معركة درعا بين الواقع السوري ومطالب الخارج
استطاع الجيش السوري إحراز تقدم خلال الأربع وعشرين ساعة الماضية في مدينة درعا عبر سيطرته على تسع كتل في حي المنشية والـ”سرياتيل” بعد ثلاثة أيام من الاشتباكات مع “جبهة النصرة”.
تزامن ذلك مع محاولة اغتيال قائد “لواء أحفاد عمر بن الخطاب” التابع لما يسمى بـ “الجيش الحر” بسيارة مفخخة عند المدخل الغربي لمدينة انخل في الريف الشمالي.
تأتي هذه التطورات بعيد حالة الوضع القائم “الستاتيكو” التي خيمت على المنطقة الجنوبية إثر الفشل الذريع الذي منيت به معركة “عاصفة الجنوب” التي بدأت في نهاية يونيو/حزيران الماضي واستمرت نحو ثلاثة أشهر تخللتها خمس محاولات فاشلة لاقتحام درعا المدينة.
هذه الحال تصادفت مع وجود عدد كبير من الفصائل المشاركة في العملية (أكثر من 50 فصيلا أبرزهم “الجيش الحر”، “حركة المثنى”، “جبهة النصرة”، “أحرار الشام”، “جيش الفتح”)، وطرحت أسئلة كبيرة حول أسباب انهيار العملية العسكرية، وما تبعها من قيام “غرفة موك” بإلغاء رواتب عناصر “الجيش الحر”.
ثمة عوامل داخلية وأخرى خارجية تشكل بمجموعها الأسباب الرئيسية وراء فشل معركة “عاصفة الجنوب”:
أرجع كثير من قيادات الفصائل المسلحة وفي مقدمهم الناطق الرسمي باسم عملية “عاصفة الجنوب” أدهم الكراد، فشل العملية إلى عدة أسباب:
ـ عدم مشاركة الفصائل الكبيرة التي كان يعول عليها خلال المعركة حيث انسحبت عدة فصائل من جولة المعارك الثانية (“أحرار الشام”، “جبهة النصرة”، “حركة المثنى”).
ـ تضارب أجندة الفصائل فيما بينها.
ـ حالة التخوين وانعدام الثقة بين معظم الفصائل المسلحة.
ـ سوء التخطيط العسكري والاستهتار بقوة الجيش السوري في المدينة.
ومع أن هذه الأسباب قد تفسر خسارة معركة أو مواجهة لكنها لا تفسر ما اعتبره البعض فشلا ذريعا منيت به العملية برمتها، ثمة أسباب أخرى تتجاوز قدرة الفاعلين على الساحة العسكرية في جنوب سوريا، إنها مرتبطة بالتفاهمات الإقليمية ـ الدولية حول مصير المنطقة التي تختلف عن غيرها من مناطق الصراع وتجعل منها منطقة ذات حسابات إقليمية ودولية مختلفة.
وحسب ما أعلنته قيادات في “عاصفة الجنوب” عطلت الولايات المتحدة العملية كلها في خطوة معاكسة لرغبة عاصمة إقليمية في نقل تجربة “جيش الفتح” بإدلب إلى الجنوب السوري، أضف إلى ذلك مخاوف البعض من اليوم التالي لسقوط درعا بيد المعارضة المسلحة في ظل غياب طرف رئيسي وفاعل في التعاطي الأمني في هذه المنطقة، وما قد يؤدي ذلك إلى فرض وقائع جديدة تغير جذريا من المعطيات الحالية.
تختلف درعا عن طبيعة المناطق الشمالية والشمالية الشرقية كحلب وإدلب والرقة والحسكة ودير الزور، من ناحية قربها من العاصمة دمشق، حيث تمنح السيطرة عليها الفصائل المسلحة القدرة على مهاجمة بلدات أخرى ذات أهمية استراتيجية كخربة غزالة التي يسيطر عليها الجيش السوري منذ عامين ومن ثم القدرة على قطع طريق أوتوستراد دمشق ـ عمان الدولي.
يعني سقوط درعا والجنوب السوري بأيدي الفصائل المسلحة القضاء على العمق الاستراتيجي الجنوبي للعاصمة، الأمر الذي سيؤدي إلى نقل المعارك إلى مشارفها، ويصبح ريف دمشق الغربي مركزا للمعارك، مع إمكانية إعادة فتح خطوط الإمداد نحو الغوطة الشرقية.
ويبدو أن هذه المرحلة لم تلق حتى الآن قبولا دوليا خشية تغيير مفاجئ في معادلة الصراع، يصعب على أثرها التحكم بمجريات الأمور.
سيريان تلغراف