مقالات وآراء

التحالف التركي – الأمريكي في سوريا إلى أين ؟

يصل مستوى الصراع الذي تشهده الأرض السورية مرحلة جديدة بإعلان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أن بلاده ستبدأ عملية مع تركيا لتأمين حدود شمال سوريا، بعد إغلاق 75 % منها.

والمنطقة المقصودة في تصريحات كيري هي منطقة جرابلس الحدودية التي تمتد بين مدينتي عين العرب (كوباني) واعزاز الخاضعة لسيطرة “داعش”، وتشكل هذه المنطقة الشريان الرئيسي للتنظيم للاتصال بالعالم الخارجي، ومن شأن السيطرة عليها توجيه ضربة قوية للتنظيم.

ووفق الناطق باسم ما يعرف بـ”قوات سوريا الديمقراطية” طلال سلو، فإن الهدف المنشود هو ربط مدينتي عين العرب (كوباني) وعفرين في ريف حلب الشمالي.

أوباما-وأردوغان-خلال-قمة-العشرين

غير أن المسألة تتجاوز “داعش”، وبعبارة أخرى لا يمكن للتفاهم التركي – الأمريكي أن يصل إلى هذه المرحلة بعد سنوات من الأخذ والرد، من دون أن تكون هناك صفقة بين البلدين، بدت ملامحها مؤخرا وفق تسريبات إعلامية: إلغاء تركيا بضغط من الناتو صفقة صواريخ مع الصين أولا، وتصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو قبل أيام حول الاقتراب من عملية عسكرية برية في سوريا ثانيا، السماح للتحالف الدولي باستخدام كافة القواعد العسكرية في تركيا ثالثا.

من الواضح أن صفقة قد عقدت بين أنقرة وواشنطن، تقبل تركيا بموجبها باستراتيجية التحالف الدولي، ولاسيما الولايات المتحدة، في سوريا، أي أن تتنازل تركيا عن شرطها المسبق الذي يربط محاربة “داعش” بإسقاط الرئيس السوري، مقابل موافقة الولايات المتحدة على المطلب التركي الخاص بمنع الأكراد من السيطرة على منطقة شمال سوريا وتحويلها لنواة حكم ذاتي.

هذه الصفقة هي نتاج طبيعي بعيد العملية العسكرية الروسية في سوريا، وخصوصا في ريف حلب الذي بدأ الجيش السوري وداعميه بإحراز إنجازات مهمة فيه بفعل الغطاء الجوي الروسي، لتتحول حلب والشمال السوري بشكل عام إلى ساحة صراع كبرى، يحاول كل طرف فيها السيطرة على أكبر قدر ممكن من الأراضي.

تلاقت المصالح الأمريكية – التركية إذن، فواشنطن لا تريد أن يسيطر الجيش السوري المدعوم من روسيا على المناطق التي ستحرر من “داعش”، ولا أن تسيطر “جبهة النصرة” عليها، وأنقرة لا تريد أن يسيطر الأكراد عليها، ولذلك جاء تشكيل “قوات سوريا الديمقراطية” و “جيش سوريا الجديد” لتأمين هذه المهمة، فهذه القوات تحقق الهدفين التركي والأمريكي معا، وفي محاولة أمريكية لتطمين الأتراك أكثر انضمت ستة فصائل عربية جديدة ضمن تحالف “قوات سوريا الديمقراطية” (الفرقة 30، لواء شهداء إدلب، اللواء 99 مشاة، لواء 455 مهام خاصة، لواء السلاجقة).

المنطقة الآمنة

تأتي العملية المرتقبة وسط وغرب سوريا على الحدود التركية استكمالا للعملية التي بدأت بتحرير بلدة الهول شرق الحسكة وسنجار غرب الموصل، وغايتهما ربط الحدود السورية – العراقية والسورية – التركية تحت إشراف القوات الكردية – العربية، بدعم من التحالف الدولي.

لكن هذه المنطقة الواسعة تتطلب للحفاظ عليها وجود قوات أكبر وأقوى من الفصيلين الجديدين (قوات سوريا الديمقراطية، جيش سوريا الجديد) في ظل انتشار فصائل ذات وزن عسكري قوي (داعش، النصرة، أحرار الشام.. إلخ).

وتخشى الولايات المتحدة وتركيا أن تتحول هذه المنطقة إلى هدف لباقي الفصائل، وهو ما بدت ملامحه بالظهور، حيث بدأت “جبهة النصرة” بتكثيف قواتها في محيط عفرين، وليس تصريح الناطق باسم “قوات سوريا الديمقراطية” طلال سلو عفويا، حين قال إن الهدف الحالي ليس الهجوم على النصرة و”جيش الفتح”، الأمر الذي يؤكد أن الجانبين يقفان على جبهتين متعارضتين.

القسمة الأمريكية – التركية تقوم على النحو التالي: “وحدات حماية الشعب الكردي” تسيطر على المناطق الشمالية الشرقية من سوريا، على أن تكون المنطقة الوسطى في الشمال الممتدة من عين العرب – كوباني نحو عفرين تحت سيطرة قوات عربية وكردية، مع منع “وحدات حماية الشعب الكردي” من التمدد شرق عين العرب (كوباني)، ليبقى تواجدهم الرئيسي إلى الشمال الشرقي من سوريا.

وتحاول أنقرة في هذا الصدد إعادة طرح فكرة المنطقة الآمنة بعيد تصريحات غربية عن إمكانية فرض منطقة حظر جوي، وهو ما عبر عنه أردوغان عندما قال: “يجب الإسراع نحو طرق الحل في سوريا، ولا سيما إنشاء منطقة عازلة خالية من الإرهاب”، إلا أن إقامة المنطقة الآمنة تصطدم بثلاث عقبات:

  1. رفض أمريكي عبر عنه الرئيس الأمريكي باراك أوباما في قمة العشرين، بقوله إن “بلاده تعتبر إنشاء منطقة أمنة أو منطقة حظر طيران في سوريا، أمرا خطرا بالنسبة لأهداف أمريكا، ذلك أن إنشاء مثل هكذا منطقة يتطلب وجود قوات برية أيضا، وأمريكا لا تريد تكرار الأحداث السابقة، ومن الخطأ إرسال قوات برية إلى الشرق الأوسط لمحاربة الإرهاب”.
  2. رفض روسي، حيث أعلن مسؤولون روس أكثر من مرة رفضهم إقامة منطقة آمنة شمالي سوريا، وأنهم لن يسمحوا بإقامتها.
  3. تحفظ تركي، حيث ترفض المؤسسة العسكرية التركية إقامة منطقة آمنة شمالي سوريا، لما سترتب عليه من دخول عسكري تركي مباشر في سوريا، لن يكون في صالحها، وذهبت التحفظات إلى أبعد من ذلك، إذ حذرت شخصيات تركية من انخراط الحكومة في عمليات عسكرية برية ضد “داعش” خوفا من قيام الأخيرة بعمليات عسكرية داخل تركيا.

سيريان تلغراف | حسين محمد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock