أبو مصعب الزرقاوي و”دوسييفسكي” !
صدرت قبل حين ترجمة عربية لرواية الكاتب الأفغاني، الذي يكتب بالفرنسية، عتيق رحيمي، تحت عنوان “ملعون دوستوفسكي” (وليس دوستويفسكي).
وقد قامت بنقل الرواية من الفرنسية روائية ومترجمة عربية، قالت عنها إحدى وكالات الأنباء إنها “قارئة نهمة تأثرت بالأدب الفرنسي والروسي”. ولم تفوت الوكالة أيضا الفرصة فحولت بدورها اسم دوستويفسكي المسكين إلى “ديستوفيسكي”.
وبالفعل، فإن نطق اسم هذا المفكر الروسي صعب على الكثيرين، غير أنَّه من المضحك أن تتغير أسماء الشخصيات الروسية المعاصرة في وسائل الإعلام العربية (كأن الأسماء الروسية لا تستحق التدقيق)، فيتحول في أكثر من مكان منها الاسم الروسي “دميتري” إلى “ديميتري” اليوناني، و”ليتفينينكو” إلى “ليتيفينيكو”، و”بوليتكوفسكايا” إلى “بوليتيكوفسكيا”، و”بوريس بيريزوفسكي” إلى “بينروبوفسكي”، و”سوبتشاك” إلى “سوتشاك” و”ماشا غيسين” إلى “ماشا جيسين”.. إلخ.
وحتى لو كتب المراسل العربي في موسكو الأسماء صحيحة، فإن رئيس تحرير المطبوعة العربية سيعدلها، لأنه متأكد من أنه أذكى من أي مراسل أو خريج جامعة سوفيتية أو روسية (وما أكثرهم في بلادنا العربية). كيف لا ورؤساء التحرير يجيدون إلى حد ما إما الفرنسية أو الإنجليزية! ولذا يجب برأيهم كتابة الأسماء بالعربية وفقا لما تكتب في هاتين اللغتين.
ولعل ذلك يعود إلى الاستعمار الفكري، الذي لا يزال معششا في أذهان رؤساء التحرير، وإلى دكتاتوريتهم، التي تحدث عنها الشاعر والناقد الأدبي اللبناني بول شاؤول عن عمله مديرا للقسم الثقافي في صحيفة “السفير” في مطلع التسعينيات، وقال إنها أشد وطأة وأقسى من ديكتاتورية الساسة.
ولو اقتصر الأمر على الكتابة الخاطئة للأسماء لهان الأمر، ولكنْ حين تتخذ المواقف السياسية إزاء روسيا على أساس ما يرد في وسائل الإعلام الغربية، التي يقدمها معظم الصحافيين العرب، على أنها مواقف لهم، فذلك أمر نذير بالخطر.
وقد بدا ذلك واضحا أثناء احتدام النزاع في شرق أوكرانيا.
كتب الكاتب السوري ورد كاسوحة في “الأخبار” اللبنانية (11 08 2014) أنه “حتّى «الإعلام العربي»، الذي يخاصم سلطة كييف ويوالي بشكل أو بآخر موسكو، يستخدم تلفيقات وتفاهات من قبيل وصف القوّات، التي انتخبها الشعب لتدافع عنه بـ«الانفصاليين».. يجري حشو هذا اللغو يومياً في الصحف، على أساس أنه منقول عن وكالات أنباء مثل «رويترز» وغيرها. في حين أنّ ما يلزم لتمحيصه والمطابقة بينه وبين الواقع الفعلي في «دونباس» لا يتعدّى دقائق معدودة، إذ يتبيّن فوراً لدى التدقيق فيه أنه منقول بالحرف عن تقارير وتحقيقات ومقالات رأي لكتّاب غربيين يشتغلون كإمّعات لدولهم وكملمّعين لقذارات سلطة كييف.”
وقد اكتسب الأمر بعده الخطير بعد بدء العملية العسكرية الروسية في سوريا.
وأبرز مثال على ضرورة العودة إلى النصوص والمراجع الروسية الأصلية، كان تصريح رئيس القسم السينودوسي السابق للتفاعل بين الكنيسة والمجتمع القُـمُّص الروسي فسيفولود تشابلن بشأن “المعركة المقدسة” ضد الإرهاب في سوريا – وهو التعبير المجازي، الذي جرى تقديمه إلى العرب المسيحيين والمسلمين كدعوة إلى حرب صليبية جديدة. وكان هذا التصريح – القشة، التي قصمت ظهر البعير، حيث أدى في نهاية الأمر إلى فصل تشابلن من عمله.
علما أن ترجمة التعبير المذكور إلى العربية لم تتم من الروسية مباشرة، ما سمح بتحوير النص الأصلي.. إذ إن تشابلن لم يقل إطلاقا إن الكنيسة الروسية أعلنت الحرب المقدسة ضد المسلمين، ولم يتطرق إلى أي جهاد مقدس أو حرب دينية أو حرب مسيحية أو أرثوذكسية.
وعلى الرغم من أن رجل الكنيسة الروسي حذر فيما بعد من تفسير كلامه كدعوة إلى حرب دينية، فإن قطار التحريض الطائفي المقيت لأمر ما كان قد انطلق يهدر بقوة، ولم يعد هناك من مجال لإيقافه.
يقال إن الإرهابي أبا مصعب الزرقاوي، كان يكن عداء خاصا لدوستويفسكي.
ويروي خالد أبو دومة، الذي كان زميلا له في سجن سواقة الأردني، أن “أمير الذباحين” باغته ذات مرة وهو يقرأ رواية “الجريمة والعقاب”، فكان أن حذره من قراءة الأدب الروسي “الإلحادي”، في رسالة تهديد قاسية، كتب فيها اسم مؤلف الرواية هكذا “دوسييفسكي”.
بيد أن الزرقاوي، خلافا للمتعلمين “بتوع المدارس”، لم يحصل إلا على شهادة الثانوية العامة، ولم تسفر طريقة كتابته اسم الفيلسوف الروسي عن أي عواقب سياسية أو اجتماعية.
سيريان تلغراف | حبيب فوعاني