العملية العسكرية الروسية ومهمات الجيش السوري في المرحلة المقبلة
منذ إطلاق العملية العسكرية الروسية في سوريا في 30 سبتمبر/أيلول الماضي، ومتابعو الشأن السوري يتساءلون عن جدوى هذه العملية ومدى نجاحها في تغيير الواقع الميداني بسوريا لصالح الحكومة.
وبثت وسائل إعلام عربية ودولية تقارير تؤكد أن الإنجازات الميدانية القليلة للجيش السوري لا تعكس حجم الدعم الروسي الكبير، لكن الأسابيع القليلة الماضية بينت خطأ هذا التقديرات، بعد النجاحات الكبيرة للجيش في ريف اللاذقية الشمالي وريف حلب الشرقي وريف حمص الجنوبي الشرقي وريف درعا الشمالي، كما كشفت الأسابيع الماضية أن الخطة الروسية كانت بعيدة المدى، ولا تبحث عن انتصارات سريعة وضعيفة هنا وهناك، وإنما هدفها تغيير المعادلة العسكرية بشكل كبير.
وبحسب وزارة الدفاع الروسية، فقد سيطر الجيش السوري على 217 بلدة ومساحات تبلغ ألف كيلومتر مربع منذ بدء العمليات الجوية للطيران الروسي، وهذا رقم كبير في مدة لا تتجاوز أربعة أشهر، وبعد تراجعات ميدانية واضحة للجيش السوري الذي عانى ضعفا في العديد البشري وفي السلاح النوعي.
ومن الواضح أن العملية العسكرية الروسية – السورية ستشهد خلال الفترة المقبلة تسارعا في العمليات العسكرية لاسيما في الشمال الغربي لسوريا، في ظل بقاء محافظة إدلب معقلا لمجموعات مسلحة منها “جبهة النصرة”.
وبعد السيطرة على سلمى في جبل الأكراد بريف اللاذقية الشمالي، تتجه القوات الحكومية نحو استكمال إخراج اللاذقية من دائرة الصراع، وأمامها الآن، بعد السيطرة على سلمى، مهمة السيطرة على مناطق في جبل التركمان.
وهناك نقطتان ستكون محور المعارك خلال الأيام المقبلة، هما قرية كنسبا التي تبعد كيلومترات قليلة من ناحية الشرق عن الأوتستراد الدولي حلب – اللاذقية، وقرية الكبينة القريبة من الحدود الإدارية لمحافظة إدلب والمقابلة لمدينة جسر الشغور في إدلب، والسيطرة على هاتين القريتين تضع الجيش على تماس مباشر مع الفصائل في إدلب، القرية الأولى تمكنه من إطلاق معركة جسر الشغور، والقرية الثانية تمكنه من إطلاق معركة السرمانية.
أما بالنسبة لجبل التركمان، فالأولوية الآن للجيش السوري هي السيطرة على المدينة الأهم في هذا الجبل وهي ربيعة، بعد سيطرته على قرى المارونيات والمريج ودويركة في جبل الأكراد المقابل لجبل التركمان.
الواقع العسكري في ريف حلب الشرقي لا يختلف عن الواقع في ريف اللاذقية الشمالي، فالجيش السوري نجح في السيطرة على العبوية والعاجوزية والملتفتة ومزارع سرحان جنوبي مدينة الباب شرقي حلب.
ويستغل الجيش السوري الضربات الروسية التي أدت إلى خلخلة القوة العسكرية لتنظيم داعش، ولذلك يقترب شيئا فشيئا من مدينة الباب الاستراتيجية ومعقل التنظيم في حلب، بعد السيطرة على أكثر من 10 قرى في محيط البلدة ومساحات شاسعة من المزارع في مدة قياسية.
كما يسعى الجيش بالتوازي مع ذلك إلى فتح الطريق نحو المحطة الحرارية الرئيسية في المنطقة من أجل السيطرة عليها، فضلا عن موقعها الهام حيث تقع على الطريق الدولي بين حلب ـ الرقة، ومن أهداف الجيش الاستراتيجية الأخرى، تأمين طريق يصل مطار كويرس العسكري بمطار حلب الدولي.
وفي مؤشر على أن معركة الباب والمناطق المحيطة بها أصبحت محسومة لصالح الجيش، بدأ تنظيم داعش بترحيل أُسر مسلحيه وأقاربهم من مدينة الباب والبلدات المحيطة نحو مدينة الرقة.
ومن شأن هذه التطورات أن تغير المعادلة العسكرية في محافظة اعتبرت أكثر المحافظات السورية تعقيدا لجهة القوى العسكرية المتقاتلة التي منعت على مدار السنوات الثلاث الماضية من حسم المعركة لصالح أي طرف.
وبدا من الواضح أن الجيش أصبح قادرا على فتح معارك متعددة في وقت واحد، فبعد اللاذقية وحلب، هناك معارك في حمص وحماة، فقد سيطر الجيش على التلال المطلة على طريق المحسة المؤدي إلى بلدة القريتين في ريف حمص الشرقي، وأحد معاقل التنظيم الإرهابي في هذا الريف، والسيطرة على هذه التلال تمكن الجيش من قطع خطوط امداد التنظيم باتجاه مدينة القريتين.
التراجعات العسكرية التي يشهدها التنظيم منذ فترة في ريف حلب الشمالي والشرقي وريف حمص الجنوبي الشرقي، مع قرب الحديث عن معركة الرقة، جعلته في الفترة الأخيرة يركز على مدينة دير الزور ومحيطها شرق سوريا لتعويض خسائره في المناطق الأخرى.
وخلال الأشهر الماضية، تركزت معظم محاولات داعش للسيطرة على ما تبقى من دير الزور شرق المدينة، عبر جبهة حي الصناعة الذي تمكن من السيطرة عليه بشكل كامل منذ أسابيع، أو جبهة حويجة صكر، إضافة إلى المطار العسكري.
لكن التنظيم وفي خطوة تعكس حالة الضعف أكثر مما تعكس حالة القوة، شن هجوما عنيفا أمس على الجبهة الغربية من دير الزور استخدم فيها المفخخات كعادته على جبهة قرية عياش الفاصلة بين الجيش وعناصر التنظيم.
واستطاع السيطرة على قرية البغيلية وتل كروم وتل الثرده معسكر الصاعقة وبرج الإذاعة وتلة المحروقات وجمعية الرواد، لكن المجزرة التي ارتكبها في البغيلية تندرج ضمن عمليات الانتقام بعد نجاحات الجيش السوري وضربات سلاح الجو الروسي القوية لمواقع داعش.
فالتنظيم عادة ما يقوم بعمليات إعدام بعد سيطرته على القرى والبلدات بحجة التعامل مع الحكومة السورية أو لأسباب طائفية، لكن المجزرة الأخيرة التي جاءت بعد يوم واحد من إرسال الطائرات الروسية المساعدات الإنسانية والغذائية لسكان مدينة دير الزور المحاصرة من قبل مسلحي التنظيم، تؤكد الرسالة التي أراد التنظيم إرسالها، وكأنه يقول إن أية محاولة لفك الحصار الانساني عن المناطق المحاصرة من قبله ستقابل بالمجازر.
ويسيطر التنظيم منذ حزيران / يونيو على أغلب محافظة دير الزور عدا بعض الأحياء غرب وشرق المدينة، إضافة إلى مطار عسكري ولواء مقاتل، وفرض التنظيم منذ ذاك حصارا على أحياء الجورة والقصور وهرابش والبغيلية التي مازالت تحت سيطرة الجيش.
سيريان تلغراف | حسين محمد