كيف سيتم تحويل ليبيا إلى حديقة خلفية لأوروبا ؟
تتوالى التوقعات بشأن مواعيد التدخل العسكري الغربي في ليبيا. وتتجه المؤشرات إلى ربيع هذا العام في مارس أو أبريل المقبلين.
هذه التوقعات تكاد تكون متسرعة نسبيا، وتضع مواعيد مبكرة أيضا، وفقا لحسابات معينة تخص حالات وأوضاع دول الجوار الليبي. ولكن التقارير الأكثر واقعية وقربا لمجريات الأمور على الأرض تشير إلى أن التدخل الغربي في ليبيا قد لا يحدث خلال العام الجاري، إلا في حال تمكنت الولايات المتحدة وحلفاؤها من حسم جانب كبير من الأمور في سوريا والعراق، ووضع كل المعوقات الممكنة أمام روسيا لإبعادها تماما عن الكعكة الليبية.
مخاوف دول الجوار الليبي (تونس والجزائر ومصر) تتفاقم كلما ظهرت أنباء أو توقعات باقتراب التدخل العسكري الغربي الذي يجري الإعداد له منذ حوالي عام تقريبا، وفقا لتصريحات وزيرة الدفاع الإيطالية روبيرتا بينوتي. وإذا أضفنا هذه المخاوف إلى تحذيرات مدير وكالة الاستخبارات العسكرية الأمريكية الجنرال فنسنت ستيوارت من تزايد وتيرة هجمات تنظيم داعش العابرة لحدود معسكراته سعيا منه لتأجيج صراع دولي، فمن الممكن أن نلمح بدايات السيناريوهات الغربية المقبلة.
ستيوارت ربط تحذيره بتمدد التنظيم في أكثر من دولة عبر تأسيس فروع في مالي وتونس والصومال وبنغلادش وإندونيسيا، ولم يستثن زيادة نشاطات التنظيم في شبه جزيرة سيناء المصرية وتنفيذ عمليات واسعة النطاق في العمق المصري. والخطير هنا أن المسؤول الأمريكي شدد على أن التنظيم الإرهابي لا يصعد الصراع مع الغرب فحسب، لكن أيضا مع أقليات مذهبية في المنطقة، مؤكدا أن الشرق الأوسط يواجه الآن تحديا من أكثر الفترات خطورة ولا يمكن التنبؤ بها.
الحديث الأخير بخصوص الأقليات سيكون أحد أهم الأسباب والمسوغات للتدخل العسكري في ليبيا، على الرغم من أن ليبيا ليس بها أقليات، ولكن محاولات فرنسا تغيير التركيبة الطائفية والعرقية في جنوب ليبيا تلعب دورا في هذا الصدد. وسيتم التعامل مع الموضوع الطائفي والمذهبي بشكل عام، سواء في سوريا أو العراق أو ليبيا لإعطاء انطباع بضرورة حماية الأقليات، حتى وإن كان البلد لا يضم أي أقليات.
من جهة أخرى، من الواضح أن لعبة الكراسي الموسيقية – السياسية للتشكيلة (الأمريكية البريطانية الفرنسية الإيطالية) تعمل بدأب في سوريا والعراق. فالمسؤولون الكبار للدول الأربع يواصلون إطلاق التصريحات التي تتميز بصياغات ملتوية، ولكنها تسير في اتجاه توسيع مساحة الرأي العام المحلي في ليبيا، والإقليمي والدولي بضرورة التدخل العسكري، إن لم يكن بسبب داعش، فبسبب الهجرة غير الشرعية، وكل الأسباب الأخرى الممكنة وغير الممكنة. ولكن العالم كله يعرف جيدا الأسباب الحقيقية وراء “ضرورة التدخل العسكري” في ليبيا.
بعد أن كانت فرنسا تمثل رأس الحربة في ليبيا، تركت مكانها لإيطاليا مؤخرا حيث تقترح روما قيادتها لقوات غربية وعربية في هذا البلد الذي ينتظر مصيرا لا يختلف كثيرا عن مصيري العراق وسوريا، بل أسوأ بكثير، إذ تجري محاولات استبعاد أي أطراف أخرى مثل روسيا والصين من المعادلة الليبية المقبلة. ولكن روسيا، في حقيقة الأمر منتبهة للغاية، وتتابع كافة السيناريوهات والاحتمالات بالشكل الذي يسمح بحصار الفوضى الداخلية في ليبيا، ومواجهة الإرهاب الذي يتمدد بشكل مثير للتساؤلات.
سفير روسيا في ليبيا إيفان مولوتكوف صرح مؤخرا بأن موسكو مستعدة لتأييد رفع حظر تصدير الأسلحة إلى ليبيا وتقديم مساعدات أخرى لمحاربة تنظيم داعش حال بدأت حكومة الوفاق الوطني عملها في ليبيا. غير أنه لا توجد أي خطة لإجراء اتصالات مباشرة بين زعيمي روسيا وليبيا في الوقت الحالي. ولم يستبعد السفير الروسي إجراء مثل هذه الاتصالات.
الحديث يدور هنا حول اعتراف روسيا بحكومة الوحدة الوطنية في ليبيا ودعمها قرار مجلس الأمن الدولي بهذا الشأن. وفي الوقت نفسه تحاول روسيا عدم التدخل في الشأن الداخلي الليبي أو فرض سيناريوهات معينة على الليبين. وذلك على عكس ما تقوم به الدول الغربية وبالذات التشكيلة الرباعية (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا). كما يدور الحديث الروسي أيضا حول عودة الشركات الروسية إلى ليبيا وعقد صفقات جديدة وارتباط ذلك بتحسن الأوضاع هناك.
السيناريو الليبي المقبل مرتبط بدرجات متفاوتة بما يجري في سوريا والعراق. فالولايات المتحدة وبريطانيا تقودان الحملة العسكرية هناك، بينما تقوم فرنسا وإيطاليا بتقديم دعم هائل، مقابل تبادل الأدوار في ليبيا القريبة من كل من إيطاليا وفرنسا. فقد أشارت وزيرة الدفاع الإيطالية روبيرتا بينوتي شخصيا إلى أن روما قررت إرسال ١٣٠ عسكريا إضافيا لنشرهم في أربيل، تلبية لطلب فرنسي بتعزيزات إضافية في العراق، لتمثل هذه الخطوة إسهاما إضافيا كبيرا لإيطاليا في مكافحة الإرهاب. المثير هنا أن فرنسا وإيطاليا تتبادلان التصريحات على غرار الكراسي الموسيقية. فقد استبعد وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس وجود نوايا فرنسية للتدخل عسكريا ضد تنظيم “داعش” في ليبيا. وقال “لا أعرف مصدر هذه المعلومات.. إن مجموعة صغيرة “تمارس ضغوطا فى هذا الاتجاه، لكنه ليس موقف الحكومة”. وفي السابق كانت باريس هي التي تدلي بتصريحات ساخنة حول حماية أمنها وأمن أوروبا. وجاء الدور الآن على روما.
هذه الأمور تؤكد أن الغرب عموما، والدول الأربع المذكورة أعلاه تعمل وفق سيناريو معقد ومتحرك في آن واحد، يستهدف إبعاد روسيا عن ليبيا وتقليص أكبر قدر من مصالحها في سوريا والعراق. ومن جهة أخرى، تحجيم أدوار الدول العربية عموما، ودول الجوار الليبي على وجه الخصوص في السيناريوهات الخاصة بليبيا. يُستَثنى من ذلك الدول التي ستعمل تحت المظلة الغربية ووفق شروط قاسية. وهو ما يمكنه أن يسفر عن ظهور دول أو قوة عسكرية يلعب فيها العرب دور المأجور، أو في أحسن الأحوال دور الشريك الذي يحتاج إلى الحماية.
من الطبيعي أن يكون التدخل العسكري الغربي، باستخدام دمى عربية، تحت بند “مكافحة الإرهاب” على الرغم من أن الجميع يعرف جيدا الأسباب الحقيقية، بينما الإرهاب يتسع في ليبيا طوال السنوات الخمس الماضية أمام أعين الأساطيل الأمريكية والأطلسية في البحر المتوسط، وتحت أنظار عناصر الاستخبارات والقوات الخاصة الأمريكية والأوروبية المتواجدة في ليبيا.
سيريان تلغراف | أشرف الصباغ
(المقال يعبر عن رأي الكاتب)