الضحية والجاني ليلة البحث عن الحب
بعد الاعتداءات على مئات الألمانيات مؤخرا يجمع معارضو ميركل على أن ألمانيا كانت تترقب اعتداء إرهابيا يهز ميونخ فيما وقعت كيولن ضحية لإرهاب من نوع آخر هو الإرهاب الجنسي.
وفور أن كشفت الشرطة الألمانية عن أن مئات الاعتداءات الجنسية وجرائم السلب ارتكبت ليلة رأس السنة مؤخرا في مدينة كولونيا أو كولن بالألمانية بأيدي “لاجئين عرب وأفارقة في إطار احتفالهم” بالعيد، سارعت بعض الأوساط إلى الإشارة بأصابع الإتهام إلى اللاجئين السوريين حصرا، في محاولة للاصطياد في الماء العكر، مستغلة محنتهم بعد أن أعلنت ألمانيا رسميا أنها ستتيح لهم دون سواهم حق اللجوء والإقامة.
وعلى خلفية ذلك، اعتبر مراقبون أن الاعتداءات التي نفذتها زمر بعينها من اللاجئين، كانت عملا مدبرا للنيل من برلين وضرب الموقف الأوروبي الداعي رسميا إلى استضافة اللاجئن السوريين.
وبصدد هوية المتهمين بهذه الخروقات، فلا بد من التذكير بأنه وبعد إعلان ألمانيا نيتها منح اللجوء لحاملي الجوازات السورية حصرا، أصبح الكثير من اللاجئين على اختلاف مشاربهم، يتقدمون إلى السلطات في ألمانيا وغيرها بجوازات سورية مشكوك في أمرها.
كما يجمع الخبراء على أن الكثير من الوثائق السورية التي يبرزها حاملوها في الدول الأوروبية، إنما هي مزورة ووقعت في أيدي العناصر المشبوهة بعد استيلاء “داعش” على مبان للدولة في سوريا بينها مقار دوائر الهجرة بما فيها من وثائق وجوازات فارغة لا تتطلب سوى إملائها بالإسم المطلوب وإلصاق صورة حاملها عليها، بغض النظر عن هويته الحقيقية.
وبالعودة إلى ما شهدته كولن، فقد أفصحت الشرطة الألمانية مؤخرا عن أنها تلقت منذ الليلة المشؤومة زهاء 500 بلاغ تقدمت بها فتيات ونساء ألمانيات، أفدن فيها بتعرضهن للتحرش الذي بدأ في معظم الحالات بدس الأيدي تحت التنورة أو السروال والمداعبة الفظة، “ليتكلل” بسلب المقتنيات الشخصية وفي مقدمتها الهواتف المحمولة والنقود.
وأكدت الشرطة أنها ضبطت أكواما من الهواتف والمستلزمات النسائية المسروقة في مراكز إيواء اللاجئين في أعقاب الاعتداءات. والحادث “الأبرز” في تلك الليلة حسب مصادر رسمية، أن إحدى ضحايا الاغتصاب والسلب كانت شرطية بالزي المدني، الأمر الذي أثار حفيظة الجهاز الأمني الألماني وأظهر عجزه عن مواجهة الشغب الجماعي.
ووصل اليأس بالمعنيين على خلفية ذلك، إلى تراشق الاتهامات بالمسؤولية عما حدث، فيما اعتبر بعضهم أن التقصير جاء نتيجة لافتقار الشرطة لوسائل الرد المطلوبة، وناجم عن التقليص الذي طال كادر العاملين في سلك الشرطة مؤخرا.
ومما أدهش الجهات المعنية والصحافة الألمانية أيضا، أن بعض المشبوهين بالتورط في هذه الأعمال المشينة، كانوا قد دونوا في سجلات مراكز الإيواء قبل خروجهم إلى الشارع و”الاحتفال” بحلول السنة الجديدة، أن الغاية من وراء المغادرة “المشاركة في الاحتفالات وممارسة الفيكي فيكي”، أي الدعارة أو الجنس.
وفي تفسير ممارسات المتورطين، والتي أرفقوها حسب مصادر صحفية “بقضاء الحاجة” في الشارع مباشرة على الأرصفة وإلى جانب الجدران في ساحة “الفعاليات”، يرى المراقبون أنها إن لم تكن مدبرة، فهي تعكس تصورا خاطئا عن المجتمعات الأوروبية لدى الجناة الذين ربما خيل إليهم أن المرأة في أوروبا إنما توافق على ممارسة الجنس في أي زمان ومكان ومع أي كان.
المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في خضم ذلك، وقعت من جهتها في ورطة لا تحسد عليها، حيث وصل انفلات بعض المشبوهين، وحسب مصادر صحفية وشرطية، إلى تسويغ ما ارتكبوه بأنهم “حلوا ألمانيا بدعوة من ميركل شخصيا، وأنه لن يطالهم أي عقاب على ما فعلوا، فبوسعهم تمزيق الوثائق التي بحوزتهم والحصول على بديل عنها في اليوم التالي فهم سوريون وفي ضيافة المستشارة”.
ومنه، فالمستشارة هي التي استجلبت ذلك لنفسها ولألمانيا، يقول خصومها السياسيون والتيار اليميني المتطرف، الذي طالما حذرها من مغبة استقبال اللاجئين وتشريع أبواب البلاد في وجه القاصي والداني تلبية لإملاءات خارجية وتحقيقا لمصالح سياسية آنية.
فمعارضو ميركل يتساءلون على خلفية ما حدث: هل بلادنا المسؤولة عن مآسي اللاجئين وعواقب الحروب والنزاعات التي تثيرها واشنطن في أنحاء المعمورة، ولماذا يتعين على ألمانيا تسديد ضريبة الفشل الغربي في العراق وشمال إفريقيا وسوريا، وكيف لنا أن نأوي اللاجئين في وقت شبابنا عاطل فيه عن العمل، وحقوق الألمان أصبحت منقوصة في بلادهم؟
كما يرون كذلك أن التدهور الحاصل في العالم لم ينجم إلا عن التدخل الغربي في ليبيا التي أصبحت بوابة العبور الإفريقية إلى أوروبا، وعن أزمة سوريا التي غدت منطلقا للإرهابيين العائدين إلى أوروبا بعباءة اللاجئين.
وفي تحليل لما تقدم، وبالرجوع إلى بدايات مشكلة اللاجئين، تستحضر الذاكرة ما تناقلته وسائل إعلام كثيرة حول تفاني الدول الغربية، وحرص الاتحاد الأوروبي حصرا على استقدام اللاجئين من أين ما جاؤوا وأخذهم في الأحضان واستقبالهم على الرحب والسعة.
وعليه، فالغضب العام يتقد في الشارع الأوروبي، فيما يدأب النازيون الجدد في ألمانيا على استغلال الوضع وإشعال الفتيل، ويعدون للاجئين ما استطاعوا من قوة ومن رباط الخيل، فيما تقف الشرطة الألمانية جدارا متصدعا للفصل ما بين حشود العنصريين، وجموع المدافعين عن اللاجئين لا عن المغتصبين في شوارع كولن وبرلين.
سيريان تلغراف | صفوان أبو حلا