ماذا يريد الغرب من روسيا ؟
تسعى أوروبا إلى تنقية الأجواء مع موسكو لتفادي أي مواجهة ساخنة بين الغرب وروسيا خاصة بعد التطورات الأخيرة في سوريا.
ويتباين الموقف الأوروبي من روسيا مع الموقف الأمريكي من حيث المنطلقات والأهداف. وفيما تحاول أوروبا وقف تدهور العلاقات مع روسيا، وتبذل بروكسل جهودا لإيجاد قواسم مشتركة وتفاهمات مع موسكو حول الإشكاليات الراهنة، تميل تصريحات المسؤولين في واشنطن أكثر إلى أن تكون أقرب إلى العدائية والشطط.
وفي هذا السياق، جاءت تصريحات رئيس المفوضية الأوروبية كلود يونكر معبّرة عن عدم رضى الاتحاد عن الوضع الحالي للعلاقات مع روسيا، ومشددة على الحاجة الماسة لتحسينها وعدم تركها على حالتها الراهنة.
يونكر أكد أن على أوروبا بذل الجهود من أجل علاقات “عملية” مع روسيا، مضيفا أن مثل هذه العلاقات ليست حميمية لكن يفترض بها أن تكون كذلك، مشددا على انه يتعين “ألا نمضي على هذا النحو”.
تصريحات وزير الخارجية الإيطالي باولو جينتيلوني حملت الأجواء ذاتها، إذ رأى أن الأزمة السورية تتطلب حلا سياسيا، وأن الوجود الروسي هناك قد يكون فرصة لمثل هذا الهدف، إلا أنه حذر من أن يؤدي ذلك إلى تصعيد عسكري لا ضرورة له في المنطقة بسبب غياب التنسيق بين الأطراف المعنية.
أما وزيرة الدفاع الإيطالية روبرتا بينوتي فأشارت إلى أن عدم وجود حوار مع روسيا مشكلة في حد ذاته، مضيفة أن غياب الحوار مع موسكو بشأن سوريا وملفات أخرى، مصدر قلق للدول الأعضاء بحلف شمال الأطلسي.
بينوتي كشفت عن انطباع خرجت به من اجتماع وزراء دفاع الحلف في بروكسل يشير إلى أن الولايات المتحدة ترغب في العثور على مكان لإجراء حوار استراتيجي حول المستقبل.
هذا من الجانب الأوروبي الذي تربطه وشائج كثيرة بروسيا، يعرف جيدا استحالة قطعها أو تجاهلها، فماذا عن الجانب الأمريكي؟
لا تشبه التصريحات الأمريكية مثيلاتها الأوروبية في أي شيء. وفيما يتحدث الأوروبيون بمسؤولية كبيرة ويتوخون الابتعاد عن التصريحات النارية الاستفزازية، يجنح بعض المسؤولين الأمريكيين إلى التهديد والوعيد وطرح مطالب تعجيزية.
و”تنبأ” في هذا الإطار وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر أن تتكبد روسيا خسائر بشرية في سورية، وأن يكون لعمليتها العسكرية هناك عواقب.
وطالب كارتر، في نفس الوقت، موسكو بأن تشارك واشنطن في مواقفها من الأزمة السورية، محذرا من مخاطر حدوث تصادم في سوريا بين الطائرات الأمريكية و”غيرها من الطائرات” التي تستهدف مواقع تنظيم “الدولة الإسلامية”، شاكيا من أن الصواريخ العابرة التي أطلقتها سفن روسيا من بحر قزوين اقتربت لمسافة أميال قليلة من إحدى طائرات بلاده من دون طيار!
يمكن وصف المواقف الأمريكية المتشنجة من روسيا بأنها تعكس القلق من الواقع الجديد الذي بدأ يتشكل في الشرق الأوسط. واقع تشكل بسبب المغامرات الأمريكية “الطائشة” ونتائجها الكارثية في أفغانستان وفي العراق وسوريا، ما دفع إلى بروز دور روسي جديد، انتزع من واشنطن زمام المبادرة في الشرق الأوسط بهدف إعادة ترتيب الأوضاع، وكبح جماح الفوضى التي ساهمت في استشراء التطرف واستقوائه درجة تهديده للأمن العالمي وللاستقرار الدولي.
سيريان تلغراف | محمد الطاهر