الغرب والبحث عن آليات لضمان عدم الاشتباك مع روسيا
تحاول الدول الغربية التسويق لادعاءاتها بوجود عسكري روسي كبير في سوريا بشتى الطرق، على الرغم من تأكيدات الكرملين أن موسكو تكتفي حتى الآن بتسليح الجيش السوري وتدريبه لمقاتلة “داعش”.
ويعكس هذا الموقف رغبة الدول الغربية بزعامة الولايات المتحدة في أن تكون اللاعب الوحيد في ساحات الصراع التي تتواجد بها لتشكلها حسب أجندتها ومصالحها واستراتيجياتها.
بهذه الطريقة غزت الولايات المتحدة جزيرة غرينادا وبنما وفتتت فيما بعد مع الناتو يوغسلافيا وغزت أفغانستان ودمرت العراق وليبيا، وهي الآن لا تريد في سوريا أي دور لدول مستقلة عن الناتو.
وبما أن الولايات المتحدة والغرب والناتو لا يستطيعون أن يملوا على روسيا سياساتها الخاصة أو أن يقيدوا حريتها في اتخاذ الموقف الذي تراه مناسبا بشأن الأوضاع في سوريا، فما كان منهم إلا الاكتفاء بالسعي إلى إقامة آلية مع موسكو لتجنب أي احتكاك عسكري مع روسيا.
وصرح في هذا الاتجاه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس شتولتنبرغ، مؤكدا ضرورة التنسيق لتجنب أي حوادث بين القوات الروسية وقوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”.
هوّل شتولتنبرغ في هذا التصريح من حجم الوجود العسكري الروسي، حيث قال إن موسكو زادت من وجودها العسكري وأرسلت طائرات ودفاعات جوية، مشددا على وجود “حاجة للتأكد من عدم وقوع أي حوادث ووضع آليات لعدم التعارض في ظل الوجود العسكري الروسي المتزايد والمساعي التي يقوم بها تحالف يقاتل تنظيم الدولة الإسلامية”.
ولم يجد الأمين العام لحلف الناتو أي غضاضة في الغارات الجوية التي بدأت فرنسا بشنها على مواقع تنظيم “الدولة الإسلامية” بمعزل عن الحلف إذ رحب ردا على سؤال بالخصوص بجهود جميع الدول “الأعضاء” في القتال ضد داعش، وفي نفس الوقت دعا روسيا إلى “لعب دور بناء ومتعاون في قتال تنظيم الدولة الإسلامية”.
وقبل ذلك، قالت الخارجية الأمريكية إن واشنطن تسعى لمعرفة المزيد من المعلومات من موسكو حول خططها في سوريا، وذلك لمنع نشوء نزاعات بين الجانبين هناك، وأوضح المتحدث باسمها مارك تونير في معرض تعليقه على الاتصال الهاتفي الذي جرى بين وزيري دفاع البلدين في 18 سبتمبر أن الهدف من ذلك “إقامة آليات احترازية لمنع حدوث نزاعات في المكان ومن أجل تجنب الحوادث”.
وكانت إسرائيل سعت قبل الجميع إلى موسكو للتنسيق وإقامة آلية مشتركة لمنع “سوء التفاهم” بين العسكريين الإسرائيليين والروس، حسب تصريح لرئيس الوزراء الإسرائيلي عقب اجتماعه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال زيارته الأخيرة إلى روسيا.
أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه اتفق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول إنشاء آلية للتنسيق بين العسكريين الإسرائيليين والروس لتحركاتهم فيما يخص سوريا.
ورأت صحيفة “هآرتس” في زيارة نتانياهو إلى موسكو “قرصة أذن” للولايات المتحدة خاصة مع التوتر الملحوظ في علاقات البلدين، وهي رسالة موجهة لأوباما بوجود لاعب استراتيجي جديد في منطقة الشرق الأوسط.
كل ذلك يشير إلى وجود بوادر لتغييرات كبيرة في قواعد اللعب في منطقة الشرق الأوسط بين الكبار بعد أن فرض الدور الروسي في سوريا نفسه.
وعلى الرغم من إسهاب وسائل الإعلام الدولية في الحديث عن دور روسي جديد في الشرق الأوسط، إلا أن الطموحات الروسية المعلنة لا تتوافق مع ما تروج له الدول الغربية وبعض ساستها، إذ أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخرا بوضوح أن روسيا لا تريد دورا رئيسا في هذه المنطقة، بل تحمي نفسها بالدرجة الأولى من خطر عودة المقاتلين من مواطني الاتحاد السوفييتي الموجودين في صفوف التنظيمات الإرهابية بسوريا. بوتين أشار ببساطة إلى أن بلاده لن تنتظر هؤلاء بل ستقدم المساعدة للأسد لقتالهم هناك.
سيريان تلغراف | محمد الطاهر