جهود سياسية تسابق الهدنة العسكرية في سورية
تتكثف جهود الأمم المتحدة لاستئناف مفاوضات “جنيف-3” بعد أيام؛ لكن المشهد السياسي للأزمة السورية محليا وإقليميا ودوليا ما زال مربكا ومعقدا في ظل الهوة، التي تفصل مختلف الأطراف.
فقد ظهر، على الصعيد السوري، التناقض والخلاف في أفضل صوره: الأسد يحدد موعدا لإجراء انتخابات برلمانية، في خطوة تسبق المفاوضات السياسية؛ والمعارضة تشكك بأهمية المفاوضات وجدواها، في ظل تحقيق شروطها المتمثلة بتطبيق الهدنة حرفيا، وفك الحصار عن البلدات المحاصرة، وإدخال المساعدات اللازمة، وإطلاق سراح المعتقلين من النساء والأطفال.
لكن اللافت هو إعادة المعارضة التأكيد على أن “المفاوضات تقوم على أساس عدم وجود أي دور للأسد وزمرته ممن تلطخت أيديهم بالدماء في مرحلة الانتقال السياسي”؛ وهذا الموقف ليس جديدا، فهو أساس مطالب الائتلاف الوطني لقوى “الثورة” والمعارضة، الذي يشكل العمود الفقري للهيئة العليا المعارضة ومقرها الرياض، ولكن لم يجر تأكيده قبيل الجولة الأولى من مفاوضات “جنيف-3″، وهو أمر مفهوم في ظل انعدام الثقة مع أركان القيادة السورية، التي تُتهم بأنها حاولت أكثر من مرة التهرب من الاستحقاق العسكري والسياسي.
إلى ذلك، هنالك مشهد متأزم انعكس على الساحة الدولية: فالرئيس الفرنسي وصف إعلان الأسد عن إجراء الانتخابات بأنه استفزاز وإعلان غير واقعي؛ فيما أعلن الرئيس الروسي أنه لا يرى في تنظيم الانتخابات النيابية ما يعرقل عملية التسوية السياسية، وذلك بعدما أعلنت الخارجية الروسية في وقت سابق أن الانتخابات يجب أن تجري بالتوافق مع المعارضة وبعد كتابة الدستور.
بيد أن من الواضح لمن يقرأ الدبلوماسية الروسية بدقة، أن خطاب بوتين لم يكن تراجعا إلى الوراء، ولم يكن ناجما عن عدم تنسيق بين الكرملين والخارجية، وإنما جاء كرسالة سياسية إلى أطراف إقليمية ودولية نتيجة إصرارها على مطالبها، التي تشكل خروجا على التفاهمات الدولية، ولا سيما بين الراعيين الكبيرين (روسيا، الولايات المتحدة).
وبعبارة أخرى، تريد موسكو التأكيد على أهمية ما تم التوافق عليه دوليا في اجتماعات فيينا وميونخ، وخاصة فيما يتعلق بالمرحلة الانتقالية ومصير الأسد.
وربما يكون الموقف الروسي هذا استعدادا مسبقا لمواجهة أي محاولات إقليمية مدعومة من أطراف دولية لرفع السقف السياسي قبيل بدء المفاوضات؛ وهو ما بدا فيما بعد من تصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بأن الأسد يجب أن يغادر مع بدء المرحلة الانتقالية وليس في نهايتها، ثم تأكيده في رد واضح على المبعوث الأممي الخاص بسوريا ستيفان دي ميستورا بأن من المستحيل بقاءه حتى موعد إجراء الانتخابات.
وكان دي ميستورا قد أعلن أن مصير الأسد متروك للسوريين، وهذا ليس له سوى تفسير واحد، هو أن مصيره ستحدده صناديق الاقتراع وليس أصوات المدافع؛ أي أن الأسد باق إلى انتهاء المرحلة الانتقالية.
والنقطة الثانية، التي لا تجعل من التصريح الروسي تراجعا، هو أن هذه الانتخابات لا تقدم ولا تؤخر شيئا؛ بمعنى أنها لن تؤثر على العملية السياسية، كما جرى في انتخابات الرئاسة قبل عامين؛ إذ إن الأسد موجود في منصبه بحكم الواقع، وقد أعلن الكرملين بعيد مباحثات مع زعماء أوروبيين أن الانتخابات لن تعوق خطوات بناء العملية السلمية.
ومن يراجع تصريحات المندوب الروسي في الأمم المتحدة فيتالي تشوركين، ثم بيان الخارجية الروسية، سيرى أن موسكو انزعجت كثيرا من محاولة دمشق الخروج على التفاهمات الروسية-الأمريكية، سواء فيما يتعلق بالهدنة العسكرية، أو فيما يتعلق بالمسألة السياسية.
وأمام هذا المشهد من المتوقع أن تنطلق مفاوضات التسوية خلال أسبوع رغم تلميحات المعارضة إلى عدم جاهزيتها بعد للمشاركة فيها. لكن المعارضة لن تستطيع هذه المرة على الأرجح معارضة المجتمع الدولي على عكس الجولة الأولى؛ وذلك في ضوء استمرار الهدنة العسكرية. ويتوقع أن تطالب المعارضة بتأجيل المفاوضات حتى انتهاء موعد الهدنة العسكرية لتقييم الموقف.
سيريان تلغراف | حسين محمد