رسالة لافروف واضحة لكن الشيطان يكمن في “الترجمة”
بالأمس أدلى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بتصريح قال فيه حرفيا إن روسيا “مستعدة للاتصال بـ”الجيش الحر” في سوريا إن كان موجودا أصلا”.
إعلان سرعان ما تناقلته وسائل الإعلام على شرائطها “العاجلة” و”السريعة” و”الساخنة” و”الآنية”.. منها من نقلته عن قناة “RT” العربية، بحكم أنها المصدر، المفترض أنه الأقرب من شخصية رسمية بحجم لافروف، ومنها من تفردت بترجمته على هواها لتقدمه بصورة “متناقضة” مع الأصل.
في ظل هذا الصخب الإعلامي والسياسي، السابق والمصاحب، لغبار الضربات الجوية الروسية في سوريا سوقت قناة “الجزيرة” القطرية ترجمة، أقل ما يقال فيها إنها مشوهة لتصريح لافروف المذكور فنقلت على لسانه أن روسيا مستعدة للاتصال بـ “الجيش الحر” في سوريا “إن بقي موجودا”.
تفسير الفرق بين العبارتين (إن كان موجودا أصلا) و(إن بقي موجودا) لا يحتاج إلى فقيه في اللغة العربية.
صحيح أن سيرغي لافروف شاعر، قبل أن يكون دبلوماسيا محكنا وبليغا، إلا أن عباراته دقيقة لا تحتمل التأويل، خاصة وأن تصريحه لم يقتصر على هذه العبارة، إذ قال:” يتحدثون عن الجيش السوري الحر، لكنه هيكلية وهمية، وأنا طلبت من وزير الخارجية الأمريكي جون كيري تسليمنا معلومات عن مكان وماهية هذا الجيش ومن يقوده، ونحن مستعدون حتى للتعاون معه إذا كان من المعارضة السورية المعتدلة”.
لاشك أن الفرق بين ما قاله لافروف وما نقلته “الجزيرة” على لسانه جلي، خاصة إذا ما وضع في سياق الضربات الجوية التي تنفذها روسيا في سوريا حاليا، إذ تقدم ترجمة “الجزيرة” للقارئ إيحاء بأن موسكو ستقضي بمقاتلاتها على ما بقي من هذا الجيش ولن تتعاون معه.
تناول تصريحات لافروف بهذه الطريقة مفهوم من قبل قناة تملكها جهات تقف على النقيض من موسكو تجاه الصراع السوري.
لكن بالمقابل أين هو الجيش الحر في سوريا؟
مع دخول “الثورة السورية” مرحلة العنف، وضع المنشقون عن الجيش السوري النظامي نواة تشكيل عسكري، ورأى فيه معارضون لدمشق قوة منظمة قادرة على وقف “قمع” السلطة السورية لثورتهم فباركوا حمله السلاح في وجه الحاكم.
لكن هذه الأحلام سرعان ما أخذت تتلاشى مع دخول الأموال الخارجية لعبة السياسة والعسكرة في التشكيل الوليد، ما أشاع في صفوفه الفساد الإداري والانقسام التنظيمي وسهل لاحقا توظيف بعض فصائله لأهداف أبعد من مجرد “إسقاط النظام”.
وزاد في طمس هوية “الجيش الحر” تسلل شخصيات إسلامية، وإن كانت “معتدلة” برأي كثيرين، إلى صفوف قيادات هذه الفصائل، ما جعل البعض يصنفها ضمن تنظيمات إسلامية كبرى متطرفة تحمل راية الدفاع عن الإسلام في وطن يعتبر مصدرا للفكر الاسلامي المعتدل.
ولعل انحراف الكثير من هذه الفصائل عن “النهج الوطني” باتجاه أسلمة القضية هو ما قزم حجم “الجيش الحر” وحوله إلى مجرد جماعات صغيرة متناثرة بين جيوب تلك التنظيمات الإرهابية العملاقة.
من هنا تأتي رسالة موسكو عبر لافروف إلى هذا الجيش بأن ينأى بنفسه عن التشكيلات الإرهابية التي تتخذ الدين ستارا، ويطل برأس موحد قادر على التفكير في مخرج للمعضلة السورية.
وإذا كانت قناة “الجزيرة” حريصة على سوريا وشعبها فما عليها سوى نقل هذه الرسالة بأمانة.
سيريان تلغراف | مازن القاسم