لماذا فقدت أوروبا أملها في تغيير مقاربة روسيا للأزمة السورية ؟ .. بقلم جورج ساسين
قطعت الأوساط الأوروبية الرسمية المتابعة الأمل للمرة الثانية من تحول الموقف الروسي حيال تطورات الأزمة السورية وتداعياتها، وباشرت ورشة نقد ذاتي طاولت بعض أوجه الدعاية السياسية.
إذ استحوذت حالة من اليأس على بعض أصحاب القرار في “القارة القديمة” بعدما أعلن الكرملين التشكيلة الوزارية لأول حكومة في ولاية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الجديدة، لاسيما مع إحتفاظ سرغي لافروف بحقيبة الخارجية.
والسبب المركزي لهذا اليأس هو استبعاد الانقلابات المتوخاة في استراتيجيات موسكو، للمرة الثانية، وخصوصاً في ما يتعلق بسوريا والعراق وإيران.
إلا أن المراجع الأوروبية التي تجري عملية نقد ذاتي لم تستغرب حالة اليأس هذه “لأنها ناجمة، برأيها، عن غلبة المواقف الإيديولوجية التي تطمس الجوانب الاستراتيجية التي تتحكم في تفسير الدوافع الحقيقية لدى موسكو على ضوء خبرتها في مواجهة خطر الأصولية الاسلامية ومتفرعاتها “الجهادية” تحت عناوين مختلفة منها “تنظيم القاعدة” وطالبان إلخ في ثمانينات القرن الماضي حين كانت أحد أذرع الولايات المتحدة وحلفائها في مواجهة الاتحاد السوفياتي من جهة، وهي متأتية أيضاً من ضحالة مستوى معرفة بعض الخبراء بالموضوع السوري واستهانتهم غير المبررة بموقع دمشق المميز على رقعة الشطرنج الاقليمية والدولية، بعدما تبين لها أن ثمة دعاية سياسية محكمة حجبت الرؤية الواقعية لما كان يجري من أحداث منذ عام ونيف، من جهة أخرى”.
وتورد هذه المراجع امثلة عديدة تكشف أسباب استهجان هؤلاء الخبراء وبعض الدوائر جراء “إختلاف حسابات الحقل مع حسابات البيدر” السوري، لاسيما أنهم إستندوا إلى معطيات مغلوطة من بينها:
أولاً، تبسيط الأسباب على أنها فقط تحالف عابر بين طغمتين حاكمتين في كل من موسكو ودمشق.
ثانياً، قلة شغف السوريين بالروس على مختلف الأصعدة.
ثالثاً، مشاركة روسيا في ذبح الشعب السوري.
رابعاً، تضليل الزعيم الروسي فلاديمير بوتين من قبل الرئيس السوري بشار الأسد.
خامساً، عدم أهمية مرفأ طرطوس من الناحية الاستراتيجية.
هذه المعطيات تفندها المراجع الأوروبية على النحو التالي :
أولاً، تجزم بأن موسكو ترفض، من الناحية المبدئية، أي سعي للغرب في انقلاب الأنظمة المناوئة له. كما أنها لا ترغب في اي تدخل خارجي، مهما كان شكله، في ما تقوم به في الشيشان وأبخازيا وغيرهما. ذلك أن كل المحاولات لإقناع القيادة الروسية بتغيير موقفها في مجلس الأمن باءت بالفشل، لأن “المؤمن لا يلدغ من الجحر الليبي مرتين”.
ثانياً، التعاون العسكري بين روسيا وسوريا قديم جداً. ومن اكتشف اليوم العلاقة الوطيدة بينهما يتجاهل أمرين: إجادة ثلاثة أرباع القيادات العسكرية السورية اللغة الروسية بسبب تدربها في جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة، ووجود أكثر من مئة ألف روسي مقيم في سوريا منذ سنوات طويلة. وعليه لا مجال لطمس الوقائع السورية أو إخفائها طويلاً عن الحليف الروسي على رغم كل الإحتياطات الممكنة.
ثالثاً، مرفأ طرطوس هو الوحيد الذي يستقبل وحدات البحرية الروسية في البحر الأبيض المتوسط، وهو متنفس لا بد منه لموسكو لإظهار قوتها ووجودها على هذا الصعيد.
وتختم المراجع الأوروبية بالقول بأن رهانات بعض الديبلوماسيين والخبراء على تغيير مواقف بوتين حيال دمشق بعد الانتخابات الرئاسية قد فشلت فشلاً ذريعاً، وسيكون من الوهم إحداث أي ثغرة في هذا الصدد على المديين المتوسط والبعيد. فالقرار الأخير هو في يد الرئيس بوتين بالذات. وتنصح بأخذ العبرة من تجربة ليبيا وما خلفته من فوضى داخل هذا البلد ومن تهديد للأمن والاستقرار في دول الساحل حيث كرة سبحة الانقلابات وتعاظم نفوذ “تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي”، لكي لا يتكرر خطأ مشابه في سوريا مرة ثانية.