آمال “جنيف-3” تضعفها الخلافات بين دمشق والمعارضة وتضارب الرؤى الدولية
من المقرر أن تبدأ الأحد مناقشات وفد هيئة المعارضة السورية مع مبعوث الأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا، على أن تنطلق الاثنين المفاوضات غير المباشرة بين المعارضة ووفد الحكومة السورية.
وعلى الرغم من أن وفد “معارضة الرياض” ربط المفاوضات بتنفيذ مطالبه الثلاثة (رفع الحصار عن البلدات، وقف القصف، إطلاق سراح المعتقلين لأسباب سياسية)، فإن من الواضح أن المفاوضات ستبدأ بغض النظر عن هذه الشروط في ظل توافق دولي عنوانه روسي – أمريكي للمضي قدما في “جنيف-3”.
وبدت موسكو وواشنطن حريصتين على عدم فشل “جنيف-3″، وذلك واضح بالنظر إلى مستوى حضورهما في جنيف ممثلا بمساعدة وزير الخارجية الأميركي آن باترسون ونائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف.
لكن المشكلة ليست في انطلاق المفاوضات، بل في ما ستؤول إليه هذه المفاوضات مع التسريبات، التي صدرت عن الأمم المتحدة، وكشفتها مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، ولا سيما أن الأمم المتحدة غير قادرة على ضمان اتفاق جدي بين الجانبين بسبب الخلافات الكبيرة، ليس فقط بين الفريقين السوريين، بل وبين الدول الداعمة لكل طرف.
وتكمن الخلافات بين موقفي دمشق ووفد “معارضة الرياض” في نقاط، منها:
1ـ المعارضة تريد من الحكومة إنفاذ خطوات بناء الثقة قبل انطلاق المفاوضات، استنادا للبندين 12 و 13 من القرار الدولي 2254؛ في حين ترفض دمشق طلب المعارضة، وتعده نوعا من الشروط المسبقة، انطلاقا من أنها هي من تحدد إجراءات خطوات حسن النية وليس المعارضة.
وترى دمشق أن مطالب المعارضة هي تحييد لمنجزاتها العسكرية على الأرض، في حين لا تفضل المعارضة المضي قدما في جنيف من دون ترجمة فعلية للقرار الدولي، وبخاصة بعد النكسات الميدانية لفصائل المجموعات الإرهابية على الأرض، وبعد تراجع الخطاب السياسي الدولي.
2ـ تصر المعارضة على أن هدف المفاوضات تطبيق بنود “جنيف-1” والقرار 2254؛ في حين تصر دمشق على اعتماد “تفاهم فيينا1” و”تفاهم فيينا-2″، ثم القرار الدولي 2254، الذي تحدث عن “جنيف-1” بقدر ما تحدث عن “فيينا-2”.
والفرق بين القراءتين مرتبط بشكل الحكم في المرحلة الانتقالية؛ فالمعارضة تريد تشكيل هيئة حكم انتقالي ذات صلاحيات تنفيذية كاملة وفق بيان جنيف، أما دمشق فتريد تشكيل حكومة وحدة وطنية. الأولى تتمتع بصلاحيات كاملة، ما يعني جعل منصب الرئاسة بروتوكوليا؛ والثانية تعني بقاء صلاحيات الرئاسة كما هي، مع نقل صلاحيات الحكومة والسلطة التشريعية إليها. وفي خضم ذلك تأتي تصريحات وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، الذي أكد ضرورة السعي بجدية لتحقيق انتقال سياسي في سوريا، ما أثار أسئلة حول وحدة الموقف الغربي بشأن الأزمة، والتوافق مع الموقف الأمريكي – الروسي بهذا الشأن.
3ـ تريد المعارضة جدولا زمنيا واضحا لا تنفصل فيه المستويات الثلاثة عن بعضها بعضا: (الإنساني، العسكري، السياسي)، في حين تريد دمشق إعطاء الأولوية للجانب العسكري تحت عنوان “محاربة الإرهاب”، كما حدث في “جنيف-2” مطلع 2014.
الحكومة السورية تعتمد مبدأ الحرب امتدادا للسياسة وإن بوسائل أخرى؛ أي أن ما يجري تحقيقه على الأرض يجب استثماره سياسيا بغض النظر عن مطالب أحد أجزاء الشعب السوري، وبعبارة أخرى: تفضل تغيير الواقع الميداني قبل الانتقال إلى المستوى السياسي. في حين تفضل المعارضة مناقشة المستويين معا مع التركيز على البعد السياسي، ضمن رؤية ترى أن جوهر الأزمة هو سياسي، وبالتالي، يجب أن يكون الحل سياسيا أولا.
4ـ مصير الأسد، إذ تشدد المعارضة على انتهاء دور الأسد حالما تبدأ المرحلة الانتقالية، تصر دمشق على أن مصير الأسد خارج إطار التفاوض، وأنه مسألة متروكة للشعب السوري، الذي وحده يحدد مصير رئيسه.
وقد اتفقت موسكو وواشنطن في اجتماعات فيينا على ترك مسألة مصير الأسد إلى ما بعد المرحلة الانتقالية، أو على الأقل إلى الفترة الأخيرة من المرحلة الانتقالية.
5ـ خلافات حول شكل وفد المعارضة، وهذه النقطة، على الرغم مما أحدثته من ضجة خلال الأيام السابقة، فإنها كانت أبسط المشكلات بين الطرفين، وسيجري حلها على دفعات، خصوصا في الجولة الثانية من مفاوضات “جنيف-3”.
ولا يشكل قبول روسيا بهذه النقطة تراجعاً أمام الدول الإقليمية الداعمة للمعارضة، بقدر ما هو نتيجة تفاهمات مع واشنطن على أن القائمة الروسية يجب أن تتمتع بحضور قوي في وفد المعارضة، لكن بعد انتهاء الجولة الأولى (10 أيام). والمجتمع الدولي مجمع على ضرورة أن يشارك الأكراد في وفد المعارضة، وحتى فرنسا الداعمة للمعارضة أعلنت قبل أيام على لسان وزير الخارجية لوران فابيوس أن “الأكراد يجب أن يمثَلوا في وفد المعارضة، ولكن ليس الآن خشية من تفجير المفاوضات”.
بيد أن الصيغة النهائية لهذه المشكلة غير معروفة؛ هل سيتم إدخال صالح مسلم أو مندوب عنه في وفد المعارضة؟ أم سيتم اعتماد هيثم مناع بصفته الجديدة كرئيس لمجلس سوريا الديمقراطي مع شريكته في رئاسة المجلس، واستبعاد مسلم على اعتبار أن مجلس سوريا الديمقراطي ذو غالبية كردية؟.
سيريان تلغراف | حسين محمد
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب)