سورية .. حروب المؤتمرات
منذ اتفاق “فيينا 2” الشهر الماضي على ضرورة تشكيل وفد موحد للمعارضة السورية، بدا واضحا أن ثمة اصطفافات إقليمية ـ دولية لتحديد ماهية المعارضة بما تنسجم مع مصالح هذه الدول.
وجاء مؤتمر الرياض الذي يعتبر الأوسع للمعارضة منذ بدء الأزمة السورية ليموضع هذه الاصطفافات بشكل حاد، بعد استبعاد قوى كردية سياسية وعسكرية (الاتحاد الديمقراطي الكردي، وحدات حماية الشعب الكردي، قوات سوريا الديمقراطية التي تضم قوى عسكرية عربية)، في رد واضح على الجهود الروسية التي بدأت مطلع العام الجري لتوسيع مكونات المعارضة السورية بحيث تشمل قوى أخرى، وإن كان بعضها مقربا من الحكومة في دمشق.
الخطوة السعودية، استجلبت ردا سريعا من داخل سوريا، عبر مؤتمرين لقوى سياسي وعسكرية، الأول في بلدة ديريك في محافظة الحسكة ضمن ما سمّي بـ “مؤتمر رميلان” أو مؤتمر “سوريا الديمقراطية”، ويضم (القوى السياسية في الإدارة الذاتية الديمقراطية، كتلة أحزاب المرجعية السياسية الكردية، تيار قمح الذي يتزعمه هيثم مناع، تجمع عهد الكرامة والحقوق، التحالف الديمقراطي الوطني السوري)، والثاني مؤتمر دمشق الذي يضم (هيئة العمل الوطني الديمقراطي، حزب التضامن، حزب سوريا الوطن، حزب الشباب الوطني السوري، حزب الشباب للعدالة والتنمية).
يأتي هذان المؤتمران كرد واضح على مؤتمر الرياض وما سيخرج به من وفد مفاوض موحد، وبدت تصريحات المجتمعين في المؤتمرين السوريين واضحة حيال ذلك.
بالنسبة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، فإن عدم دعوتهم لحضور مؤتمر الرياض يشكل رفضا للمطالب الكردية في سوريا (الفدرالية)، فضلا عن عدم إشراكهم في صنع المستقبل السياسي لسوريا، خصوصا أن الأكراد يشكلون رأس الحربة في محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”، وبدأوا مؤخرا بتشكيل قوى عسكرية مع قوى عربية في الشمال والشمال الشرقي لسوريا، ولذلك يتجه مؤتمر الحسكة إلى تشكيل كيان سياسي موحد يغلب عليه المكون الكردي، وربما يكون هذا الكيان على حساب مشاركة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في هيئة التنسيق لعدم إصرار الأخيرة على مشاركة الحزب في مؤتمر الرياض.
إضافة إلى ذلك، ترفض القوى المشاركة في المؤتمر طروحات الرياض والدوحة وأنقرة حول طبيعة المرحلة الانتقالية ودور الأسد فيها، فقد أعلن صالح مسلم رئيس الاتحاد الديمقراطي الكردي مؤخرا أن “سقوط بشار الأسد سيعرض مليوني علوي إلى المجازر”.
أما بالنسبة لمؤتمر دمشق “صوت الداخل”، فهو يأتي لقطع الطريق على محاولات السعودية تشكيل وفد من المعارضة بمقاييسها، وستكون مهمته تشكيل وفد لمفاوضات جنيف المقبلة ترفع اسماؤهم إلى المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، بحيث يكونوا جزءا من وفد المعارضة الذي سيتم اعتماده من قبل المجتمع الدولي، وخصوصا من قبل موسكو وواشنطن.
ولن يخرج هذا المؤتمر في نتائجه عن مقررات مؤتمر دمشق الذي عقد في 22 شباط / فبراير الماضي وضم (حزب الشعب، حزب التضامن، حزب التنمية، حزب الشباب الوطني للعدالة والتنمية، التجمع الأهلي الديمقراطي للكرد السوريين، تيار سلام ومجد سورية)، حيث تمخض الاجتماع آنذاك عن ورقة سميت باسم “مبادئ دمشق للحل السياسي، توافقات الحد الأدنى” تدعو إلى اتخاذ موقف مسؤول عبر الانخراط في مسار سياسي تفاوضي يحمل تنازلات مؤلمة من الجميع، برعاية الدول المعنية بالأزمة السورية، ويفضي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية ائتلافية تشارك فيها السلطة والمعارضة، تعمل على تنفيذ الحل السياسي عبر آليات متوافق عليها وأهمها الحوار الوطني.
وإذا كان اجتماع دمشق السابق لم يتطرق إلى مسألة الأسد لا على مستوى المرحلة الانتقالية ولا على مستوى المرحلة التي تليها، ولم تتطرق إلى طبيعة المرحلة الانتقالية وحدود الصلاحيات الموكلة للحكومة الانتقالية، فإن المؤتمر الحالي سيحدد موقفه من هاتين القضيتين: مصير الأسد متعلق بالسوريين أنفسهم، والمرحلة الانتقالية ستكون بمشاركة نظام الحكم مع القوى المعارضة الداخلية، مع إمكانية مشاركة قوى من الخارج تنسجم مع القوى الداخلية.
بكل الأحول يهدف المؤتمران السوريان إلى تحقيق هدفين اثنين:
1ـ إعادة تحديد موضوعات التفاوض بين دمشق والمعارضة في أية مفاوضات مستقبلية، فلم يعد بالإمكان إعطاء الأولوية للشقّ السياسي في ظل ما تشهده البلاد، وأية محاولة لتغليب السياسي ستبدو ترفا تفاوضيا لا يستقيم مع الواقع السوري، وفي هذا انسجام مع البند الثاني من البنود العشرة التي تم التوافق عليها في “موسكو 2″، مطالبة المجتمع الدولي بممارسة الضغوط الجدية والفورية على كل الأطراف لتنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بمكافحة الإرهاب، ووقف كل الأعمال الداعمة للإرهاب، من تسهيل مرور الإرهابيين إلى الداخل السوري وتدريبهم وإيوائهم وتمويلهم وتسليحهم.
2ـ إعادة رسم جديد للمعارضة، وكسر عملية احتكار الائتلاف لتمثيل المعارضة، من خلال إدخال قوى وحركات جديدة في جسد المعارضة.
ويبدو من سياق التحركات الروسية ـ الأمريكية أن وفد المعارضة السورية لمفاوضات جنيف المقبل لن يقتصر على الأطروحة السعودية وحدها، كما لن يقتصر على أطروحة المؤتمرين السوريين وحدهما، وعلى الأغلب سيتم اعتماد وفد، أساسه مؤتمر السعودية بسبب وجود القوى السياسية الرئيسية، مع إدخال قوى جديدة استبعدتهم الرياض بحيث يحصل وفد المعارضة على قبول دولي.
فالولايات المتحدة غير راضية على مؤتمر الرياض، ليس بسبب استبعاده بعض القوى فحسب، بل أيضا بسبب السقف السياسي المطروح، وهو سقف يخالف ما تم التفاهم عليه في اجتماع فيينا (مصير الأسد، المرحلة الانتقالية)، لا سيما بين موسكو وواشنطن، وحظي بقبول بعض الدول الأوروبية.
والحقيقة أن الانقسام الحاد بين الدول الإقليمية والدولية على تحديد ماهية الوفد المفاوض للمعارضة يعكس الاستقطاب والهوة الكبيرة بين الفرقاء حول طبيعة الحل السياسي في سوريا.
سيريان تلغراف | حسين محمد