بارقة أمل في الأفق
بعد نحو خمس سنوات من حرب طاحنة مدمرة، تلوح بارقة أمل أمام سوريا يمكن أن تلجم المدافع وتوقف إطلاق النار وتسترد الحياة أنفاسها وتنتقل البلاد إلى مرحلة الاستعداد لاستحقاقات التغيير.
وصلت الأزمة السورية إلى هذا المنعطف الهام بعد رحلة مريرة وعنيفة وصراع دموي حوّل البلد إلى جحيم. وما كان لهذه البارقة من الأمل أن توجد لولا التطورات التي بدأت في رسم واقع جديد منذ 31 سبتمبر 2015، تاريخ بدء العمليات الجوية الروسية ضد الجماعات المتطرفة التي عاثت فسادا في هذا البلاد.
روسيا الاتحادية والولايات المتحدة تمكنتا من الاتفاق على بيان مشترك لوقف إطلاق النار في سوريا يسري مفعوله ابتداء من السبت 27 فبراير/شباط، ويتوخى في جوهره وضع حد للحرب والتمهيد لحل سياسي عبر طاولة المفاوضات مع استثناء المجموعات الإرهابية مثل “داعش” و”جبهة النصرة”.
عبر هذا النهج يمكن إعادة رسم خارطة الصراع في سوريا ومحاولة فرز فصائلها المسلحة المتشابكة وترتيب الأوضاع السياسية والميدانية بشكل يتيح التعامل مع أطراف محددة ضمن آليات وترتيبات واضحة.
والأهم أن هذا الاتفاق لوقف إطلاق النار يتيح فرصة لتحديد الأولويات والتركيز فعلا على محاربة “داعش” ومثيلاتها، والتعامل مع تلك الفصائل التي لن تبادر إلى الالتزام باستحقاقات وقف إطلاق النار.
وفي هذا الإطار، أشار الرئيس الأمريكي باراك أوباما مؤخرا إلى أن وضع حد للصراع في سوريا سيكون عاملا أساسيا للقضاء على تنظيم “داعش”، مؤكدا أنه “لن يكون هناك وقف لإطلاق النار مع داعش وسنظل نلاحقهم بلا هوادة”.
لكن، على الرغم من النفس الجديد الذي منحته هذه الفرصة النادرة لإنهاء الصراع الدموي في سوريا، إلا أن ذلك لن يُرضي الجميع، وخاصة أولئك الذين يحتفظون بحسابات خاصة، ويسعون لأهداف أخرى غير القضاء على خطر داعش.
ويمكن رؤية هذا التوجه في تصريحات المسؤولين الأتراك الذين لا يبدو أنهم في غبطة من الاتفاق الروسي الأمريكي على وقف إطلاق النار في سوريا، ولذلك يواصلون محاولة خلط الأوراق والتهديد بخرق الهدنة بحجة الدفاع عن أمنهم الوطني.
عن ذلك عبّر رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو من خلال إعلانه أن بلاده لن تلتزم بالهدنة إذا تعلق الأمر بأمنها. هذا الموقف صيغ بعد الإشارة إلى أن اتفاق وقف إطلاق النار لم يضع وحدات حماية الشعب الكردي في سلة التنظيمات الإرهابية مع “داعش” و”النصرة”.
هذا الطرح التركي الذي يتسم بقدر كبير من التعالي، توّجه المسؤول التركي الرفيع بتهديد صارخ يقول:”عندما يتعلق الأمر بأمن تركيا، سنقوم بكل ما يلزم من دون استشارة أحد أو طلب الأذن من طرف ما، لأنه اعتبارا من تلك اللحظة ستخرج تلك القضية من كونها سورية بحتة، وستصبح قضية تركيا أيضا”.
وزاد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو على ذلك بانتقاده موقف واشنطن من وحدات حماية الشعب الكردي في سوريا، محذرا من أناعتمادها “على منظمة إرهابية من أجل محاربة منظمة إرهابية أخرى أمر في غاية الخطورة”، مضيفا أن هذا الفصيل الكردي مثله مثل “داعش” يسعى إلى تقسيم سوريا.
وهكذا، أوضحت أنقرة موقفها بشكل جلي من الهدنة واستحقاقاتها من خلال إصرارها على وضع وحدات الحماية الكردية في خانة واحدة مع “داعش”، ما يعني أنها نأت بنفسها عن أي التزام في هذا الشأن، وربما هي تمهد بمثل هذه التصريحات الصاخبة لما ما هو أبعد من ذلك.
سيريان تلغراف | محمد الطاهر