات الأخيرة المتمثلة في قصف الولايات المتحدة لموقع لداعش في مدينة صبراتة قرب العاصمة طرابلس وحديث مسؤوليها عن تحضيرات عسكرية لمواجهة خطر داعش في هذا البلد.

ويتعين الإشارة في هذا الصدد أيضا إلى أن سوريا تحظى بوضع استثنائي في مجموعة الدول الأكثر تضررا من مرور الربيع العربي وذلك لتمكن نظام دمشق من الصمود خمس سنوات وفشل محاولات إسقاطه لأسباب متداخلة إلا أن أساسها ذاتي.

كما لا يفوتنا الإشارة إلى أنه على الرغم من حالة الاستقرار التي تعيشها بعض الدول العربية التي لم تصل إليها رياح التغيير إلا أن الكثير من المؤشرات تدل على وجود أخطار كامنة في معظمها وخاصة تلك التي تشهد بين الحين والآخر هجمات إرهابية مترابطة وأعمال عنف متنوعة، ما يعني أن المنطقة برمتها فوق بركان خطير، انفجر بعنف في مناطق وهو يغلي في مناطق أخرى.

سيريان تلغراف | محمد الطاهر

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock