مقالات وآراء

السعودية ومسلسل الخسائر المتوالية: الى الوراء در..بقلم عبد الحسين شبيب

بحسب الرواية الأخيرة التني قدمها النائب اللبناني سليمان فرنجية في مقابلة تلفزيونية مساء الأحد في العشرين من ايار/ مايو الجاري على قناة “الجديد” اللبنانية، فإن السبب الذي يقف وراء إجهاض المبادرة السعودية ـ السورية المشتركة المشهورة بـالـ “سين ـ سين” لحل الازمة اللبنانية ـ التي نجمت عن تولي سعد الحريري رئاسة الحكومة اللبنانية وادائه غير الناجح في تلك التجربة الاولى في حياته ـ تمثل برفض دمشق الانسياق وراء السعي الحميم للرياض لتنصيب إياد علاوي رئيساً للوزراء في العراق خلفاً لنوري المالكي، وبالتالي تحقيق فوز سياسي كبير يتمثل باخراج اصدقاء ايران من الحكم كما كانت تفكر المملكة، والامساك بزمام الأمور في هذا البلد.

وقد خصصت الرياض مبالغ مالية طائلة في حينه لفوز قائمة علاوي في الانتخابات النيابية، لكن الأغلبية عادت واستقرت لدى التيار الاسلامي بمختلف قواه السياسية الصديقة للجمهورية الاسلامية. رفضت الرياض اليد الايرانية الممدودة للمشاركة ـ تركيا استجابت في حينه لتمرير مصالحها ـ واصرت على الاستئثار، فطار علاوي وفريقه من السلطة وطارت معها المليارات من الدولارات التي انفقت في دعمه، وطارات معهما مبادرة “سين ـ سين” الخاصة بلبنان، ولم يلبث ان طار سعد الحريري ـ وهو جالس في البيت الابيض مع باراك اوباما ـ من الحكومة بعد تقديم عدد من الوزراء استقالاتهم من حكومته، ففقدت النصاب القانوي اللازم لبقائها، وطبعاً ذهبت ادراج الرياح المليار ومئتا مليون دولار التي خصصت خليجياً لدعم الحريري وفريق 14 آذار في الانتخابات النيابية عام 2009 ايضاً. وهكذا انتهت التجربة اللبنانية المماثلة للتجربة العراقية الى خسارة فريق السعودية في بيروت لتؤول امور الحكم الى قوى الثامن من آذار الصديقة لدمشق وطهران.

اليوم سياسة الاخفاق السعودية تسلك مساراً مماثلاً، وتحصد نتائج مماثلة. فثمة ملفات عديدة تشتغل عليها الرياض بطريقة أقل ما يقال فيها انها تفتقد الى المهارة في ادارة الازمات، وسوء تقدير الحسابات، والاخفاق في احتساب الأوزان الحقيقية لللاعبين الرئيسيين على الساحة الاقليمية. وآخر ما يورد في هذا السياق هو الطرح السعودي القاضي بقيام اتحاد مشترك بين المملكتين السعودية والبحرينية لمحاولة احتواء ثورة الأغلبية من الشعب البحريني والتي لم تنل منها كل اساليب القمع الوحشية التي وظفتها سلطات المنامة لاجهاض هذا الحراك مستعينة بـ”قوات درع الجزيرة” وعلى رأسها القوات السعودية.

ويبدو ان هناك قناعة متشكلة لدى قيادتي الرياض والمنامة باستحالة السيطرة على الاوضاع واحباط تحرك غالبية الشعب البحريني عبر حل القمع الامني، فاتجهوا الى الخطوة التالية التي باعتقادهم أنه من الممكن ان تحدث خللاً ديموغرافياً تتحول فيه المعارضة البحرينية من اغلبية الى اقلية بعدما يتم تذويبها في الكيان السعودي.

طبعاً المشروع سقط بسبب موانعه الكثيرة ومنها على سبيل المثال عدم حماسة ـ او بالاحرى رفض ـ اغلبية دول مجلس التعاون الخليجي لهكذا مشاريع ترى انها يمكن ان تستهدفها في المستقبل لتضع جميع الامارات والمشايخ تحت عباءة “الاخ الاكبر” مستفيداً من ظروف سياسية معينة يتم فيها تسويق مقولة “الخطر الايراني” الذي يستدعي من “الاشقاء” الاتحاد.

الاندفاع السعودي لمشروع الاتحاد يعود في شق منه الى القلق المتزايد من صمود الثورة البحرينية واحتمالات اسقاط نظام الحكم في المنامة، لا سيما مع تسجيل السياسة السعودية مزيداً من التراجعات في أكثر من ملف مما قد يؤثر على قدراتها المستقبلية في ابقاء بعض الاوضاع تحت زمامها، فضلاً عن تزايد الانتقادات من بعض العواصم الغربية والمؤسسات الدولية المعنية بحقوق الانسان لما يجري من قمع لما يمكن تسميته بالثورة الشعبية المفرطة في سلميتها، مع اسقاط ورقة “التدخل الايراني في الثورة” التي نعاها تحقيق القاضي الدولي محمد شريف بسيوني. لكن التوجس الاكبر يقع في مكان آخر، حيث احتمال ان يحصل تقارب اميركي ـ ايراني يمكن ان يترجم في مفاوضات مجموعة الخمسة زائد واحد في بغداد هذا الشهر. وهناك من يرى في الرياض ان اي تقارب اميركي ـ اوروبي ـ ايراني سيكون على حساب السعودية ودورها، وهنا تتوجس الرياض من ان تكون ازمة الحكم البحريني إحدى اوراق التسوية التي يمكن ان توضع على طاولة المفاوضات، وفي هذا السياق يعرف السياسيون السعوديون ان الحصانة الحقيقية لهذا الحكم لا تكمن في السعودية بل لدى الاميركيين الذين يقيمون في مقر قيادة الاسطول البحري الخامس في البحرين.

ومع الاخذ بعين الاعتبار استمرار صمود الرئيس بشار الأسد في مواجهة الحملة الغربية ـ التركية ـ السعودية ـ القطرية عليه فإن ذلك يعزز من فرص ذهاب الضخ السياسي والمالي والتسليحي السعودي هباءاً منثوراً في ظل انسداد الأفق امام اي امكانية لإعادة تلاقٍ بين دمشق والرياض من جهة وفي ظل احتمال قبول واشنطن مرغمة بأي تسوية للأزمة السورية يكون فيها الرئيس الأسد جزءاً من الحل، بعدما اسقطت مبادرة كوفي انان فرضية تخليه عن السلطة من أي تداول، وهنا تفيد الاشارة الى اختلاف المقاربة بين الرياض وواشنطن بشأن تسليح المجموعات المسلحة السورية، حيث تندفع المملكة نحو تسليح جنوني دون قواعد او ضوابط، في حين ان واشنطن تعمل على تسليح مدروس ضمن قواعد لا تسمح بتسرب اي من الاسلحة الى ما تصنفه الولايات المتحدة “مجموعات ارهابية” وفي مقدمتها تنظيم القاعدة.

ولعل هذه الاخيرة من اكثر النقاط اثارة للالتباس في المقاربة السعودية للازمات، ففي حين تندفع الرياض الى الانخراط كلياً في الازمة السورية والتشجيع علناً على العنف ضد النظام، أيا يكن ممارسه، بحسب التصريحات الرسمية لا سيما تلك التي يطلقها وزير الخارجية سعود الفيصل، فإن السم المطبوخ لنظام الرئيس الاسد يمكن ان تتجرعه المملكة، فتنظيم القاعدة بات بحسب تصريحات قادته وعلى رأسهم أيمن الظواهري جزءاً اساسياً من العمل العسكري ضد دمشق، وبطريقة وبأخرى بات هؤلاء بحكم المتلقين للدعم السعودي بطريقة غير مباشرة، وفي الوقت نفسه يلاحظ ان الظواهري نفسه اطلق خلال الايام القليلة الماضية نداءاً الى السعوديين دعاهم فيه الى “الانتفاض على أسرة آل سعود الحاكمة فى المملكة”، وحثهم “على الاقتداء بانتفاضة الشعوب العربية ضد حكامها” سائلاً اخوانه الكرام ـ كما جاء في تسجيله الصوتي الذي بث عبر شبكة الانترنت ـ ” لماذا تصبرون على حكم آل سعود وهو من أسوأ أنظمة الحكم فساداً؟ سرق أموالكم وعاث بها فساداً وسلم ثروات المسلمين لأعدائهم بأبخس الأثمان”.

وفي حين لم يعد بالامكان فرز المسلحين السوريين ومعرفة من يوالون وممن يستفيدون ولمن يتبعون، فإن الرياض بهذه السياسة العدائية ضد الرئيس الاسد تغذي “اعداءها المستقبليين” الذين سيرتدون عليها متى أنهوا مهمتهم في سوريا. وهذه الاشكالية نفسها تنطبق على امكانية افادة تنظيم “الاخوان المسلمين” في سوريا من الدعم السعودي ولو بطريقة غير مباشرة ايضاً، وفي المقابل فإن ما بينته الايام القليلة الماضية، أظهر ان الرياض تضع ثقلها لمنع فوز اي مرشح اسلامي برئاسة الجمهورية في مصر، وانها تدعم ترشيح عمرو موسى لهذا المنصب، وهو ما سيثير لاحقاً ازمة بين الاخوان والمملكة، مع التذكير بأن علاقة المملكة بهذا التنظيم لم تكن في يوم من الايام على ما يرام.

الاخفاق الاكثر دراماتيكية الذي يمكن ان ينجم عن السياسة السعودية تجاه الاسلاميين في مصر يتمثل بانعكاسه المحتمل على التحالفات بين مريدي المملكة في لبنان وفي مقدمهم تيار المستقبل وبين المجموعات الاسلامية المرتبطة بالإخوان وغيرهم، وتاثير ذلك على المواجهة السياسية المشتركة بين هذين الطرفين ضد قوى الثامن من آذار الممسكة بالسلطة حالياً في لبنان. واذا تبين ان هناك خيوطاً سعودية في ما تشهده بعض المناطق اللبنانية من اشتباكات ومواجهات مسلحة فإن الفشل الحتمي لمحاولة اسقاط حكومة الرئيس نجيب ميقاتي سيؤدي الى خسارة اضافية لسياسة المملكة في المواجهة التي فتحتها على مصراعيها مع المحور الايراني ـ السوري كما يسمونه.

خلاصة القول ان السعودية اليوم تعيش في وضع لا تحسد عليه، فهي بحسب تقديرات اغلبية الخبراء المختصين بشؤونها مرجحة لأن تشهد حراكاً شعبياً مطالباً باسقاط نظام الحكم فيها، وان الازمة الصامتة ـ والمعلنة احياناً ـ بين أفراد العائلة المالكة تزيد من فرص هذا الحراك. ومن جهة ثانية فإن المملكة محاطة بسياج من القلق الحدودي يبدأ من العراق ويمر بالبحرين ولا ينتهي باليمن، اما انخراطها السلبي في ازمات مصر وسوريا ولبنان فإنه مرجح لكي يقلص من قدرتها على المناورة ويسحب من رصيدها نقاطاً كثيرة هي بامس الحاجة اليها. ولعل الازدواجية في خطابها تجاه الثورات العربية كفيل بتبيان هذا المأزق، اذا لم يفهم التونسيون بعد كيف توازي الرياض بين دعمها للديمقراطية وتوفيرها ملاذاً آمناً لزين العابدين بن علي؟ وكيف تتماهي مع ثورة مصر وهي التي عملت جاهدة لابقاء النظام المصري في ايامه الاخيرة وتضغط بشتى الوسائل لاطلاقه كما يتداول المصريون؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock