لا بد من سوتشي وإن طال السفر
تحققت نبوءة صحيفة “كوميرسانت” الروسية، حول نية وزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان زيارة روسيا الأحد، ولقاء الرئيس فلاديمير بوتين في سوتشي حيث جرى سباق “فورمولا-1”.
وأتت هذه الزيارة الفجائية للأمير ووزير الخارجية السعوديين للقيام بمحاولة جديدة للتفاهم مع موسكو حول شروط التسوية السياسية في سوريا، وذلك بعد مشاركة محمد بن سلمان في أعمال منتدى سان بطرسبورغ الاقتصادي في شهر حزيران/يونيو الماضي، والتي كانت رسالة واضحة إلى موسكو تشير إلى استعداد الرياض حليفة واشنطن لانتهاج سياسة مستقلة عن الغرب مع موسكو، آملة من جديد بتغيير موقف موسكو، وواعدة إياها بشراكة استراتيجية ومشروعات بمليارات الدولارات.
لكن البوادر الخجولة لتطبيع العلاقات بين البلدين تعرضت لامتحان قاس بعد بدء العملية العسكرية الروسية في سوريا عقب أربعة أشهر من زيارة وزير الدفاع السعودي، حيث اتخذت منها الرياض موقفا متصلبا.
بيد أن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، الذي كان يكرر موقف بلاده بأن لا مستقبل للرئيس الأسد، ويدعو إلى إطاحته بطريقة عسكرية، أعلن عشية زيارته إلى روسيا عن حل ممكن للتسوية في سوريا يتمثل بتشكيل حكومة انتقالية، مؤكدا رغبة الرياض في أن تتحول هذه العملية إلى مرحلة انتقالية سياسية يشارك فيها ممثلو كل من النظام والمعارضة، وتجرى خلالها تعديلات دستورية، ما سيقود برأيه إلى تنحي الأسد في نهاية المطاف.
الجبير دعا لكي لا تكون العلاقات بين روسيا والسعودية رهينة للخلافات حول سوريا أو توريد الأسلحة إلى إيران، ولفت إلى أن موسكو والرياض تجمع بينهما مصالح مشتركة، مرتبطة بالنفط والزراعة والفهم المتبادل بشأن القضية الفلسطينية.
وفي المؤتمر الصحافي المشترك مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في سوتشي، أكد الجبير أن السعودية “تسعى لإيجاد أرضية مشتركة مع روسيا للحفاظ على وحدة الدولة السورية”، وأنه على الرغم من تمسك المملكة برحيل الأسد ومواصلتها دعم “المعارضة المعتدلة” في سوريا، فإن البلدين متفقان في سعيهما لإيجاد سبل تفعيل التسوية من أجل الحفاظ على وحدة الدولة السورية”.
من جانبه صرح وزير الخارجية الروسي بأن الجانبين بحثا عددا من الأفكار الهادفة إلى تطبيق بيان جنيف الصادر في الـ30 من يونيو/حزيران 2012 بشأن سوريا.
وقال لافروف إن الدولتين متفقتان على الحؤول دون إقامة “خلافة إرهابية” في سوريا، وإن المباحثات بين الرئيس الروسي وولي ولي العهد ووزير الخارجية السعوديين أظهرت وجود فرص جيدة للتعاون بين البلدين في المجالين الاقتصادي (بما في ذلك الاستثماري) والعسكري التقني، مضيفا أن ولي ولي العهد وبوتين بحثا العلاقات في مجال التكنولوجيا العسكرية.
ذلك تلميح روسي ذو مغزى إلى أن الرياض، رغم الزيارات المتتالية للمسؤولين السعوديين إلى روسيا، ورغم زيارة بوتين إلى الرياض عام 2007، لم تنفذ اتفاقات عقدتها مع موسكو حول التعاون العسكري في عامي 2008 و2009، حول تزويد الرياض بـ150 مروحية من مختلف الأنواع، وأكثر من 150 دبابة “تي-90 إس”، إضافة إلى نحو 250 آلية مشاة قتالية “بي إم بي-3″، وعشرات من منظومات الدفاع الجوي الصاروخية، بما يزيد عن 4 مليارات دولار.
وكانت “كوميرسانت” نفسها قد كتبت أثناء زيارة الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز لموسكو عام 2003 عندما كان وليّاً للعهد أنه عرض على بوتين توظيف استثمارات في روسيا بمئتي مليار دولار، وبقي الوعد دون تنفيذ حتى الآن.
وعلى أي حال، فالموضوع المطروح على الطاولة الآن هو مصير الدولة السورية، والموضوعات الأخرى يمكنها الانتظار.
سيريان تلغراف | حبيب فوعاني