ماذا لو فرضوا وصاية أممية على الدول العربية المهددة بالتفكك والانهيار ؟!
تدور التحليلات اليوم عن أولى نتائج الجهود العسكرية الروسية في سوريا لمكافحة الإرهاب، وبالذات حول تهميش دور القوى الإقليمية في الملفات المهمة.
لاشك أن المبادرة انتقلت إلى الدول الكبرى، بعد أن فشلت القوى الإقليمية في الحفاظ على استقرار وأمن المنطقة. بل وكانت الرعونة السياسية، والأنساق الانقسامية التي تميز سياسات القوى الإقليمية، والاصطفافات الخاطئة، والفشل في تحديد الأولويات، هي أسباب بديهية لما وصلت إليه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
الحديث يجري اليوم عن تعميم نموذج “ناميبيا”، وذلك بفرض وصاية الأمم المتحدة على الدول العربية التي يهددها التفكك والانهيار. هذا الحديث يدور بشكل جدي. ويبقى فقط وضع المقدمات المنطقية والقانونية، والاتفاق بين القوى الكبرى، لكي يتم التنفيذ. وربما تكون هناك خلافات واختلافات بشأن هذا الطرح الذي أصبح متداولا بشكل عام في الدول الغربية، وفي الولايات المتحدة بشكل خاص.
لقد عقد مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بالتعاون مع منظمة “حقوق الإنسان أولا”، الأربعاء 30 سبتمبر/أيولول الماضي، في نيويورك، ورشة عمل للخبراء حول حقوق الإنسان ومكافحة التطرف تحت شعار “أوقفوا التطرف بدعم حقوق الإنسان”.
هذه الورشة عقدت على هامش اجتماعات قمة مكافحة التطرف التى انعقدت بمقر الأمم المتحدة بنيويورك فى 29 سبتمبر/أيلول. وسلطت الأضواء حول كيف يؤدي الاعتداء المنهجي الجسيم والمتواصل على حقوق الأفراد والجماعات، إلى خلق – أو تنمية– بيئة اجتماعية وسياسية مواتية للتطرف والإرهاب، ومحفزة على انتهاج التطرف السياسي والديني العنيف، واللجوء لأعمال العنف والانتقام الفردي والجماعي، والالتحاق بالجماعات الإرهابية.
لا شك أن هذه الورشة وطروحاتها وأهدافها تروق تماما للسياسات الأمريكية وسيناريوهات واشنطن المتعلقة بالتعامل مع القوى الدينية في المنطقة، وإعادة ترسيم حدود دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
شارك في هذه الورشة 39 خبيرا من الأمم المتحدة، ووزارة الخارجية الأمريكية، ومصر، وسوريا، وليبيا، وتونس، وكينيا، والعراق، والسودان، والمغرب، وبريطانيا، وأيرلندا. وافتتح أعمالها زاخ سيلفرستين نائب مدير منظمة “حقوق الإنسان أولا”، وستيفن فيلدستين نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكية للديمقراطية وحقوق الإنسان، وبهى الدين حسن مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان.
ربط حسن فى كلمته بين فشل الحرب على الإرهاب خلال 14 عاما منذ هجمات 11 سبتمبر/ايلول، وبين تجاهل استراتيجيات مكافحة الإرهاب في الواقع العملي للعوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية الأساسية –بما فى ذلك الاعتداءات الجسيمة على حقوق الإنسان– التي ساهمت في خلق هذه الظاهرة أو في تمددها، والتركيز بدلا من ذلك على الوسائل الأمنية والعسكرية التى ثبت محدودية فعاليتها، ذلك برغم وجود عدد من مقررات الأمم المتحدة وقمة البيت الأبيض في فبراير/ شباط الماضي، التي أكدت على أهمية التركيز على معالجة “الجذور الأساسية للإرهاب”.
وأعرب حسن عن خشيته من أن تكون قمة مكافحة التطرف العنيف –التي انعقدت في اليوم السابق للورشة، وحضر حسن مداولاتها– هي فرصة ضائعة أخرى على الطريق الفاشل ذاته. ناقشت الورشة العلاقة بين تدهور وضعية حقوق الإنسان وبين تفاقم التطرف العنيف والإرهاب في مصر، تونس، سوريا، العراق، ودول الخليج وكينيا، من خلال أوراق عمل أعدها عدد من الباحثين والحقوقيين.
اختتمت الورشة أعمالها بجلسة خاصة لاستخلاص الاستنتاجات الرئيسية من مداولات الجلسات السابقة. أدار هذه الجلسة مايكل بوزنر مساعد وزير الخارجية الأمريكية السباق للديمقراطية وحقوق الإنسان، والمحاضر حاليا بجامعة نيويورك. وتحدث فيها هاني مجلي المدير السابق لإدارة العالم العربي وأسيا والباسيفيك بمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ونيل هيكس مدير تعزيز حقوق الإنسان بـ”حقوق الإنسان أولا”، ومدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بهى الدين حسن. وخرجت الورشة بـ 10 رسائل، من أبرزها:
-الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان هى جزء من مشكلة الإرهاب فى العالم العربي. احترام وتعزيز حقوق الإنسان هو خطوة أساسية للتغلب على المشكلة، وخاصةً حقوق “السنة” في العراق وسوريا و”البدو” في مصر.
-الخطاب المتطرف للمؤسسات الدينية الحكومية هو أحد أسباب تفاقم الإرهاب فى العالم العربي. وبالتالي، فاستقلال هذه المؤسسات عن الحكومات ومنع تسييسها، هو خطوة لا مناص منها للتغلب على المشكلة.
-ضرورة قيام الدول المصدرة للسلاح إلى الدول التي تكافح الإرهاب، بالتأكد من أن هذه الأسلحة لا تستخدم لقمع الشعوب والأفراد والجماعات المعارضة سلميا، هذا القمع غير المشروع يؤدي إلى تعزيز دوافع النزوع للتطرف والعنف وأعمال الانتقام عند هذه الجماعات والأفراد، وتنمية بيئة مواتية لتجنيد أنصار ومقاتلين جدد للتنظيمات الإرهابية.
-انهيار المكانة الأدبية لجامعة الدول العربية، وبالتالي عجزها عن القيام بدور تفاوضي إيجابي مقبول في حل الصراعات المسلحة بين الدول العربية الأعضاء أو الحروب الأهلية الداخلية، أحد أسباب تفاقم الإرهاب وتمدده بالاستفادة من هذه الصراعات. وبالتالي، فعلى الأمم المتحدة أن تسد هذه الفجوة الخطيرة، من خلال القيام بدور نشيط وأكثر فعالية، لأنها تتمتع بقبول ومصداقية أكبر من كل الدول والأطراف العربية وغير العربية.
كما أنه على الأمم المتحدة دراسة إمكانية وضع الدول العربية التي في سبيلها للتفكك تحت وصايتها (مثل سوريا واليمن)، على نمط ماقرره المجتمع الدولي من قبل مع دولة ناميبيا وغيرها. وذلك من أجل تجنب الانهيار الكامل لهذه الدول وتفككها إلى عدة دويلات فاشلة، تصبح أرضا خصبة للجماعات الإرهابية. ومن أجل وضع حد لمعاناة شعوب هذه الدول فى الداخل، ومنع تحولهم إلى لاجئين هائمين على وجوههم حول العالم، وإعادة تأهيل هذه الدول لحكم نفسها بنفسها، وتضميد جروح عقود من الاضطهاد والمذابح وقصف حكومات لشعوبها بالمدفعية والطائرات، ومن الفساد والفشل فى إدارة التنوع العرقي والديني.
هذه الرسائل الخطيرة، رغم منطقيتها وأهميتها، إلا أنها تعكس كل التوجهات الغربية، وبالذات الأمريكية. وهي التوجهات التي لا تنفصل عن دور هذه الدول في دعم الإرهاب والتطرف والانفصالية، ومحاولات إسقاط الأنظمة التي لا تروق لها ولسياساتها، على الرغم من أنها كانت في أوقات سابقة تتعامل مع نفس الأنظمة وتبرر لها كل الإجراءات.
وإذا كان النموذج الناميبي قد طرح، فهذا يعني، شئنا أم أبينا، أن الولايات المتحدة والدول الغربية تزمع صب المزيد من النار على أزمات المنطقة، والإمعان في خلط الأوراق، وذلك باستخدام الحق الذي يراد به الباطل.
سيريان تلغراف | أشرف الصباغ