مقالات وآراء

واشنطن تجهز لصد حرب نووية قد تشنها ضدها موسكو

كشف وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر عن أن بلاده “تستثمر” في تطوير التكنولوجيا بما يخدم مواجهة خطر “روسيا التي تقعقع سلاحها النووي”.

وفي منتدى عسكري في مكتبة رونالد ريغين السبت 7 نوفمبر/تشرين الثاني حول ماهية الرد الأمريكي على احتمال استخدام روسيا السلاح النووي ضد بلاده قال: “نواصل الاستثمار في التكنولوجيات الملائمة لصد الاستفزازات الروسية. ونعمل على تطوير منظومات الطيران بلا طيار، والقاذفات الاستراتيجية الجديدة، إضافة الى الابتكارات التكنولوجية على غرار تقنيات ريلغان للإطلاق الكهرطيسي، ومنظومات الحرب الإلكترونية الجديدة. كما نعكف على التوظيف في تطوير التكنولوجيا الفضائية والفضاء المعلوماتي، ناهيك عن جملة أخرى من الابتكاريات التي لا يسعني الإفصاح عنها”.

قاذفة-استراتيجية-أمريكية

وعليه، فبالنظر إلى تصريحات وزير الدفاع الأمريكي، والتطورات الأخيرة على الساحة الدولية والنهضة الجيوسياسية الروسية، يبدو منها أنها ليست إلا تلويحا بالأذرع، وهزا متأخرا للأكتاف بعد انقضاء العراك.

يؤكد كارتر أن بلاده ستوظف وتستثمر لصد الخطر الروسي المحتمل، فيما يتبادر استنادا إلى هذا الطرح سؤال بسيط وعاجل، هل الولايات المتحدة تفتقر لمثل هذه التوظيفات والتكنولوجيا والسلاح، وإذا كان لديها كل ذلك فما الذي منعها من صد خطر روسيا المفترض قبل أن يكبر ويرتسم على الأرض، أو ما الذي منعها عن التوظيف في ذلك منذ مطلع الألفية وبزوغ فجر العودة الروسية واستفاقة الدب من سباته؟

لا يمكن من تصريحات الوزير الأمريكي إلا استشفاف الخيبة، وضعف البصيرة والاستهتار بعقول الأمريكيين وحلفائهم لاستجرار تريليونات إضافية منهم لتمويل حروب كالمعارك التي خاضها الدون كيشوت في وجه طواحين الهواء.

الولايات المتحدة تتذمر من دور روسيا وتسند إليها الاتهامات جزافا، وتذكرها على ألسنة أوباما وكارتر وكيري وماكين بأنها انتهكت سيادة جورجيا وأوكرانيا، وأخيرا صارت تصب الزيت في نار الحرب “الأهلية” السورية.

ففيما تواصل جوقة الحرب الأمريكية الصراخ بعالي صوتها لتقطع بذلك أي صوت آخر، وتذهل الناس بأدائها وقدراتها الجبارة على ردع روسيا مسخرة ما أوتيت من طاقات في ذلك، تتجاهل أن واشنطن وإداراتها المتعاقبة دأبت بلا كلل منذ زوال الاتحاد السوفيتي على تطويق روسيا وجعلها “دولة إقليمية” وحرمانها صفة الدولة العظمى ودورها الذي رسخته بجدارة، وسطرته عبر التاريخ بزنود أبنائها ممن دافعوا عن حياضها في وجه الغزاة بدءا من التتار والمغول وممالك السويد واسكندنافيا وصولا إلى نابليون وهتلر.

وتتعامى هذه الجوقة حينما تتحدث عن انتهاك موسكو السيادة الجورجية عن أنها هي التي جاءت بساكاشفيلي إلى كرسي الرئاسة من رحم ثورة مخملية مستوردة خلصت إلى إشعاله حربا عدوانية ضد المدنيين في أراضي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، انتهت برد روسي حاسم دحر قواته وخلص الى اعتراف موسكو بهما جمهوريتين مستقلتين.

فالغاية من وراء الأخذ بيد ساكاشفيلي والمجيئ به إلى قصر الرئاسة كانت تندرج كذلك في إطار “تطويق” روسيا ببلدان “ناتوية”، مما أرغم موسكو على الرد دون تفكير.

وأوكرانيا التي تسعى هذه الجوقة كذلك إلى إلصاق تهمة معاناتها الاقتصادية والاجتماعية والسيادية بروسيا، فما كان لها أن تصل إلى ما وصلت إليه لولا التحرش الأمريكي بها وبشؤونها الداخلية الذي استمر منذ استقلالها عن الاتحاد السوفيتي ونيل سيادتها الوطنية بعلاقات مميزة مع روسيا.

أوكرانيا طوال عقدين ونيف ما كانت تخرج من انتخابات حتى تخوض أخرى، إلى أن انقسمت على نفسها بعد الخيار الصعب الذي وضعته أمامها بروكسل ما بين اتفاقية الانتساب الى الاتحاد الأوروبي، والاحتفاظ بالامتيازات الاقتصادية الروسية. وكل ذلك أيضا من أجل الزحف ببراثن الناتو نحو روسيا وحرمانها من وجودها التاريخي والأزلي في قاعدة سيفاستوبول البحرية في القرم، التي هي أصلا أرض روسية ألحقت بأوكرانيا إداريا في عهد الاتحاد السوفيتي.

أما “التهمة الأخيرة وليست الآخرة التي تلصقها الجوقة بروسيا، فكانت “صب الزيت في نار الأزمة السورية” التي كذلك، ما كان لها أن تستمر لولا التدخل الأمريكي وتفريخ صنوف وأشكال مختلفة من المسلحين والمعارضين بين معتدلين ومتشددين، وأخيار وأشرار لقلب “النظام السوري الذي أمعن في تقتيل شعبه وتدمير البنى التحتية لبلاده وشرد وهجر مواطنيه”.

ومن جميع ما تقدم، كيف لوزير الدفاع الأمريكي أن يستخف بالعالم بأسره، ويطلق تصريحات التهديد والوعيد، ويلوح بسيف صدئ وترس عتيق يعود لعقلية الحرب الباردة، ويؤكد أنه سيخترع ويبتكر أسلحة فوق العادة لا يقوى أحد على مقارعتها.

الواقع حتى الآن، يحكي تراجع الولايات المتحدة أمام المد الروسي طيلة أكثر من عقد من الزمن، كما يجمع الخبراء العسكريون على انعدام الجدوى التقنية لأي منظومات أمريكية خارقة، نظرا لما يتوفر لدى روسيا من إمكانيات الرد المناسب بالجودة المطلوبة وبكلفة مقبولة. لا جدوى، تقول موسكو، من محاولات “التطويق” هذه، بينما ينكسر الطوق كل مرة، وترسم روسيا بالفعل لا بالقول واقعا جديدا في أوراسيا والشرق الأوسط.

سيريان تلغراف | صفوان أبو حلا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock