مباحثات فيينا .. “أفكار جديدة تستحق البحث” ومركزية مستقبل الأسد
شكل اجتماع فيينا الذي جمع وزراء خارجية روسيا وأمريكا والسعودية وتركيا تطورا مهما على صعيد تحريك المياه السياسية السورية الراكدة، وأسس لحراك دبلوماسي قد يدفع في نهاية المطاف للحل.
فلأول مرة يجري التفاهم على عقد اجتماع موسع يضم أطراف الأزمة الإقليميين والدوليين معا، حيث من المفترض أن يعقد الاجتماع الموسع يوم الجمعة المقبل، إذ تريد موسكو أن تنضم إليه إيران ومصر.
ويشكل حضور إيران ومصر توازنا في الاجتماع في ظل حضور دولتين رئيسيتين داعمتين للمعارضة السورية (تركيا، السعودية)، وبالرغم من أن الولايات المتحدة لم تتحدث عن إشراك إيران في المباحثات، فإن تصريح كيري بأن المشاركين في الاجتماع اتفقوا على التشاور مع كل الأطراف، يشير إلى أن طهران قد تكون على طاولة الاجتماع المقبل، وهو المطلب الذي أكدته موسكو.
من المفترض أن يشكل اجتماع فيينا قاعدة تفاهمات إقليمية ودولية حيال التسوية السورية، على الرغم من الخلافات الكبيرة الباقية بشأن مصير الأسد، لافروف يقول إن “المشاركين في الاجتماع اتفقوا على شكل الدعم الخارجي للعملية السياسية”، وكيري يؤكد أن “الاجتماع أثمر أفكارا قد تغير مسار ما يجري في سوريا”، ويبدو من هذين التصريحين أن تفاهما مبدئا جرى في اجتماع فيينا، يتجاوز التفاهمات العادية المتفق عليها (محاربة الإرهاب، الحفاظ على مؤسسات الدولة، والحفاظ على سوريا كدولة موحدة وعلمانية).
لم يفصح الجانبان الأمريكي والروسي عن طبيعة التفاهمات التي تمت، لكن التصريحات الإقليمية والدولية التي سبقت اجتماع فيينا، تشير إلى أن الطرح الروسي حيال تشكيل حكومة وحدة وطنية بين أطراف معارضة معينة والحكومة السورية، كمقدمة للانتقال إلى مرحلة انتقالية في وقت لاحق، قد يكون هو ما تم التوافق عليه.
وعند هذه النقطة حصل التباين السعودي – التركي مع موسكو، إذ ترفض الأخيرة الحديث عن مرحلة انتقالية الآن، لسببين رئيسيين:
1ـ الأولوية الآن لمحاربة الإرهاب، إذ لا يمكن البدء بمرحلة انتقالية وماتزال عملية محاربة الإرهاب في بدايتها، ولم تعرف نتائجها بعد.
2ـ عدم رغبة أي معارضة مسلحة معتدلة بالمشاركة في المرحلة الانتقالية، وكان دميتري بيسكوف الناطق الصحفي باسم الرئيس الروسي واضحا حين أعلن أن “موسكو بالرغم من جهودها المكثفة لإيجاد قوى معارضة في سوريا يمكن التعاون معها في مكافحة الإرهاب، فإنها لم تتمكن حتى الآن من تحديد أية قوة بناءة”.
وجاء تصريح بيسكوف في معرض رد الكرملين على ما تداولته وسائل الإعلام من أن تركيا وربما السعودية على استعداد لقبول مرحلة انتقالية في سوريا مدتها 6 أشهر يبقى خلالها الأسد في السلطة، شريطة وجود ضمانات على رحيله في نهاية المرحلة، ما يعني أن القيادة الروسية ترفض الحديث عن مرحلة انتقالية بحسب مجموعة العمل الدولية (جنيف) قبل تهيئة الشروط الميدانية، ومنها المعارضة المعتدلة.
وربما تشكل هذه النقطة (المعارضة المعتدلة) أحد التفاهمات المبدئية التي جرت في فيينا، وتصريح كيري من أن الاجتماع أثمر أفكارا قد تغير مسار ما يجري في سوريا، لا يشير بالتأكيد إلى المستوى السياسي حيث العاصمتان الروسية والأمريكية متفقتان على الخطوط العريضة، وحتى الأطراف الإقليمية أيضا بحسب الوزير السعودي، الذي أعلن اتفاقاً “على العمل من أجل سلامة ووحدة الأراضي السورية، وأن تكون سوريا دولة ديمقراطية، يتساوى فيها السوريون في الحقوق، وأن تكون خالية من الإرهاب، وعلى أهمية الحرب ضد تنظيم داعش”.
وأغلب الظن أن ثمة صيغة مرتبطة بالميدان جرى الحديث عنها، وبانتظار مناقشتها في الاجتماع الوزاري الموسع.. ووفق تسريبات إعلامية، فقد طرح الروس صيغة تقوم على تجميد القتال مع “المعارضة السورية المعتدلة” وفك الحصار المتبادل، وإجراء انتخابات برلمانية وحكومة انتقالية وانتخابات رئاسية، على أن تكون المرحلة الانتقالية أطول مما يقترحه الأتراك والسعوديون.
أما عقدة الأسد، فيبدو أنها متروكة إلى حين بسبب الخلاف الكبير حول هذه المسألة: موسكو وواشنطن متفقتان على بقاء الأسد ضمن المرحلة الانتقالية، وخلافهما، وفق تسريبات غير مؤكدة، يتمحور حول بقائه فيما بعد هذه المرحلة، أما أنقرة والرياض وإن قبلوا مبدئيا بقاء الأسد ضمن المرحلة الانتقالية، فإنهما يصران على أن لا تكون هذه المرحلة طويلة، وإنما قصيرة لا تتجاوز ستة أشهر، انطلاقا من مبدأ أن الأسد جزء من المشكلة ولا يمكن أن يكون جزءا من الحل، على عكس الرؤية الروسية التي تؤكد أن الأسد جزء من الحل بالنسبة إلى الأزمة السورية، من دون أن يعني ذلك بقاءه في منصبه إلى حين انتهاء الأزمة، وتصريحات الوزيرين السعودي والروسي تعكسان عمق الخلاف حول الأسد، ففي حين تحاول السعودية وتركيا إخراج الأسد من المعادلة السياسية سريعا، تسعى موسكو إلى عملية هادئة وسلسة لا تؤثر سلبا على مسار الحل السياسي.
سيريان تلغراف | حسين محمد