لماذا دمرت إسرائيل سفينة التجسس الأمريكية في عدوان 1967 ؟
يمكن وصف هذه الحادثة بأنها أحلك صفحة في تاريخ العلاقات “الحميمة” بين إسرائيل والولايات المتحدة، ففيها قتل 34 بحارا وجرح 174 آخرين عدا الإهانة التي لحقت بواشنطن.
حدث ذلك في 8 يوليو عام 1967، أثناء ما يعرف بحرب الأيام الستة. حينها هاجمت الطائرات الحربية الإسرائيلية سفينة التجسس الأمريكية “USS Liberty” أثناء وجودها في المياه الدولية بالبحر المتوسط، على بعد 15 ميلا قبالة سواحل شبه جزيرة سيناء.
وتتميز تفاصيل واقعة الهجوم الجوي الإسرائيلي على السفينة الأمريكية “يو إس إس ليبرتي” بغرابتها وعنفها، إذ راقبت الطائرات الحربية الإسرائيلية سفينة حليفتها الأولى على مدار 8 ساعات، وحلقت 9 مرات فوقها على ارتفاع 80 مترا. ويصف الخبراء العسكريون هذه المسافة بأنها كافية كي يرى كل طرف الآخر ويُلوح له بيديه محييا في مثل هذه الحالة التي يلتقي فيها عسكريو حليفتين.
إلا أن الطائرات الإسرائيلية عوضا عن إرسال إشارات التحايا إلى السفينة الحربية الأمريكية، أرسلت إليها حمما من الصواريخ وقذائف المدفعية والطوربيدات والنابالم، ما أدى إلى مقتل 34 بحارا أمريكيا وإصابة 174 آخرين.
تواصل الهجوم الإسرائيلي على السفينة “USS Liberty” لمدة ساعتين وهي المدة ذاتها التي استغرقها الهجوم الجوي الياباني على الأسطول الأمريكي في بيرل هاربر في الحرب العالمية الثانية!
واشتركت في هذا الهجوم الصاعق 12 طائرة إسرائيلية من طراز ميراج مستخدمة قنابل النابالم الحارقة ومدافع من عيار 30 مللم اخترقت هيكل السفينة الأمريكية الحربية في 821 موضع!
لم ينته الأمر عند هذا الحد، ففي أعقاب الضربات الجوية، دخلت زوارق حربية إسرائيلية إلى ساحة الهجوم وأرسلت 5 طوربيدات باتجاه سفينة “الحرية” الأمريكية، اخترقها أحدها وأودى بحياة 25 من أفراد طاقمها، ثم فتحت عليها نيران مدافعها الرشاشة، وتبين فيما بعد أن أكثر من 3000 رصاصة أصابت هيكلها.
اعتقد البحارة الأمريكيون بعد دقائق من الهدوء أن الهجوم انتهى، فأنزلوا 3 قوارب إنقاذ إلى الماء لإجلاء المصابين بجروح خطيرة، إلا أن الزوارق الإسرائيلية عادت وفتحت عليها النار من مسافة قريبة، ثم حلقت طائرتان مروحيتان إسرائيلتان فوق السفينة الأمريكية المصابة لعدة دقائق قبل أن تختفي من دون أن ترد على نداءات البحارة الأمريكيين.
لحسن حظ طاقم السفينة الأمريكية، أنهم تمكنوا بصعوبة بالغة من إرسال إشارة استغاثة إلى سفن الأسطول السادس بالمتوسط قبل أن تتمكن القوات الجوية والبحرية الإسرائيلية من إغراق السفينة “USS Liberty” وقتل جميع أفرادها، إذ أن الطيارين الإسرائيليين أصابوا السفينة الأمريكية بالصمم بعد التشويش على معدات اتصالاتها لمنعها من طلب النجدة.
حاولت تل أبيب في البداية التنصل من الهجوم واتهام مصر في الحادثة، وحين لم يتأتى لها ذلك قالت إن الهجوم جاء بالخطأ وأن قواتها كانت تستهدف السفينة الحربية المصرية “القصير” التي بنيت في عشرينيات القرن العشرين، والأقل حجما من السفينة الأمريكية أربع مرات، وغير المسلحة والمختلفة في الشكل تماما عن السفينة الأمريكية!.
ترك الإسرائيليون السفينة “يو إس إس ليبرتي” لحالها بعد أن تحولت إلى كتلة من النيران والدخان وقتل وجرح ثلثا طاقمها، وبعد ساعة تقريبا عادت السفن الحربية الإسرائيلية لتسأل البحارة الأمريكيين عما إذا كانوا في حاجة إلى المساعدة!
رفض البحارة الأمريكيون المساعدة الإسرائيلية، وبقوا فوق حطام سفينتهم 16 ساعة إلى أن اقتربت مدمرتان أمريكيتان، وأجلت الطاقم الذي أمر بالتزام الصمت وعدم الحديث عن الهجوم مع أي كان.
لفلفت واشنطن القضية بسرعة وأجبرت عسكرييها وسياسييها على ابتلاع أعذار إسرائيل الواهية بشأن الهجوم، وقبلت تعويضا هزيلا مقداره 6 مليون دولار عن قتلاها، ولا شك أن الإسرائيليين استردوه لاحقا أضعافا مضاعفة من الولايات المتحدة.
ويبقى السؤال عالقا، لماذا تقصدت إسرائيل الهجوم على سفينة التجسس الأمريكية في طقس صحو، وقد رفعت العلم الأمريكي للمرة الثانية وبحجم أكبر، بعد حرق الأول، ناهيك عن صرخات طاقمها عبر اللاسلكي وبكل الوسائل؟
على الرغم من تعدد الروايات بهذا الشأن إلا أن المرجح أن تل أبيب أرادت التخلص من السفينة “USS Liberty” كي لا تعلم واشنطن حجم نهمها للاستيلاء على الأراضي العربية من عدوانها في حرب الأيام الستة، إضافة إلى منع رصد جرائم الإعدام الجماعي التي ارتكبت بحق الأسرى المصريين في سيناء.
في اليوم التالي للهجوم على السفينة “يو إس إس ليبرتي” بدأ الهجوم الإسرائيلي على سوريا والذي أسفر عن احتلالها لهضبة الجولان بعد قطاع غزة وسيناء والضفة الغربية. عدد من الخبراء العسكريون يؤكدون أن تخلص إسرائيل من سفينة التجسس الأمريكية مكنها بسهولة من تبرير عدوانها على سوريا بالقول إن دمشق هي من بدأت بالهجوم.
سيريان تلغراف | محمد الطاهر