الانقسام الأوروبي حول سورية .. مناورات سياسية أم تمهيد لتسوية واقعية ؟
تتواصل الانقسامات بين الدول الأوروبية بشأن تسوية الأزمة السورية بصورة تثير التساؤلات أمام الإصرار الأمريكي على حشد المعارضة “المعتدلة والتعاون مع تنظيمات تراها واشنطن “صالحة”.
بريطانيا وفرنسا وأستراليا والولايات المتحدة تقود حلفا من الصقور، بينما دول مثل النمسا وإسبانيا ترى ضرورة الحل السياسي بما يحافظ على وحدة أراضي سوريا. في هذا السياق، قال وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون إن “قصف تنظيم داعش فى سوريا سيبقى شوارع بريطانيا آمنة، وسيعزز من حملة التحالف الدولى فى العراق”، وأشاد فالون بقرار أستراليا وفرنسا قصف التنظيم، وتحديدا فى سوريا.
إن تصريحات فالون بأن “داعش ينظم ويوجه من سوريا”، مقدمة مهمة لإسناد مسؤولية قصف الأراضي السورية إلى الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وتركيا وأستراليا وقطر، وذلك وفق الآلية التي تناقش حاليا خلف الأبواب المغلقة. على الرغم من جهود المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، وتقديمه خطة إلى جامعة الدول العربية تتضمن رؤيته وتصوره للحل السياسي، وذلك من خلال مجموعة خطوات على المسارات الأمنية والعسكرية والسياسية والخدمات.
ولكن عشية مشاركة دي ميستورا في اجتماع خاص بجامعة الدول العربية لمناقشة خطته الأممية، أقر قائد قوات الناتو الموحدة في أوروبا الجنرال الأمريكي فيليب بريدلاف بأن سلطات الولايات المتحدة لا تمتلك معلومات حول النيات الروسية في سوريا لكنها تراقب نشاطها بتخوف. وأوضح أن الحلف سمع عن كل شيء، ابتداء من المهام الإنسانية وصولا إلى العمليات العسكرية، لذا يبقى لهم أن ينتظروا ليروا ماذا سيحدث. وأعرب مجددا عن مخاوفه “من أن يصبح ذلك تأييدا لنظام الأسد”.
كل ذلك يشير إلى أنه لا الولايات المتحدة ولا حلفاؤها ولا حلف الناتو، يريدون الاستماع جيدا إلى ما تقوله الأطراف الأخرى. فموسكو لا تزال تعتبر أن فرض حلول على السوريين من الخارج أمر غير مقبول. وهو الأمر الذي وصفه الرئيس الأمريكي باراك أوباما بـ “استراتيجية موسكو الخاطئة في سوريا”. ولكن أوباما لا يستطيع إلى الآن توضيح ماهية البديل للقيادة السورية الحالية في ضمان الأمن، ومحاربة انتشار داعش، وصيانة وحدة أراضي الدولة وحدودها.
موسكو لا تنكر، ولا تنفي إرسال مساعدات إنسانية. ووزارة الدفاع الروسية نفسها أكدت أنها أرسلت إلى مطار اللاذقية في سوريا طائرات نقل عسكرية تحمل مساعدات إنسانية للمدنيين. وأكد المتحدث باسم الوزارة اللواء إيجور كوناشينكوف أن الشحنة تحتوي على احتياجات أساسية ومواد غذائية، إضافة إلى تجهيزات ضرورية لإقامة مخيم يتسع لأكثر من ألف نازح. وكرر وزير الخارجية الروس سيرغي لافروف تأكيداته بأن موسكو ستواصل تزويد الجيش السوري بالأسلحة والمعدات الضرورية لمكافحة الإرهاب، باعتباره القوة الأكثر فعالية في مواجهة تنظيم “داعش”.
ودعا التحالف الدولي المناهض لتنظيم “داعش” إلى إطلاق تعاون مع دمشق والجيش السوري في هذا الاتجاه. واستند لافروف إلى ما تراه موسكو أرضية واقعية للعمل على الأرض، وهو أنه يستحيل إلحاق الهزيمة بـ “داعش” عن طريق الضربات الجوية وحدها، بل يجب أيضا إقامة تعاون مع القوات البرية التي تواجه الإرهابيين على الأرض، أما القوة الأكثر فعالية وقدرة على مواجهة “داعش” فهي الجيش السوري، حسب لافروف.
واعتبر لافروف “أن التنسيق مع الجيش السوري سيسمح أيضا بمنع وقوع أي حوادث غير مرغوب فيها بين الجيش السوري وقوات التحالف”. وأن “روسيا تدعم ليس نظام بشار الأسد، بل الجهود التي تبذلها دمشق من أجل مكافحة الإرهاب”.
من الواضح أن التحضيرات جارية، إعلاميا وسياسيا، للاقتراب من دمشق، وليس من الرقة أو معاقل داعش. ووفقا للمنطق الطبيعي، إذا كان التحالف الأمريكي يهدف إلى مكافحة الإرهاب، ومحاربة تنظيم داعش الإرهابي، فما الذي يضيره في تعزيز قوة الجيش السوري الذي يكافح الإرهاب الذي يشمل داعش والنصرة وغيرهما من التنظيمات الإرهابية الأخرى؟ أم أن مكافحة داعش مجرد غطاء لتنفيذ أهداف أخرى قد تنجح فيها قوات التحالف الأمريكي، ولكن نتائجها واضحة مسبقا في العراق وليبيا؟
التساؤل السابق لا يعني إطلاقا اليأس من وجود حلول سياسية للأزمة السورية. ولكن التصريحات المتناقضة للدول الأوروبية تثير التساؤل والشك من جهة، وصعوبة تصور خروج أو تمرد دول أوروبية تتمتع بعضوية حلف الناتو على واشنطن التي تقود الحلف عمليا وتوجهه حيثما وكيفما ووقتما شاءت.
سيريان تلغراف | أشرف الصباغ