درب الصد ما رد !
يذكّر تسابق الدول الكبرى، والإقليمية على استعراض قدراتها لتسوية النزاع في سوريا بالحكاية الشعبية “درب الصد ما رد”.
فبعد تنازل واشنطن، ولندن، وباريس، بالتعاقب، وبعدها، أنقرة عن شرط تنحي الرئيس بشار الأسد، أساسا لحل، لم يجرؤ أحد على الدخول في تفاصيله؛ عززت روسيا ثقلها العسكري في شمال بلاد الشام، ليعلن الرئيس فلاديمير بوتين دون مواربة لقناة “سي.بي.إس” التلفزيونية الأمريكية، أن موسكو ذهبت إلى هناك دفاعا عن نظام الرئيس بشار الأسد الذي تراه الأجدر بمحاربة تنظيمات إرهابية، اختلفت الأطراف الدولية المتورطة في النزاع السوري، في ترقيمها وفقا لدرجة الخطورة مع أن الجميع متفق على تجريم “داعش”.
حاولت إدارة باراك حسين أوباما، اقتحام “درب الصد مارد” فعادت ومعها خمسة متخاذلين، بقايا أول فصيل مسلح “معتدل” من ستين متدربا، أناط بهم ضباط “سي آي إيه” مهمة محاربة “داعش” و”النصرة”، وأنفقوا على تدريبهم آلاف الدولارات من مجموع نصف مليار دولار، تمثل موازنة مشروع أمريكي روجت له الآلة الإعلامية طويلا تحت رمز “تدريب وتأهيل المعارضة المعتدلة” المناط بها القضاء على “داعش” و”النصرة” ومن لف لفهما، على أن يصل عدد المسلحين “المعتدلين” بالأسلحة الأوتوماتيكية وأجهزة الاتصال بالأقمار الصناعية إلى خمسة آلاف معتدل!.
لكن غالبيتهم العظمى اعوجّت؛ قبل الالتحاق بمعسكرات التدريب وفرت نحو دول اللجوء في غرب أوروبا.
وتكسرت نصال المبادرة الإيرانية، على صخرة رفض دمشق، إجراء انتخابات مبكرة، بإشراف دولي، وحتى بعد أن أدخلت طهران تعديلات كثيرة على بنود المبادرة وقلصتها الى أربع نقاط رئيسة لم تفلح في ولوج “درب الصد ما رد” واكتفى الإيرانيون سياسيا بالتفاوض على هدنة الزبداني وملحقاتها ولم يوقفوا الدعم العسكري اللوجستي والميداني.
وتجرأ الفرنسيون على شن هجمات ضد “داعش” في سوريا؛ سبقتها عمليات مسح ورصد وتجسس على قواعد الإرهابيين؛ ولاح أن طهاة الطبخة الفرنسية لا يثقون في سلامة نظر الحليف الأمريكي المفترض أن طائراته فحصت وحللت كل الغبار المتصاعد من المسلحين الجوالين في العراق والشام وباتت تحصي أنفاسهم خلال عام من قيام التحالف ضد “داعش”.
وتوجه فرانسوا هولاند على عربة اسمها المرجلة نحو “درب الصد ما رد” لكنه لم يكمل الشوط فعاد يبحث عن حل لدى فلاديمير بوتين.
لم يفاجأ العالم بتسريع الخطوات العسكرية الروسية نحو سوريا، فقد سبقتها بلاغات صريحة، أكدت أن موسكو ستمد يد العون إلى نظام الرئيس الأسد إذا اقتضى الأمر، وإذا طلبت دمشق الدعم العسكري.
ولم يتوهم أحد أن الكرملين يقوم بحملة علاقات عامة أو أن الدعم العسكري يعني إرسال كراريس لتدريب الضباط والجنود السوريين وكفى.
الإرساليات العسكرية لم تكن خاطفة، بل منتظمة ومتواترة، حرص الكرملين على أن ترافقها دعوات لتشكيل تحالف عسكري أمني إقليمي ضد “داعش” يضم خصوم الأسد من العرب والعجم والأتراك، والبحث في ثناياه عن التسوية السياسية بعد القضاء على “داعش”.
وفيما كانت الدعوة تبدو خيالية، أو شبه معجزة، على حد قول وليد المعلم وزير الخارجية السوري، تظهر اليوم على ألسنة جميع المعنيين، جهارا أم تورية، تلميحا أم تأكيدا، حتى أن دولا تناصب العداء للرئيس السوري، لم تعد تعارض الدخول في تحالف دولي أو إقليمي تكون سوريا بنظامها القائم طرفا فاعلا في منظومته الأمنية والعسكرية.
صحيح أن العالم انتظر من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تفاصيل أكبر عن خطة للتسوية في سوريا، حين خطب من منصة الأمم المتحدة، بيد أن الرئيس الروسي، فضل تجديد الدعوة لتشكيل تحالف عالمي ضد “داعش” وأخواتها وكانت موسكو قبلها بساعات كشفت عن افتتاح مركز في بغداد لتبادل المعلومات الأمنية والعسكرية في الحرب على “داعش”، يضم إلى جانب روسيا، العراق، وسوريا، وإيران.
وترك بوتين الدعوة مفتوحة أمام جميع الراغبين في الانضمام إلى التحالف الذي من غير المستبعد أن يكون بديلا عن التحالف الدولي المتهالك، بقيادة الولايات المتحدة.
إذ من غير المعروف كم تبقى من الحلفاء مع واشنطن وسط تقارير تؤكد أن طياري الدول العربية المنخرطة في التحالف، توقفوا عن التحليق في السماء السورية والعراقية، بعد جريمة حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة.
الدعوة الروسية المفتوحة لخوض غمار حرب، واضح أن الولايات المتحدة أخفقت فيها، قد تفضي في نهاية المطاف إلى تشكيل قوة دولية تدخل الحرب مع “داعش” وأخواتها برا ولا تكتفي بضربات جوية.
فقد أعلن الرئيس الروسي أن أجهزته أحصت قبل أيام 43 طلعة جوية أمريكية على سوريا في يوم واحد “دون نتيجة”.
وربما تكون إيران، وقوات حزب الله اللبناني، والقوات الكردية، نواة لقوة دولية، يديرها عن كثب ضباط روس لديهم خبرة الحرب الشيشانية، على دراية بطرق وأساليب حرب العصابات، ومن المستبعد أن تعترض واشنطن التي تسير حثيثا نحو تطبيع العلاقة مع طهران.
ولكن، كيف سيكون موقف، وأداء التنظيمات المسلحة الأخرى في سوريا؟ وهل يمكن أن تتشجع بدفع أمريكي على وقف، نشاطاتها حتى القضاء على “داعش” لتبدأ مرحلة التفاوض على مستقبل الدولة السورية؟.
هذا هو السؤال في معركة “درب الصد مارد” التي تكسرت نصال المتصدين لها حتى اللحظة بانتظار تحول نوعي على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وبالقطع فإن بوتين ليس بالحالم حين يدعو إلى حرب كونية على “داعش” الذي يتسرب مثل الزئبق في كل حدب وصوب.
سيريان تلغراف | سلام مسافر