التدخل العسكري الروسي في سوريا مغامرة أم دفع للمفاوضات
لا تزال آراء الخبراء والمحللين تختلف حول طبيعة التدخل العسكري الروسي وأهدافه في سوريا، في ظل حملات إعلامية، واتهامات متبادلة.
لقد وضعت روسيا هدفين أساسيين بشكل مبدئي (أولي) لتدخلها العسكري المباشر في سوريا لدعم القوات السورية التابعة للنظام الشرعي.
الأول، منع التحالف الأمريكي من القيام بأي خطوات من شأنها تحديد “مناطق محررة” وفرض حظر جوي عليها، ومن ثم منع المعارضة السورية المسلحة من التكتل في تلك المناطق وشن هجمات برية تحت غطاء جوي لقوات التحالف. وهذا الأمر يجري التحضير له منذ أشهر طويلة، سواء عن طريق العمل المباشر بواسطة تركيا والسعودية وقطر، أو بشكل غير مباشر من جانب فرنسا التي أعلن رئيسها عن ضرورة تقديم الدعم لما أسماه بالمناطق المحررة.
والثاني، رغبة الكرملين في دعم النظام الشرعي في مكافحة الإرهاب، والدفع في الوقت نفسه إلى لقاءات أو اتفاقات ولو أولية بين مختلف القوى السورية، بما فيها النظام السياسي لتسوية سياسية، وهو الأمر الذي يسمح لروسيا بالحفاظ على مصالحها، على عكس ما حدث لها في العراق وليبيا.
الهدف الأول تم الإعلان عنه بعد 6 أيام من بدء القصف الروسي في سوريا على لسان نائب وزير الخارجية الروسي، مبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وأفريقيا، ميخائيل بوغدانوف، حيث أكد أن بلاده ترفض إقامة منطقة حظر جوي في سوريا، بناء على اقتراح تركيا، معللا ذلك بضرورة احترام سيادة الدول.
أما الهدف الثاني، فهو قيد العمل، إذ قامت روسيا بالإعلان عن تحالف أمني لوجستي لتبادل المعلومات الأمنية بينها وبين إيران والعراق وسوريا، ومواصلة العمل إلى جانب القوات السورية، والقوات الكردية “البيشمركة”، حيث اعترفت موسكو بأنها قامت بتسليح هذه القوات، وكذلك إلى جانب متطوعين إيرانيين من حرس الثورة الإسلامية الذين يقاتلون منذ فترة في سوريا إلى جانب عناصر من تنظيم “حزب الله” اللبناني.
إن الدخول العسكري الروسي المباشر إلى سوريا، بدا وكأنه قد تسبب في خلط أوراق كثيرة لدى القوى الغربية المنضوية في التحالف الذي تقوده واشنطن في سوريا والعراق، كما أشاع حالة من الفوضى في صفوف حلفاء واشنطن العرب. ولكن هذا التقدير لا يعكس المشهد بالكامل. فلا يوجد أي خلط للأوراق أمام القوى الغربية التي يروق لها التدخل الروسي على المديين المتوسط والبعيد.
أما حالة الفوضى في صفوف الحلفاء العرب لواشنطن، فهي أمر طبيعي، لأن حسابات القوى الكبري تختلف تماما عن حسابات الحلفاء الضعفاء الذين يمكن أن يتعرضوا للأذى من “الأخ الأكبر”. فالتوافق الضمني الروسي الأمريكي بدمج إيران في ملفات المنطقة يثير قلق الحلفاء العرب ويجعلهم عاجزين عن الإلمام بأبعاد الموضوع والمصالح الكبرى وتبادل الأوراق. كما أن الخلافات بين الولايات المتحدة (قائدة حلف الناتو) وتركيا (عضو حلف الناتو المهم في منطقة الشرق الأوسط والبحر الأسود) تثير أيضا القلق وعدم الفهم لدى الحلفاء العرب.
في نهاية المطاف، أثار التدخل العسكري المباشر في سوريا كثيرا من الفوضى واللغط في رؤية حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة. ولكنه من جهة أخرى أضاء جانبا مهما من المعادلتين الإقليمية والدولية. إذ انتقلت المبادرة من يد بعض القوى الإقليمية إلى القوى الدولية بشكل شبه كامل. وبمحاولات إضعاف هؤلاء اللاعبين الإقليميين.
إن روسيا تحاول استخدام كل الأوراق الممكنة لا لإطالة وجودها في سوريا، أو دفع الأمور إلى حرب واسعة، ولكن لدفع ما يجري في سوريا إلى اتجاه المفاوضات، بالعمل على عدة اتجاهات، على رأسها مواجهة الإرهاب، مع الالتزام الصارم بالقانون الدولي، والسعي لمواجهة الإرهاب على أرض الواقع، لأن هذه المواجهة تحديدا تعد إحدي أهم الأدوات لتحقيق التقارب المطلوب بين جميع الأطراف، ولو حتى على مستوى الحوار الأولي، تفاديا لأي مواجهات وحروب، وترك التنظيمات الإرهابية تمرح في المنطقة وتهدد أمن الجميع.
سيريان تلغراف | أشرف الصباغ