الجيش السوري يمهد لمعركة الرقة
بدأ الجيش السوري منذ أيام معاركه في ريف حماه الشرقي وريف حلب الشرقي تمهيدا للمعركة الكبرى في محافظة الرقة – معقل تنظيم “داعش”.
تتمتع محافظة حماة بأهمية كبيرة بالنسبة لدمشق بسبب ملاصقتها لثلاث محافظات استراتيجية: (اللاذقية غربا، إدلب شمالا، الرقة في الشمال الشرقي)، فضلا عن توزع ثلاث قوى رئيسة فيها: (الجيش في الوسط، فصائل المعارضة في الشمال والجنوب والغرب إلى حد ما، و”داعش” في الشرق).
ويمكن من سير معارك الجيش معرفة الاستراتيجية العسكرية لدمشق في الشمال الغربي لسوريا؛ فبعد السيطرة على ريف اللاذقية الشمالي وأجزاء مهمة من ريف حلب الجنوبي، كان من المتوقع فتح معركة إدلب – معقل “جيش الفتح”، لكن الجيش انتقل إلى الريف الشمالي لحلب، والريف الشرقي لحماة، في مؤشر على تأجيل معركة إدلب، والاستعداد لمعركة الرقة، التي بدأت تتخذ أهمية كبيرة، تتجاوز مسألة “داعش” بعد الحديث عن تدخل عسكري إقليمي في الشمال، على الرغم من النفي التركي لذلك.
ويواجه الجيش السوري في ريفي حماة الشرقي والشمالي قوتين عسكريتين: الأولى، تنظيم الدولة في الشرق والشمال الشرقي لحماة، والثانية “جيش الفتح” في الشمال، حيث يسيطر على مناطق عدة، أهمها مدينة مورك ذات الأهمية الكبيرة، وأمام الجيش خياران إما فتح المعركتين معا أو الاكتفاء بجبهة واحدة.
وقد بدأ الجيش فعلا منذ أيام معركته في الريف الشرقي ضد التنظيم الإرهابي، الذي يسيطر على منطقة أوتوستراد أثريا – الرقة، ومنطقة مارينا المهمة. لكن الجيش قوبل برد عسكري قوي من “داعش” قبل أيام، ليعاود الكرة مرة أخرى أمس، ويفشل للمرة الثانية في تحقيق اختراق مع دخول “جبهة النصرة” على خط المعارك، حيث جرت اشتباكات مع الجيش جنوب غرب قرية أثريا إثر محاولة النصرة قطع الطريق باتجاه حلب.
ويبدو أن هدف الجيش هو توسيع طوق الحماية على خط أثريا لقطع خطوط إمداد التنظيم نحو الريف الشرقي لحلب، ومن دون استكمال الطوق الرابط بين الريف الشمالي الشرقي لحماة وامتداده في ريف حلب الشرقي، لا إمكانية لإطلاق معركة الرقة.
ولعل فشل الخطة هو ما يفسر تفكير الجيش في الانتقال إلى فتح جبهة ريف حماة الشمالي، حيث بدأت تحركات عسكرية واضحة قرب حاجزي المصاصنة والزلاقيات، وسط توقعات بأن تكون مدينة مورك هدف الجيش السوري، في محاولة للالتفاف على “داعش” من ناحية الشمال الغربي لأثريا أولا، وفتح الطريق الدولي بين حلب – حماة مرورا بإدلب ثانيا.
وتعد مورك البوابة الرئيسة من حماة إلى إدلب، لكن فتح معركتها ليس مرتبطا هذه المرة بإدلب، فالجيش السوري والقيادة الروسية يستعجلان فتح معركة الرقة في سباق زمني مع الولايات المتحدة وحلفائها الأكراد؛ إذ على الرغم من التفاهمات العسكرية بين هذه الأطراف الأربعة، فإن هناك فرقا بين أن تكون السيطرة على الرقة للجيش السوري فقط، أو أن تكون لـ “وحدات حماية الشعب الكردي”.
فالجيش السوري لا يفضل سيطرة الأكراد على الرقة رغم تحالفاتهما العسكرية، تحسبا للمستقبل، وخشية من أن يستغل الأكراد في مرحلة ما تواصلهم الجغرافي من عين العرب (كوباني) شرقا إلى عفرين غربا، وإقامة حكم ذاتي. ومع أن الأكراد تحدثوا كثيرا عن وحدة سوريا، فإن الأزمة السورية علمت الجميع أنها أكثر الأزمات تبدلا ومفاجآت.
وعلى أي حال، يواصل الجيش السوري التمهيد لمعركة الرقة؛ فقد نجح في السيطرة على عدة قرى وبلدات في ريف حلب الشرقي بعد معارك عنيفة مع تنظيم “داعش”، الذي اضطر إلى الانسحاب من نحو 20 منطقة، أهمها المحطة الحرارية – أكبر محطات توليد الطاقة الكهربائية في سوريا، والتي تسمح للجيش باستكمال الطوق العسكري على التنظيم شمالَ شرق حماة.
كما تسمح السيطرة على المحطة الحرارية للجيش باستكمال معركته في ريف حلب الشرقي، المتمثلة بمدينة الباب – معقل “داعش” في الريف الشرقي لحلب.
وعلى الرغم من أن الباب تشكل الثقل العسكري للتنظيم في حلب، فمن المتوقع أن تكون المعركة سهلة بالنسبة للجيش، ولا سيما أن التنظيم لن يخاطر بالبقاء داخل المدينة لمنع محاصرته، وغالب الظن أنه سينسحب تدريجيا نحو الشرق إلى الرقة، خصوصا أن منبج أصبحت خارج سيطرته.
سيريان تلغراف | حسين محمد