مؤتمر الرياض يصطدم بالفيتو الروسي
رفضت الخارجية الروسية نتائج مؤتمر المعارضة السورية في الرياض بقولها “لا نستطيع الموافقة على محاولة هذه الجماعة احتكار حق التحدث باسم المعارضة السورية بأكملها”.
وكان متوقعا أن تخرج موسكو بهذا التصريح، كون مؤتمر الرياض خرج على التفاهمات، التي تمت في اجتماع “فيينا 2”، ولأنه تجاهل الجهود الدبلوماسية الروسية، التي بدأت منذ نحو عام (منتديا موسكو الأول والثاني)، لتوسيع دائرة المعارضة السورية بحيث تشمل كافة القوى السياسية.
أثار هذان المنتديان مخاوف الدول الإقليمية الداعمة للمعارضة، وكشفا مهارة اللاعب الروسي، فالمنتديان لم يطرحا سقوفا سياسية عالية لا يمكن تنفيذها كما حدث في مؤتمرات المعارضة، وهذا هو سر نجاحه، حيث استطاعا تحقيق هدفين:
الأول: إعادة تحديد موضوعات التفاوض بين الحكومة في دمشق والمعارضة في أية مفاوضات مستقبلية، فلم يعد بالإمكان إعطاء الأولوية للشق السياسي في ظل ما تشهده البلاد، وأية محاولة لتغليب السياسي ستبدو ترفا تفاوضيا لا يستقيم مع الواقع السوري، ولهذا السبب طالب البند الثاني من البنود العشرة، التي تم التوافق عليها في “موسكو 2” المجتمع الدولي بممارسة الضغوط الجدية والفورية على كل الأطراف لتنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بمكافحة الإرهاب، ووقف كل الأعمال الداعمة للإرهاب، من تسهيل مرور الإرهابيين إلى الداخل السوري وتدريبهم وإيوائهم وتمويلهم وتسليحهم.
الثاني: إعادة رسم جديد للمعارضة، وكسر عملية احتكار الائتلاف لتمثيل المعارضة، من خلال إدخال قوى جديدة في جسد المعارضة، (الجبهة للتغيير والتحرير، هيئة العمل الوطني، الجبهة السورية، حركة التجمع العددي، حزب الشباب السوري، المؤتمر الوطني السوري، فضلا عن شخصيات ممثلة للمجتمع المدني والعشائر).
وبدا واضحا منذ ذاك أن القوى الإقليمية الداعمة للمعارضة السورية ستعمل على منع موسكو من تحقيق أهدافها، وطرح لأجل ذلك فكرة عقد مؤتمر للمعارضة السورية في الرياض ردا على موسكو أولا ثم القاهرة ثانيا، التي استضافت اجتماعين للمعارضة، لكن بعض التباينات بين الرياض والدوحة وأنقرة أجلت انعقاد المؤتمر إلى أجل غير مسمى.
ويرفض المثلث الإقليمي ممثلا بالسعودية وقطر وتركيا الأفكار الروسية في سوريا، في حين ترفض روسيا مخططات هذه الدول الرامية إلى إسقاط نظام الحكم في سوريا بغض النظر عن النتائج، التي قد تترتب على ذلك، في وقت تتفق واشنطن مع موسكو على آلية الحل في سوريا بشقيها السياسي والعسكري، فيما تتفق مع حلفائها الإقليميين على الشكل النهائي للتسوية السورية، أي مستقبل سوريا ما بعد الأزمة.
غير أن الواقع السوري والواقع الدولي لا يسمحان باعتماد نتائج مؤتمر الرياض خصوصا فيما يتعلق بعملية تمثيل المعارضة، وتصريح وزير الخارجية الأمريكي لا لبس فيه، حين قال إن “بعض المسائل وتحديدا نقطتين في مؤتمر الرياض بحاجة إلى معالجة.. وأنا واثق أنها ستعالج”، وبالمقابل لا يسمح الواقع السوري والدولي باعتماد مخرجات منتدى “موسكو 2” لجهة تمثيل المعارضة في ظل غياب الائتلاف عنه.
ومن المتوقع أن تتم تسوية مسألة التمثيل باتفاق روسي ـ أمريكي، بحيث يتم توسيع وفد المعارضة ليشمل قوى، مثل جبهة التغيير والتحرير، التي يتزعمها قدري جميل، وقوى أخرى يجب حضورها مثل تيار قمح بزعامة هيثم مناع، الذي يحظى بدعم مصري، والاتحاد الديمقراطي الكردي.
وأغلب الظن أنه سيتم استبعاد القوى السياسي القريبة جدا من الحكومة السورية من وفد المعارضة لمفاوضات جنيف المقبلة (حزب الشعب، حزب التضامن، حزب التنمية، حزب الشباب الوطني للعدالة والتنمية، التجمع الأهلي الديمقراطي للكرد السوريين، تيار سلام ومجد سوريا، هيئة العمل الوطني الديمقراطي).
هذه المسألة ستكون محور مباحثات “مجموعة أصدقاء سوريا” غدا والوزيرين لافروف وكيري الثلاثاء المقبل في موسكو، ولعل إعلان الخارجية الروسية موقفها من مؤتمر الرياض وإطلاق هجوم على الدول الغربية عشية هذين اللقاءين يحمل رسالة سياسية للولايات المتحدة، بضرورة العودة على تفاهمات فيينا، وإلا فإن المسار السياسي الدولي بمجمله سيتعرض للانهيار، وهو ما لا تريده واشنطن، التي تعول كثيرا على موسكو لإنجاح هذا المسار.
سيريان تلغراف | حسين محمد
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)