اتفاق ميونيخ .. بين كسر الجمود وحل الأزمة السورية
كسر بيان مجموعة دعم سوريا في ميونيخ الجمود الحالي بتأكيده على وقف الأعمال القتالية، وحل القضايا الإنسانية.. لكن الطريق إلى تنفيذ الاتفاق والشروع بتسوية سياسية مازالت شاقة.
بيان ميونيخ يعيد التأكيد على قرار مجلس الأمن الدولي 2254 بشأن سوريا. وتكمن أهمية البيان في عدد من النقاط، لكن الخلافات في التفسيرات والتصنيفات قد تعيد الأمور إلى المربع الأول. فقد أفرز توافقا روسيا أمريكيا بتشكيل لجنة عمل من خبراء عسكريين من البلدين تكون مهمتها تحديد المناطق التي يسيطر عليها تنظيما “داعش” و”النصرة”، وفي المقابل فإن الاختلاف مازال سيد الموقف في تحديد لائحة التنظيمات الإرهابية الأخرى، مع إصرار روسيا المعلن سابقا بضرورة اعتبار “جيش الإسلام” وحركة “أحرار الشام” وفصائل أخرى، تنظيمات إرهابية، مقابل دعم دول إقليمية لها، ومطالبة آخرين، كبعض الدول الخليجية، بإدراج أطراف داعمة للجيش السوري في قائمة المنظمات الإرهابية التي يجب استهدافها.
البيان أعلن ضرورة وقف القتال في غضون أسبوع، وتكليف خبراء من روسيا والولايات المتحدة بتنسيق الاتصالات بين أطراف النزاع لتجنب التصعيد وكذلك التحقيق في حوادث خرق نظام “الهدنة”. وفي حال قيام جهة ما بخرق الهدنة بشكل مستمر سيبلغ وزراء الدول الأعضاء في مجموعة دعم سوريا الذين قد يتخذون قرارا حول إبعاد هذه الجهة من نظام الهدنة. ومما لا شك فيه أن وقف اطلاق النار، ومعاقبة عدم الملتزمين به تعد بداية منطقية للانتقال إلى بحث التسوية السياسية للأزمة السورية، والتركيز على اجتثاث الإرهاب. لكن مختلف الأطراف تعرف صعوبة تنفيذ وقف اطلاق النار في ظل الخلاف بشأن قائمة المنظمات الارهابية، وتنوع ولاءات ومرجعيات بعض التنظيمات التي تحارب ضد الحكومة السورية، وأخيرا مدى التزام الأطراف الاقليمية “المستثمرة” في الأزمة السورية بتنفيذ البيان. ولا بد من الإشارة في هذا السياق إلى اخفاق المبعوثين الأمميين السابقين كوفي أنان والأخضر الإبراهيمي في وقف اطلاق النار أو الانتقال من الهدنة المحلية إلى هدنة شاملة.
وبالرغم من ترحيب المعارضين في “وفد الرياض” بالاتفاق، واستعدادهم للعودة إلى طاولة المفاوضات في “جنيف 3” في حال تم الالتزام بتنفيذه، فإنهم سوف يتعرضون لضغوط كبيرة، قد تتسبب في انشقاقات على خلفية اتهامات قد توجه إليهم بأنهم وافقوا على سقف أقل من اجراءات “بناء الثقة” المحددة في البندين 12 و13 في قرار مجلس الأمن الدولي، ورضوخهم بالاكتفاء بإيصال المساعدات “جوا” إلى المناطق المحاصرة بدلا من رفع الحصار عنها، وعدم استشارة الفصائل العسكرية كما تم الإعلان سابقا، والتنازل عن موضوع اطلاق سراح المعتقلات والأطفال، ولعل الأهم، وفق مؤيدي “معارضة الرياض” هو التوجه لاستئناف المفاوضات من دون أي ضمانة حول عدم وجود دور للرئيس بشار الأسد في المرحلة الانتقالية أو ما بعدها، وخاصة أن بيان ميونيخ ينص حرفيا على”التوصل، خلال 6 أشهر بعد بدء المفاوضات السورية – السورية، إلى اتفاق بشأن خطة إصلاحات سياسية وتشكيل حكومة انتقالية، وكذلك “إطلاق عملية وضع دستور جديد يتم وفقه إجراء انتخابات حرة وعادلة في موعد أقصاه 18 شهرا”.
وبين التشاؤم والتفاؤل الحذر، والمراهنة على قادم الأيام، تتباين آراء الخبراء والساسة حول اتفاق ميونيخ. لكن معظم السوريين يأملون في أن يسهم بوضع حد لحرب مدمرة خلفت حتى الآن حسب تقديرات بحثية قرابة 11.5 % من السكان بين قتيل وجريح، وشردت نحو خمسة ملايين مواطن خارج البلاد، ونحو سبعة ملايين نزحوا إلى مناطق أخرى في داخل سوريا.. بيد أن بيان ميونيخ لا يمثل عصا سحرية لوقف اطلاق النار، فالخروقات سوف تستمر حتى في حال وجود إرادة دولية شاملة، وذلك نتيجة سنوات طويلة أنتجت شرائح تعتاش من استمرار الحروب والقتل والدمار. ولكن الأهم ربما هو التوصل إلى اتفاق يضمن عدم انزلاق المنطقة إلى حرب واسعة طويلة الأمد. فتزامنا مع العمل على صوغ بيان ميونيخ كانت تصريحات السعودية من بروكسل تؤكد على عدم الرجوع عن نيتها ارسال قوات برية إلى سوريا، وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يلوح بورقة اللاجئين في وجه أوروبا، ويعيد مطالبه في انشاء منطقة عازلة وحظر طيران في شمال سوريا.
ولعل الأيام المقبلة كفيلة بكشف ما إذا كان بيان ميونيخ يمثل بارقة أمل لإنهاء الكارثة السورية بالرغم من الخريطة الاقليمية والدولية المعقدة، لكن المؤكد أن انهاء خطر “داعش” وإزالته من العراق وسوريا، ووقف الأزمة الانسانية وما تسببت به من موجات اللاجئين، هو أمر يحتاج إلى توافق جميع الأطراف على التوصل بأسرع وقت لتسوية سياسية شاملة تلبي تطلعات السوريين، وتضمن وحدة بلادهم، في ظل دولة ديمقراطية تتساوى فيها حقوق كل المواطنين.
سيريان تلغراف | سامر إلياس
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب)