العالم من ثنائية الرأسمالية والاشتراكية إلى ثنائية موالاة ومعارضة الأسد
نجاح روسيا بمحاربة الإرهاب في سوريا سيترجم تقدما على طريق بناء عالم مختلف لا تهيمن عليه واشنطن، عالم يحترم القانون الدولي وسيادة الدول وحقوق الشعوب.
واشنطن تعاود الحديث عن تسليح المعارضة “المعتدلة”، وحسب المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية بيتر كوك، تنوي الولايات المتحدة تقديم معدات وأسلحة لمجموعة مختارة من القادة المعارضين، ليستطيعوا مع وحداتهم لاحقا دخول الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم “الدولة الإسلامية”.
جاء هذا الإعلان من البنتاغون بعد إنهاء البرنامج الخاص بتدريب المعارضة السورية “المعتدلة”، البرنامج الذي فشل فشلا ذريعا، حتى اعترفت واشنطن أن عدد “المعارضين المعتدلين” لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة.
من جهة أخرى اتهمت الولايات المتحدة روسيا باستهداف “المعارضة السورية المعتدلة” تلك المعارضة التي امتنعت واشنطن عن تسليحها خلال كل سنوات الأزمة، أكثر من استهدافها لـ”داعش”، لكن حملة الأمريكيين وحلفائهم ضد “داعش” فشلت بعد مرور أكثر من سنة، وهناك شكوك حول إفشالها المتعمد، بحيث واصل التنظيم توسعه في سوريا والعراق وظهر في بلدان أخرى، وبررت واشنطن هذا الفشل بعدم وجود قوة على الأرض تستطيع مواجهة “داعش”.
لكن هذا التبرير يجعل النظرة الأمريكية للمعارضة متطابقة مع الموقف الروسي، فموسكو تشك في وجود المعارضة “المعتدلة” وتعلن استعدادها للتباحث مع “الجيش الحر” إن كان موجودا، وواشنطن لا تجد قوات يمكن الاعتماد عليها على الأرض، أي أن “جيش الإسلام” و”أحرار الشام” و”الفتح” وكل الجيوش التي مولتها دول “المحور المناهض للأسد” لا تصنف أمريكيا كـ”معارضة معتدلة”.
على صعيد آخر تناقلت مواقع سورية معارضة نبأ تمدد جديد لتنظيم “الدولة الإسلامية” الأسبوع الماضي على حساب “الفصائل المقاتلة والفصائل الإسلامية” حسب المصادر، في ريف حلب الشمالي، لكن هذا التمدد الذي شمل الاستيلاء على مدرسة المشاة والمنطقة الحرة وسجن الأحداث، وقرى تل قراح، تل سوسيان، معرته، كفرقارص، فافين، وعدة بلدات ومرتفعات، جرى وفق مصادر المعارضة السورية دون أي مقاومة، ذلك أن مسلحي “الجبهة الشامية” (المدعومة من قبل تركيا) ينتقلون إلى صفوف “داعش” و”النصرة” و”أحرار الشام”، وتجري الإشارة إلى توجه تركي لتحويل “داعش” جنوبا كي يصطدم بصورة مباشرة مع الجيش السوري في حلب.
أما القصف الأمريكي في ريف حلب فلم يؤذ “داعش”، بل دمر محطة لتوليد الكهرباء وقطع التيار عن منطقة واسعة. وتعود واشنطن للحديث عن تسليح المعارضة بدلا من تدريبها، أي أن الفشل في محاربتها للإرهاب لم يحفزها على تغيير استراتيجيتها، الأمر الذي يثير الكثير من التساؤلات إلا إذا كانت الأهداف الحقيقية تختلف عن المعلن!.
لم يعد سرا أن الأزمات السياسية والاقتصادية والثورات الملونة إضافة إلى حروب دامية جرت في العقود الأخيرة بإخراج أمريكي ماكر، استغل غياب الاتحاد السوفيتي لفرض هيمنة الدولة العظمى الوحيدة، وواشنطن ستسعى على الأقل لعرقلة تحقيق نجاح روسي في سوريا، ذلك أن هذا النجاح سيترجم تقدما على طريق بناء عالم مختلف لا تهيمن عليه واشنطن.
لا أظن أن واشنطن معنية بحياة أو موت السوريين، لكن نجاح سوريا وأصدقائها في محاربة الإرهاب يجرد الولايات المتحدة من “حقها المقدس” في إملاء إرادتها على العالم، ويسحب من تحت أقدامها البساط الأممي الذي شرعن في السابق تدخلها.
إذا ليس غريبا أن يصبح الرئيس السوري بشار الأسد رمزا لعالم القطبين قيد التكوين، وأن ينقسم العالم إلى موالاة ومعارضة، كما كان في السابق رأسماليا واشتراكيا.
سيريان تلغراف | رائد كشكية