ألمانيا ونُذر “الهجرة السورية” الكبرى
أثارت حشود اللاجئين السوريين على تخوم أوروبا وحول محطات قطاراتها، هواجس لدى أوساط أوروبية من تبعات هذه “الهجرة” وخطرها على هوية القارة ومستقبل ألمانيا.
على الرغم من التعاطف الإنساني الواسع في الكثير من الدول الأوروبية حيال أزمة اللاجئين السوريين ودعوات الكثيرين لاستقبالهم والترحيب بهم، إلا أن بعض الأصوات اتخذت موقفا مغايرا، وعدت اللاجئين السوريين خطرا يهدد بتحويل شعوب القارة إلى أقليات في بلدانهم مستقبلا.
وشبه هؤلاء حشود المهاجرين الضخمة التي تطرق أبواب أوروبا الآن بتلك الموجة التي شهدتها القارة في عصر الهجرات الكبرى في القرنين الرابع والخامس الميلاديين، حينما هاجرت القبائل الجرمانية والهون من آسيا إلى أوروبا.
ويقول من يتوجس خطر هذه “الهجرة الكبرى” أن 90% من اللاجئين السوريين هم من الرجال، وستلحق بهم أسرهم، وسينجب كل فرد منهم 5 أبناء على الأقل، وبعد جيل سيصبح الأوروبيون أقلية، بخاصة في ألمانيا التي يعاني مجتمعها من شيخوخة مزمنة بتناقص الولادات بشكل ملحوظ.
المعارضون لاستقبال اللاجئين السوريون يتسلحون بالأرقام، مشيرين إلى دخول أكثر من 350 ألف لاجئ إلى أوروبا منذ بداية العام وبأن عددهم سيصل مع نهايته إلى ميلون، لافتين إلى أن حشود اللاجئين السوريين في محطات قطارات بودابست تهتف باسم ألمانيا وليس أوروبا، وهذا ما يجعل هذا البلد، بحسب ظنهم، في دائرة أقرب إلى الخطر من غيره.
هذه الهواجس السوداوية جسدها الكاتب الفرنسي الشهير ميشيل ويلبيك في روايته “خضوع” الصادرة بداية العام الجاري، وصور فيها فرنسا في عام 2022 وقد تحولت طوعا إلى بلد مسلم تغطيه المساجد.
المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، تبذل جهودا من أجل أن تقبل دول الاتحاد بحصص لاستقبال اللاجئين المحتشدين في اليونان وهنغاريا وإيطاليا كي تعين بلادها في تحمل العبء، إلا أن هذه الفكرة لا تجد ترحيبا في دول أوروبا الشرقية لأسباب متنوعة وذاتية.
ويمكن من جهة أخرى فهم موقف أوروبا الجديدة انطلاقا من أن هذه الدول التي انضمت حديثا للاتحاد الاوروبي لم يكن لها يد في تدمير العراق وأفغانستان وليبيا وسوريا ومالي، وهي دول مصدر ومنطلق هذه الموجة الكبيرة من اللاجئين.
الجدير بالذكر أن ألمانيا التي تعاني فعلا من أعراض “الشيخوخة” هي الأكثر سكانا في الاتحاد الأوروبي بنحو 82 مليون نسمة. وتوجد بها 4 أقليات محلية معترف بها رسميا وبلغاتها الخاصة، هي الدنماركية والصربية والفريزية والغجر الألمان.
ويعيش في ألمانيا بحسب دراسة ميدانية صدرت عام 2009 نحو 4.5 مليون مسلم، بنسبة 5% من تعداد سكان البلد، ويحمل 45% من هؤلاء الجنسية الألمانية، أي ما يقارب 2 مليون شخص، فيما يحتفظ 55% بجنسياتهم الأصلية.
وتعد الجالية التركية الأكبر في ألمانيا بتعداد يصل إلى 3.5 مليون شخص يحمل معظمهم الجنسية الألمانية. وتبذل الحكومات الألمانية جهودا كبيرة في سبيل إدماج المهاجرين في المجتمع. والتشريعات الألمانية لا تعتبر المسلمين أقلية، ولا تعترف بلغات المهاجرين الوافدين.
هذه المعلومات مهمة للإحاطة بمدى جدية التحذيرات من خطر انقراض الألمان وذوبانهم بانضمام موجات هجرة جديدة كبيرة إلى الوضع المقلق السائد هناك.
ويشير عدد من الخبراء إلى وجود تهويل كبير في تقدير الموقف الراهن، مستبعدين أن تشكل موجة المهاجرين السوريين الحالية أي خطر على مستقبل “الهوية” الألمانية، لأسباب عدة أهمها أنه في كل الأحوال لن يستقر جميع اللاجئين الجدد في البلاد بشكل دائم، وسيعود قسم منهم على المدى المتوسط والبعيد على الأقل، إضافة إلى أن الدولة الألمانية تعمل على إدماج اللاجئين، وتشترط اتقان اللغة للحصول على الجنسية.
ويقول أصحاب هذا الرأي إن تجربة الجالية التركية الكبيرة في البلاد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية تؤكد إمكانية استيعاب اللاجئين والاستفادة منهم، كأيد عاملة ضرورية لاقتصاد البلاد من دون أن يشكلوا خطرا ملموسا على “الهوية” الألمانية.
ويؤكد هؤلاء أن ألمانيا على الرغم من خطر تقلص أعداد الولادات المهدد بفنائها، وارتفاع نسبة المهاجرين تدريجيا، لديها الوقت والإمكانيات والبرامج القادرة على تحقيق توازن لا يُخل بالاستقرار الاجتماعي وبوتيرة التطور الاقتصادي.
يصر المتشائمون بالمقابل، على موقف يقول إن شيخوخة المجتمع الألماني لا رجعة عنها، وأن برامج الإدماج ومحاولات تشجيع الألمان على الإنجاب على الأرجح لن تُكلل بالنجاح، وبالتالي سترتفع أعداد المهاجرين وبخاصة من منطقة الشرق الأوسط المقيمين في ألمانيا نتيجة أعدادهم الكبيرة وارتفاع “خصوبتهم” وسيزيح هؤلاء سكان البلاد الأصليين على المدى البعيد تدريجيا.
سيريان تلغراف | محمد الطاهر